لم يشأ شهر غشت أن يلفظ آخر أيامه من غير أن يترك ذكرى ستظل ولا شك رفيقة ما تبقى من حياة مواطن. خاصة وأن الموضوع اكتسب كافة شروط التميز والاستثناء المساعدة على الترسيخ في الركن النشيط من الذاكرة.
يقول عسو خرامز بأنه وهو يسوق سيارته، يوم أمس الأربعاء 31 غشت، من الرماني، وبمجرد أن كانت المسافة التي تفصله عن وادي زم بنحو 7 كيلومترات، أوقفه حاجز لرجال الدرك بدعوى ارتكابه مخالفة التجاوز المعيب على خط متصل. هذا قبل أن يطلب منه كإجراء روتيني أوراق السيارة للتأكد من قانونية جميع وثائقها.
وبما أن لاشيء مما ذكره الدركي وقع لدرجة نزوله كالصفعة المباغثة على خده، لم يكن بوسع "عسو" إلا أن يبادر بسؤال متهمه: "أين ارتكبت هذه المخالفة بالتدقيق؟ ومتى؟ ثم من عاين مخالفتي هاته؟". حينها كان رد المسؤول الأمني: "صاحب إحدى السيارات هو من أخبرنا بذلك، وأبلغنا مخالفتك لقانون السير". جواب ارتفعت معه حواجب الرجل استغرابا، مما دفعه لتأكيد الاستفسار: "هل عاين أحد من رجال الدرك هذه المخالفة المتحدث عنها؟"، ليأتي النفي وفي المقابل التشديد على أن مواطنا آخر هو من تطوع للتبليغ.
ونزولا عند المثل الدارجي "كلام المخزن هو الكبير"، تجرع صاحبنا الادعاء برغم مرارته، وتفاديا لأي مزيد من ضياع الوقت والجهد، تم تحرير مخالفة في حقه بناء على ما قاله "المُبلغ" واستقبله الدركي بـ"قولة آمين". إنما ومن باب نصيحة "اتبع الكذاب حتى لباب الدار" اشترط أن يتضمن المحضر اسم الشخص الثاني ورقم سيارته، حتى يتمكن من متابعته بتهمة "الوشاية الكاذبة". وهو الطلب الذي لم يجد قبولا من لدن الدركي ورفضه جملة وتفصيلا. مما ألهم عسو خرامز كون الحل لابد وأن يتأتى من خلال الذهاب معا إلى المقر المركزي للدرك الملكي. فزاد غضب الدركي حين سماعه الاقتراح الموالي، حتى أنه بدأ في فقدان صوابه والتلفظ بعبارات لا تليق برجل سلطة، ربما كان أهونها وما يجوز نشره "سير انت دير قيطون كاع قدام لابريكاد".
عسو خرامز، لم ينصب "قيطونا" ولا "خزانة"، الرجل لم يعتصم، ولم يضرب عن الطعام، كما أنه لم يُدر سيقانه تجاه الجمعيات الحقوقية. وكل ما أداره محرك سيارته وهو يُحدث نفسه بسؤال أصر أن يقاسمه مع رجال القانون العارفين بأصول النوازل:" هل يمكن لأي شخص يبلغ على مخالفة يتم الأخذ بأقواله دون أقوال الطرف الآخر. وتحرر في حقه مخالفة باسم الضابط رغم أنه لم يعاينها ولمجرد أنهم قالو لو؟.
