الأربعاء 27 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

محمد إدومغار: اليسار والانتخابات محاولة في النقد الذاتي

محمد إدومغار: اليسار والانتخابات محاولة في النقد الذاتي

بداية يجب التوضيح أن المقصود بكلمة يسار في هذه المقالة هو فيدرالية اليسار الديمقراطي من باب الاختصار، وليس من باب التخصيص فاليسار المغربي يشمل إضافة إلى الفيدرالية أحزابا وتنظيمات وتيارات أخرى.

1- مقدمة لابد منها:

في الانتخابات الأخيرة علقت أمال كثيرة على هذا اليسار، الذي قدم نفسه إعلاميا كخط ثالث بمشروع مجتمعي ديمقراطي في مواجهة عملية ترسيم قطبية مصطنعة بين مشروعين اعتبرتهما الفيدرالية وجهان لعملة واحدة. وحظيت هذه المقاربة بتعاطف كبير في أوساط فئات كثيرة من المجتمع، دون أن يتم ترجمة هذا التعاطف عمليا إلى أصوات في الصناديق ومقاعد في مجلس النواب.

2- أعطابنا/ أخطاؤنا :

في اعتقادي أن الأمر نتحمل فيه كيساريين مسؤولية كبرى، ويجب أن نكف عن إلقاء اللوم على الظروف المحيطة وعلى أساليب الخصوم بمعنى أخر إن الفشل الانتخابي هو أولا وأخيرا مسؤوليتنا كيسار قيادة وقواعد لماذا؟

أ- يصعب اليوم النجاح انتخابيا بدون التوفر على قاعدة انتخابية قارة قادرة على منحك أصوات كافية للوصول على الأقل إلى العتبة الانتخابية وطنيا ومحليا حتى قبل إعلان أسماء المرشحين وقبل الانطلاق الرسمي للحملة الانتخابية. بمعنى آخر لا يمكن أن تنتظر الفوز وأنت تدخل السباق تقريبا بـ "زيرو" مصوتين... وهنا لنكن واقعيين نحن ندخل الانتخابات بدون قاعدة واضحة وفي أحسن الأحوال بقاعدة مفترضة نربطها بصدقيتنا النضالية وبماضي مناضلينا...

ب- الأمر الثاني الذي يقتضيه النجاح الانتخابي والضروري كذلك لتحصين القاعدة الانتخابية هو التوفر على آلة تنظيمية فعالة منسجمة ومتماسكة وقادرة في الوقت المناسب على تجاوز الخلافات الثانوية بهدف الانتصار للمشروع المشترك هنا أيضا لم نستطيع أن نجعل من هيكلة الفيدرالية أمرا واقعا على المستويين المحلي والجهوي ...

ج- عدم التمكن من بناء خطة تواصلية مندمجة، تبلور خطابا انتخابيا بلغة تبسيطية قريبة من الناس وفي نفس الوقت تحافظ على جوهر الفكرة اليسارية وتحمل المضمون الحقيقي لمشروع اليسار. لا يمكن أن تتقدم للانتخابات البرلمانية بخطاب الإصلاح الدستوري كأولوية مطلقة، كما أن من الأخطاء بهذا الصدد في خطاب الحملة الانتخابية هو الإعلان أن القيام بدور المعارضة البرلمانية هو سقف طموحنا. هذا إضافة إلى عدم طرح حصيلة الحكومة للنقاش العمومي بل أحيانا كان التركيز على تحميل الأزمة لبنية النظام السياسي ككل بمثابة إعفاء للحكومة من مسؤولياتها.

د- النجاح الانتخابي هو في النهاية بالنسبة لمشروعنا السياسي الذي لا يعول على عوامل أخرى كالمال والأعيان والعاطفة الدينية والقبيلة هو نتاج تراكم في عمق المجتمع من نشاط سياسي وتأطيري وفعل احتجاجي وتضامني، والمشكل أن حتى الفعل المنجز في هذا المستوى ينجز باسم الأحزاب المكونة للفيدرالية وليس باسم الفيدرالية التي ندخل الانتخابات تحت شعارها.

هـ- عدم القدرة على استثمار والاستفادة من الديناميات المدنية والجمعوية الفاعلة في المحيط القريب لمشروع اليسار، وبالتالي عدم القدرة على الانفتاح على طاقات مهمة تشتغل في هذا المحيط، بل وارتكاب بعض الهفوات بهذا الخصوص ومنها "الحرب" التي أعلنت ضد إحدى هذه الحركات المدنية رغم إعلانها دعمها الواضح للفيدرالية وللاشتراكي الموحد بالضبط.

3- هل يعني هذا أن اليسار قد فشل؟

أمام هذا كله هل يمكن أن نعتبر أن اليسار فشل؟ الجواب سيكون على مستويين :

- المستوى الأول سيكون بنعم فشلنا انتخابيا، وأولى مؤشرات الفشل هو الفوز في دائرتين من أصل 90 دائرة تمت تغطيتها، ثاني مؤشر هو عدم التمكن من الوصول إلى العتبة الانتخابية 3 في المائة وطنيا، ثالث مؤشر هو العجز عن إقناع جزء من المقاطعين أو العازفين انتخابيا وخاصة المتعاطفين مع مشروعنا السياسي أولا بالتسجيل في اللوائح الانتخابية وثانيا بالانتقال إلى مكاتب التصويت لدعم لوائحنا.

- المستوى الثاني سيكون الجواب مختلفا وهو أننا نجحنا سياسيا في تكسير، ولو بشكل جزئي، القطبية المصطنعة والتي حاول الجميع تكريسها إعلاميا على مدى 12 شهرا أي منذ انتخابات 4 شتنبر 2015.

النجاح الثاني هو إرجاع الثقة لفئات كثيرة من المثقفين والفنانين والأكاديميين والإعلاميين في العمل السياسي عامة والحزبي خاصة. النجاح الثالث والذي سجلناه في أكثر من منطقة، هو إعادة الثقة في اليسار الديمقراطي داخل المدن الكبرى فبالإضافة إلى انتزاع مقعدين هامين في مركزين حضريين أساسيين( البيضاء أنفا والرباط المحيط)، فقد ارتفع عدد أصوات اليسار الديمقراطي تقريبا في كل المدن الرئيسية للمغرب مقارنة مع انتخابات 04 شتنبر 2015، بل وفي أحيان كثيرة احتل اليسار المركز الثالث أو الرابع في المناطق الحضرية.

4- والآن ما العمل؟؟

إن مهمة اليسار الديمقراطي الأولى هي النضال من اجل المساواة والعدالة الاجتماعية ولكن تحقيق هذه المهمة رهين ببناء نظام ديمقراطي يضمن قواعد سليمة للتنافس النزيه بين مختلف التيارات السياسية، وهو ما يضع اليسار أمام تحدي مواجهة مختلف أشكال الاستبداد و التحكم السياسي والتي نتج عنها في المغرب قتل السياسة بمعناها النبيل وتحويلها مع توالى الأيام إلى مجرد تبادل للمصالح والمنافع بين نخب "مترهلة" نتج عنه فقدان تام للثقة بين المواطن وشيء اسمه "السياسة".

وهذا يتطلب عملا في العمق وقدرة على الإبداع في طرق تعبئة المواطنات والمواطنين وإشراكهم في سيرورة بناء الديمقراطية كفاعلين أساسيين وليس فقط كمستهلكين من خلال القدرة على استيعاب التجارب المختلفة للفاعلين المدنيين والجمعويين اليساريين ضمن إطار سياسي منفتح.

ولن يتأتى هذا إلا عبر إعادة الاعتبار للعمل الثقافي ضمن منظومة المشروع السياسي لليسار ومواجهة كل أشكال التنميط الفكري، وبالتالي فتح جبهة للصراع الفكري والثقافي لتكريس قيم الحداثة والمواطنة. ويحتل النهوض بالمنظومة التعليمية حجر الأساس لأي ثورة ثقافية لإعادة صياغة المشروع المجتمعي لليسار فالتفكير في إنقاذ المدرسة والجامعة العموميتين من الانهيار يحب أن يكون مهمة مركزية في جدول أعمال اليسار المغربي اليوم.

وأخيرا يجب أن نعترف أن اليسار يواجه تحدي القدرة على خلق انسجام بين المبدأ والوسيلة والغاية لتقديم بديل اقتصادي بحمولة اجتماعية قادر على تجاوز وضعية الأزمة والانتقال بالوطن إلى وضعية التقدم في صنع مستقبل أفضل لبنات وأبناء هذا الوطن.

هل اليسار بالمغرب يملك اليوم إجابات بعمق اجتماعي ونفس يساري على قضايا مثل التعليم والصحة والتقاعد والمقاصة والبرامج الاقتصادية المختلفة في الفلاحة والسياحة والصناعة والخدمات والطاقة... ؟

أعتقد أن هناك حاجة ملحة اليوم لمؤسسة "يسارية" للدراسات والأبحاث حول الاقتصاد والمجتمع تضم خبراء في السياسة والاقتصاد والاجتماع والتربية و... على شكل مجموعات تفكير متخصصة تبلور تصورات ومشاريع حول مختلف القضايا وتكون قادرة على استثمار مختلف الخبرات اليسارية في اتجاه تقديم بدائل واقعية لما يطرحه البنك الدولي كمعالجة لما يعيشه الوطن من أزمات.

فالوطن في حاجة إلى يسار مكافح قادر على المزاوجة بين النضال الجماهيري والنضال المؤسساتي ويستطيع مناضلوه ومناضلاته تجاوز كل اكراهات الذات ومخلفات الماضي والانفتاح على المستقبل من اجل الوطن أولا.