كان الكيميائيون، حتى مطلع القرن التاسع عشر يميزون بين نوعين من المركبات، باعتماد مصادرها: المركبات العضوية المستخلصة من الكائنات الحية، الحيوانية أو النباتية (خام الحياة)، والمركبات المعدنية المستندة من الصخور والماء والهواء... وقد تم التسليم في هذه الحقبة، أنه لا يمكن تصنيع مركبات عضوية، وأنها تنشأ فقط داخل الكائنات الحية بتأثير "قوة خفية" مجهولة، وأنه في غير استطاعة الإنسان تصنيعها.

حكاية "القوة الخفية" ستنتهي بالاكتشاف الثوري الدي قام به الكيميائي فريدريتش وهلر، الدي استطاع عام 1828تصنيع مادة "البولة" أو الايري L'urée، وهي مركب عضوي انطلاقا من مركب معدني: (سيانات الامونيوم). واعتبرت هذه السنة سنة تحول بالنسبة للكيمياء، وتم تحطيم الاعتقاد السائد عن فكرة القوة الخفية، بأنه يمكن تصنيع مركب عضوي بمعزل عن أي كائن حي. وأمام هذا الانبهار كتب الكيميائي لبرزيليوس يقول: "لا يمكنني أن أظل محتفظا بالبول الكيميائي سرا بعد الآن، وعلي أن أعلن أنني أستطيع صنع مادة "البولة" دون الحاجة إلى كلية من إنسان أو حيوان، فملح حمض السيانيك مع الأمونياك هو الإيري "البولة".

هذا الاكتشاف أعطى ثقة جديدة للكميائيين العضويين ليمارسوا اعمالهم بحماس. وتمكن الكيميائي الفرنسي مارسيلان بيرتولو، بعد ذلك، من تصنيع مجموعة من المركبات العضوية انطلاقا من مركبات معدنية: الإيثانول سنة (1854)، حمض الميثانويك (1856 )  

في نفس الحقبة، كتب الألماني كوكيلي الصيغ المنشورة الأولى اعتمادا على رباعية تكافؤ الكربون. فتطور تعريف الكيمياء العضوية وتوسع مجالها ليشمل مجموعة من المركبات لا علاقة لها بكيمياء الأحياء، مثل الملونات المصنعة من طرف ويليام بركين، وأدولف فون باير بين (1856) و( 1880) والمركبات متعددة الجزيئات أو البوليمرات كالباكليت التي صنعها ليوباكلند سنة (1906)، بعد ذلك ظهرت بعض التصنيعات الحديثة مثل: الكورتيزون والفيثامينB12، بفضل الكيميائي الأمريكي روبير وودوور الحاصل على جائزة نوبل سنة (1965).

ويبقى العنصر الذي يشكل أساس المركبات العضوية هو ذرة الكربون، وعليه يمكن تعريف الكيمياء العضوية بأنّها: فرع من علم الكيمياء يتناول دراسة مركبات الكربون (المركبات العضوية). ولهذا يكون مفهوم المادة قد تغير وأصبح يعتمد على تركيب المادة وليس أصلها. وأصبح تعريف المادة العضوية حديثاً: بالمادة التي تحتوي على الكربون كعنصر رئيسي في تركيبها.

الكاربون كأساس الكيمياء العضوية هو عنصر كيميائي من عناصر الجدول الدوري يرمز له بالرمز C، وله عدد ذري 6. وهو من اللا فلزات، رباعي التكافؤ ومنتشر في الطبيعة بعدة أشكال كالماس والغرافيت والفوليرينات بالإضافة إلى الأنابيب النانوية الكربونية.

الكربون له القدرة على الاتحاد مع نفسه وعدد كبير من العناصر الأخرى، لإنتاج ما يقرب من 10 مليون مركب معروف. يتحد مع الأكسجين لتكوين ثاني أكسيد الكربون وهو مركب حيوي لنمو النبات. وعند اتحاده مع الهيدروجين، فإنه ينتج عديد من المركبات تسمى الهيدروكربونات.. وهذه المركبات مهمة في الصناعات المختلفة كصناعة الوقود العضوي. وعند اتحاده مع كل من الأكسجين والهيدروجين فإنه ينتج مجموعات عديدة من المركبات منها الأحماض الدهنية.. وهذه الأحماض أساسية للحياة، والاسترات التي تعطى النكهة لعديد من الفواكة.. والكاربون هو العنصر الوحيد الدي يتحد مع نفسه آلاف المرات ليعطي جسيمات ضخمة وبليمرات كمادة اولية لصناعة البلاسيتك.

يتكوّن الكربون في النجوم -مثلاً الشمس- في أجواء ذات درجة حرارة وضغط مرتفعين. لم يتكون الكربون خلال الانفجار العظيم لأنه يتطلب تجمع ثلاثي لجسيمات ألفا (نواة الهيليوم) حتى ينتج. وفى الأصل تمدد الكون ثم برد بسرعة كبيرة حتى أصبح ذلك ممكنا. وبصفة عامة فإن الكربون أنتج في داخل النجوم بداخل الفرع الأفقي. كما أنه أنتج أيضا في حالة عديدة الذرات.عرفه العرب باسم الخَصفَن: (على وزن فعلن من الخَصِيف أي الرماد، ذلك أنّه المكوّن الرئيسي للرماد، رمزه الكيميائي العربي خ) ويظهر هكذا في الترجمات القديمة.

لقد اساهم العرب ايضا وبقدرٍ موفور في تطوير الكيمياء العضوية، وبذلك فهم يعتبرون أول من اشتغل بالكيمياء كعلم له قواعده وقوانينه، منذ القرن الثاني الهجري، وطبقوا إنتاجهم في الصيدلية بصفة خاصة. وما زال الالتحام بين شتى المفاهيم لعلوم الكيمياء القديمة ينم عن اللفظ العربي نفسه مثل (ألـ وخيمياء) وهو الشكل الإغريقي الذي يطلق على مصر. كذلك أصل كلمة كحول وهو عربي بمعنى غول وحوّلت هذه الكلمة إلى اللغة الغربية بهذه الصفة.

تدخل الكيمياء العضوية في الكثير من عمليات التصنيع مثل صناعة البلاستيك وإنتاج البتروكيماويات، الدواء، البوليمرات، الطلاءات، الزيوت، ويتم استخدام علوم الكيمياء العضوية والتفاعلات الكيميائية لإنتاج مواد جديدة، أو فصل المواد من بعضها باستخدام طرق كيميائية خاصة. مثال.. كيفية تصنيع البلاستيك البلاستيك مواد يمكن تشكيلها بسهولة، أصلها مركبات كيميائية يتم الحصول عليها من النفط، ويتركب البلاستيك من مركبات ذات سلاسل طويلة تسمى بالبلمرات(polymeres) ، الترتيب المميز لتلك المركبات يمنح البلاستيك مزايا متعددة، إن البلاستيك الصلب يستبدل المعادن في كثير من الأدوات، وأصبح يمتلئ حياتنا. ولمنتجات البلاستيك أعمار طويله تمتد لسنوات عديده. وهناك العديد من أنواع البلاستيك كل له مميزات خاصه به فقد أستعمل لصنع مواد لا يمكن صنعها من غيره وقد استعمل ليحل محل العديد من المواد في الصناعات المختلفة، مثل إحلاله محل الفلزات في الطيارات والسيارات، والألياف الطبيعيه والجلود الحيوانية والورق والخشب...

- محمد حمزة، أستاذ التعليم العالي بكلية العلوم بنمسيك