الجمعة 7 فبراير 2025
خارج الحدود

احتجاج المهمشين وفرض حالة الطوارئ يخرس لسان فرنسا وإعلامها

احتجاج المهمشين وفرض حالة الطوارئ يخرس لسان فرنسا وإعلامها جانب من تبعات احتجاجات السترات الصفراء بفرنسا
بعيدا عن أي معتقد قد يُربط بالمسموح به والممنوع، وفقط في إطار مصطلح "الحرام" بمفهومه الواسع، يبقى القول المأثور "إن قالو حرام، فقل حرام. لكن اللذائذ في الحرام". النهج ذاته الذي يصح استخلاصه مما يستهوي الموقف الرسمي والشبه الرسمي الفرنسي إزاء ما يحدث من مواجع في العالم النامي على وجه التحديد، إن كانت بشرية أو طبيعية. ومنه تستمد انتعاشة خيوط حَبك ما يشفي غليلها في الترويج حتى لا نقول تهييج المستجد كي يصير حديث القاصي والداني. بل ولعب فوقه دور الأستذة المقنعة بشعار العصمة من الخطأ.
وبما أن لا وجود لمعصوم من النكبات في هذا الكون، وتأسيسا على انعدام ضامن لثني أي كان عن قدر مقدر وتوابعه. لا تتأخر الأيام في تقديم الأدلة، ومنها ما تشهده بلاد الأنوار منذ أسابيع من حركات احتجاجية، لم تكتف بتفجير الغضب، وإنما أسقطت أرواحا كشاهد إثبات على حدة الأزمة وعجز السلطات أمام كبح تماديها. الأمر الذي عجل بتناثر الآراء وتضارب وجهات النظر في مآل إلى نتيجة الخيبة وانعدام الجدوى. إلى أن اعترف الرئيس ماكرون بأنه فشل في مصالحة الشعب الفرنسي مع الزعماء، وبعده وزير خارجيته بتصريح: "سيكون ضربا من الانهيار إذا كلفنا ذلك أرواحا". وهاهو الواقع يكلف أرواحا.
وليس هذا فحسب، بل الأكثر إثارة، هو إصابة كل الأعين الناقلة هناك بالحَوَل تجاه ما يحدث، كما وضعت في آذانهم اليمنى طين وفي اليسرى عجين، أو أخرست الألسن التي طالما عملت "من الحبة قبة" وهي تضخم ما يجري في بلد من البلدان مثلما لا تعجز عن نقل كاميراتها وتحفيز أبواقها للتشهير بحادثة سير وقعت في بنجرير أو اعتصام عمال شركة في سوق السبت، أو حتى احتجاج مواطنين على ارتفاع أسعار "البسباس" بعين عودة.
الواقع الآن أمر بكثير على أرض شريكنا الاقتصادي، ولا مجال للمقارنة، ومع ذلك لم يجد فيه أهل الدار "لذة الحرام" للتعامل معه كما يتعاملون مع مصائب غيرهم. إذ لم تحركهم الأصوات المبحوحة بالسخط، ولا الأيادي الملوحة بالرفض، ولا السترات الصفراء المغلفة ببلوغ درجات الصبر منتهاها. وإن كان من درس على الفرنسيين استيعابه، فلن يكون أكثر من وجوب عدم منح أي طارئ خارجي فوق ما يستحق لغرض في نفوسهم، وأن أي محاولة لتلثيم الفعل بنوايا إنسانية إنما سلوك يفضح نفسه قبل ذكاء الآخرين. كما أن اللذائذ قد يكون لها، وبقليل من التعقل، محل في الحلال أيضا.