الخميس 25 إبريل 2024
كتاب الرأي

سفيان الحتاش: بعد تأسيس لجنة اطلاق سراح المعتقلين، أي أفق لحل أزمة حراك الريف؟!

سفيان الحتاش: بعد تأسيس لجنة اطلاق سراح المعتقلين، أي أفق لحل أزمة حراك الريف؟! سفيان الحتاش

مما لا شك فيه أن التئام اللجنة الاقليمية بالحسيمة لإطلاق سراح المعتقلين يعتبر بحق انتصارا للإرادة الجماعية بالريف في اتجاه تقويم سيرها الجماعي، اللجنة التي شكلت فرصة لنخبة الريف بكل أطيافها السياسية والايديولوجية لتأكيد وجودها وتجاوز استقالتها في معانقتها للهم الجماعي، كما أن هذه الخطوة تفترض أن تلقى تفاعلا إيجابيا من جانب الدولة وملاقاتها في منتصف المسار لقطع الطريق على الغوغاء ومروجي العدمية السياسية من جهة وعلى العقلية المخزنية المزهوة بالمقاربة السلطوية والأمنية المتعارضة مع منطق الدولة في فلسفتها السياسية للعهد الجديد التي يمثلها الملك محمد السادس بأفقه الاصلاحي من جهة ثانية.

واذا كان حدث تشكيل وتأسيس اللجنة  يعد في حد ذاته انتصارا للعقل السياسي والاجتماعي الجمعي الريفي، على الأقل في مستوى النخبة واجتماعه على أرضية وتصور محدد بغرض إحداث اختراق معين في جدار الأزمة، فان ثمة عمل كبير ومجهود مضني ينتظر عمل هاته اللجنة، وأكبر التحديات الملقاة على عاتقها تكمن بالأساس في توحيد الجهود وتذليل الصعاب على مستوى علاقتها بالمعتقلين وعائلاتهم والرأي العام بالمنطقة الذي يحمل صورة فيها كثير من السلبية والتشويش في كل ما هو مؤسساتي في شقيه المدني والسياسي بسبب المناخ الذي أشاعته بعض خطابات الحراك حول دور الفاعل الحزبي والمدني والنقابي حيث اعتبرته شرا مستطيرا ودكانا للارتزاق لم تستثني منه أحدا بالهجوم والتخوين، دون أن تقدم تلك الخطابات البديل عن الأحزاب والجمعيات والنقابات في تدبير النظام الاجتماعي والسياسي للبلد وبالتالي تكون تلك الخطابات قد سقطت في العدمية السياسية المولدة للفوضى والمشرعة لقانون الغاب السياسي والتنظيمي.

     إن أحد شروط ومقومات نجاح اللجنة في عملها هو تعاون وتفاعل المعتقلين وعائلاتهم مع مجهوداتها، وهنا ألتمس من السيد أحمد الزفزافي رئيس جمعية تافرا للوفاء والتضامن لعائلات المعتقلين كما أدعو المعتقلين السياسيين أنفسهم بمنتهى الجد، أن ينخرطوا في هذه المبادرة بغرض التأسيس لميثاق مجتمعي لتوحيد الصف الريفي بهدف تحقيق الهدف الأسمى الذي هو إطلاق سراح المعتقلين وتحقيق الملف المطلبي .هذا الميثاق المجتمعي المنشود يستدعي أيضا أن تكون الدولة طرفا فيه بل ويجب ان تسعى إلى إنجاحه من أجل التسريع في انجاز الحل وطي ملف الازمة والتأسيس لمرحلة انتقالية في الريف وتصحيح أعطاب المصالحة وثغراتها التي أفضت الى مدخلات من الازمة أدت الى انتكاسة كل المجهودات والديناميات الإصلاحية والتنموية بالمنطقة منذ الزيارة التاريخية للملك محمد السادس الى الريف سنة 1999 غداة اعتلائه الحكم، إلى عشية انفجار الانتفاضة الشعبية بعد الحادثة المأساوية التي أودت بحياة بائع السمك محسن فكري.

      المطلوب أيضا من اللجنة وكل الأطياف الريفية المنخرطة في دينامية الحل، خاصة المعتقلين السياسيين وعائلاتهم أن يعلنوا موقفا صريحا ويقفوا على مسافة واضحة من الأطاريح الانفصالية التي أنتجها الحراك الاوروبي خطابا وسلوكا، كما ظهر ذلك في مسيرتي "روتردام" و"دنهاخ" الأخيرتين، لأن تلك السلوكيات المتهورة التي أقدم عليها بعض المغامرين والمقامرين بمستقبل المنطقة والوطن من الدوس على صور الملك وإخراج الريف من خارطة المغرب ورفع شعارات انفصالية هي سلوكيات لا حراكية ولا ريفية ولا وطنية، يجب إدانتها بأشد العبارات والتبرؤ منها ومن أصحابها. لأن هكذا افعال وتصرفات تسيء إلى الريف وأهله وتاريخه الوطني، وهي لا تمت بصلة لأخلاقيات وأدبيات النضال المسؤول والملتزم.

نقول هذا الكلام لأننا على قناعة ووعي تام أن تهمة الانفصال أساءت كثيرا للحراك الشعبي بالريف وملفه المطلبي وقمته كحراك طائفي عنصري انفصالي ليس في علاقته بالدولة والسلطة فقط، ولكن عند الرأي العام الوطني والدولي وحتى أعطت المشروعية لكل المقاربات الامنية والقضائية .

      للأسف، هناك من لا يزال يخلق مناخا سلبيا بالريف فبعض الأصدقاء الجهلة عندنا لا هم لهم سوى تسفيه ونسف أي مبادرة تحاول إيجاد أي حل للخروج من الأزمة التي توجد عليها المنطقة منذ استشهاد محسن فكري وانطلاق الحراك الشعبي وما تبعه من اعتقالات ومحاكمات أفضت الى اصدار أحكام قاسية على المعتقلين. وإذا تجاوزنا في الوقت الراهن بعض التداعيات السلبية الناتجة عن تجاوز وتجاهل كثير من القواعد والمسلكيات التي كان يجب على الحراك ونشطائه الأخذ بها لتنظيم الحراك وهيكلته تحصينا له من أي اختراق أو توظيف في اتجاه يخدم أجندات تتعارض مع ملفه المطلبي الاجتماعي والحقوقي، وهو ما سقط فيه الحراك للأسف الشديد. فان اصرار البعض الى يومنا هذا على إشاعة خطاب العدمية في المنطقة في إطار المزايدات الفارغة لهو شيء غير مستساغ وغير مفهوم تماما بالشكل الذي يجعلنا نطرح سؤال وجيها وموضوعيا: ما ذا يريد هؤلاء من هذا التهور والعبث؟ وأي أجوبة وبدائل يملكون لحل الأزمة؟ ولمصلحة من تقويض المجهودات التي تقوم بها بعض الفعاليات المدنية والسياسية لإطلاق سراح المعتقلين؟ ما معنى أن نسفه بعض اطارات الحل ونسوق للبعض الاخر؟ كيف يمكن ان نرفض او نشكك او نضرب تحت الحزام في اللجنة الإقليمية لإطلاق سراح المعتقلين باعتبارها جاءت من "الدكاكين" وفي الوقت نفسه نسكت أو نتفهم انتقال السيد أحمد الزفزافي إلى الرباط لإجراء حوار مع المجلس الوطني لحقوق الانسان؟ أليس هذا المجلس مؤسسة مخزنية كما تقولون؟ مع أننا نتمنى كل التوفيق للسيد أحمد الزفزافي في مساعيه سواء مع المجلس الوطني أو مع الهيئات السياسية والمدنية الاخرى وفي أي مبادرة تساعد على إطلاق سراح المعتقلين، ولكن كيف يمكن أن نفهم هذه الازدواجية في المواقف والكيل بمكيالين ؟ حراك الريف دينامية مجتمعية لا يحق لأي جهة أو طرف سواء هيئة سياسية أو مدنية أو شخص طبيعي ان يحتكرها أو يخصصها ويحفظها لنفسه لتحقيق مآرب سياسية او مادية شخصية رخيصة..!

      تشكيل لجنة إطلاق سراح المعتقلين بالحسيمة يمثل فرصة سانحة ومنعطف مهم في اتجاه حل الأزمة وإطلاق سراح المعتقلين، بشرط توفر الإرادة الحقيقية والانخراط البناء والجدي لكل الأطراف في هذا المسعى خاصة المعتقلين وعائلاتهم، وهي فرصة أيضا لتصحيح العلاقة  بين الحراك والنخب الريفية في الاتجاهين، فالنخب خاصة السياسية منها شكل لها حدث الحراك اختبارا حقيقيا على مستوى كشف الأعطاب والاختلالات في علاقتها في بواقعها ومحيطها الاجتماعي وبالتالي فهي مطالبة بالنقد الذاتي، وبالقدر نفسه شكل الحراك اختبارا حقيقيا لنشطائه وكشف على حقيقة جلية وهو انه لا يمكن هدم وإلغاء كل المؤسسات والنخب ووضع الكل في سلة واحدة، لان ذلك يسقطنا في دائرة العدمية والفوضى.الدولة أيضا مطالبة بخلق الظروف والشروط المواتية لإنجاح هذه الدينامية عبر تفعيل الوسائط الحقوقية والمدنية.

والله الموفق والهادي الى سواء السبيل.