الثلاثاء 23 إبريل 2024
كتاب الرأي

لهلالي: الخلافات الأوربية الكبيرة تحول دون اختياررئيس جديد للمندوبية الأوربية

لهلالي:  الخلافات الأوربية الكبيرة تحول دون اختياررئيس جديد للمندوبية الأوربية  يوسف لهلالي

الخلافات الأوربية حالت دون اختيار رئيس جديد للمندوبية الأوربية، وهو اختيار يتم بالتوافق بين مجلس رؤساء الدول والبرلمان الأوربي، مع اعتبار عدة مؤشرات، شمال ،جنوب، بلدان كبيرة وبلدان صغيرة، وتكون كلمة الحسم دئما للبلدين الاساسيين والمؤسسين وهما فرنسا وألمانيا، لكن الخلافات الكبيرة بين ماكرون ومركيل حول المرشح أو المرشحة التي تقود المندوبية الاوربية لخمس سنوات كانت وراء التأجيل.

وذلك لغياب أغلبية واضحة داخل البرلمان الأوربي مما جعل من اختيار رئيس للمندوبية الأوربية أمرا صعبا، خاصة في ظل ظروف تصاعد الخلافات الاوربية وتطلعات بلدانها بين الشرق والغرب وتصاعد قوة اليمين المتطرف والشعبوي. والباب المسدود الذي وصلت اليها المفاوضات من أجل خروج بريطانيا ودعم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للبركسيت.

التوافق حول رئيس جديد للمندوبية الأوربية لم يتم التوصل إلى أي اتفاق حوله خاصة بين باريس وبرلين، وتم تأجيله إلى المجلس الأوربي المقبل الذي سيعقد بالعاصمة الأوربية بروكسيل في 30 من يونيو المقبل، وذلك بعد أن تجنب الأوربيون اللجوء الى التصويت واختيارهم منطق التوافق الذي نهجته أوربا مند تأسيسها في اختيار المسؤولين الأساسيين لمؤسساتها. ورغم عدة لقاءات لم يتم حصول على أي اتفاق وهو ما يثير القلق حول أوربا ومستقبلها، في عالم يعرف تقلبات جيوستراتيجية متعددة.

فرنسا عارضت المرشح الالماني منفرد فيبر و الرئيس الفرنسي اعتبر ان المرشح الألماني يفتقد الى التجربة، ولم يمارس اية مسؤولية مما لا يؤهله لتسيير مؤسسة معقدة مثل المندوبية الأوربية وامامها تحديات كبيرة.

ألمانيا لم يسبق لها أن ترأست المفوضية الاوربية وهي ترى أن الوقت أصبح مناسبا لذلك، وترشح لهذا المنصب المهم والاستراتيجي منفرد فييبر وهو ينتمي إلى الحزب الشعبي، كما أن المستشارة الألمانية انجيلا ماركيل ترشح أيضا جون فيدمان لمنصب رئيس البنك المركزي الأوربي، وهذا الأخير يطرح مشكلا حسب عدة مصادر أوربية، وهو أن مجرد تعيينه على رأس هذه المؤسسة المالية يمكن أن يرفع نسبة الفائدة، لأنه اقتصادي معروفة في أوربا بتأييدها لسياسة التقشف في تدبيره للمؤسسات ألمالية.

فيما يخص فرنسا يصعب التكهن بتوجهها الحالي، الرئيس الفرنسي ايمانييل ماكرون يريد إعطاء دفعة قوية للبناء الأوربي وأعاد اصلاح مؤسساته ولم يتردد في المشاركة في الحملة الانتخابية ببلاده رغم المخاطر السياسية ضد اليمين المتطرف وضد ارتفاع قوة الأحزاب الشعبوية في أوربا، وعبر عن ذلك بشكل واضح اثناء الحملة أو من خلال الحوارات التي خصصها لبعض المنابر الإعلامية في هذا الموضوع.

لهذا ربما يختار شخصية تتلاءم مع اختياراته الليبرالية الأوربية، و حسب عدة مصادر فرنسية، فإن المرشحة المفضلة لرئيس الفرنسي هي الدنماركية مارغريت فيستادجي وهي صاحبة الغرامات الكبيرة ضد عمالقة الانترنيت . وهو ما يعطيها شعبية أكبر في أوربا. وهي الأقرب إلى أفكار قاطن قصر الاليزيه.

هناك مرشح اخر ربما يتم اللجوء اليه كحل وسط و هو المندوب الأوربي ميشيل بارنيي الذي قاد باقتدار كبير ملف خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي التي كانت تراهن على تفرقة البلدان 27 عشرين حول شروط خروجها مما جعل البريكسيت يتحول الى ازمة بريطانية. بالإضافة الى انتمائه الى الحزب الشعبي اليميني،أول قوة سياسية بالبرلمان الأوربي. لكن هذا المرشح لا يلقى دعم الرئيس الفرنسي ايمانييل ماكرون، وغير مرشح بشكل رسمي من طرف الأحزاب الشعبية الأوربية.

بالنسبة لرئيس الفرنسي هناك تحديات كبيرة أمام أوربا خاصة بناء أوربا سياسية، و الوضع تغير على المستوى الجيوسياسي: واشنطن تبتعد عن أوربا كحليف وهو ما يقتضي سياسة دفاعية اوربية وبإمكانيات أوربية، روسيا التي أصبحت لها سياسية اكثر عدوانية تجاه جيرانها وهو ما يثير القلق خاصة بشرق أوربا، والصين التي تنهج سياسة جد دينامية وهجومية على المستوى التجاري من أجل زيادة قوتها الاقتصادية ومن خلال الحصول على بنيات تحتية داخل أوربا من اجل مشروع طريق الحرير الضخم وهو ما يقلق فرنسا وألمانيا.

بسبب تشتت الأصوات داخل البرلمان الأوربي، ربما يتم التوافق على شخصيات أخرى من خارج هذه المؤسسات كحل وسط لتجاوز الخلافات خاصة بين الدول الأساسية في بروكسيل، وتم ترويج بعض الأسماء في هذا الاطار مثل كريستين لاغارد مديرة صندوق النقد الدولي، المعروفة من قربها من المستشارة الألمانية انجيلا ماركيل، والتي سبق لها ان تحملت مسؤولية قطاع المالية في بلدها اثناء حكومة نيكولا ساركوزي، لكن التكهنات تبقى مفتوحة على شخصيات اوربية أخرى لم ترشح نفسها حتى الساعة ويمكنها ان تشكل المفاجأة في حالة التوافق حولها. خاصة ان الاتحاد الأوربي هو في حاجة الى شخصية كاريزمية من اجل إعطاء صورة إيجابية حول اوربا وحول المندوبية الاوربية التي ينظر لها الرأي العام الأوربي كمؤسسة نخبوية وبعيدة عن هموم الناس.

لكن تباين وجهات النظر بين باريس وبرلين حول هذا الموضوع سوف يعقد الاختيار، والمفاوضات الطويلة والمعقدة لإيجاد الشخصية التي ترضي البلدين وترضي المؤسسات الاوربية والرأي العام لم تعط اية نتيجة حتى الان، مما يزيد القلق حول مستقبل اوربا ومؤسساتها.

 يوسف لهلالي