السبت 4 مايو 2024
مجتمع

سجال شغل الفضاء الأزرق: هل ابن تيمية مقدس لا يحق انتقاده؟

سجال شغل الفضاء الأزرق: هل ابن تيمية مقدس لا يحق انتقاده؟

ابن تيمية الذي يعد عراب الوهابيين، عاد ليشغل مواقع التواصل الاجتماعي ببلادنا،ليس لبروز أطروحات فكرية جديدة تم اكتشافها،بل لأن التمطط السلفي بالمغرب افرز ظاهرة مقلقة تكاد تقترب من "تأليه" ابن تيمية ووضعه في مرتبة الرسل والأنبياء الذين لايجوز انتقادهم ! السجال حول تأثير ابن تيمية على الوهابيين فجره الباحث ادريس الكنبوري في تدوينة(نشرتها"أنفاس بريس") تساءل إن كان ابن تيمية نبيا، وهو ما استتبع تململا في صفوف السلفيين يقودهم جلال المودن،أحد المعتقلين السابقين(تلاميذ أبو حفص) من أصحاب المراجعات."أنفاس بريس"، وفي أطار تتبعها لما يعتمل في الحقل الديني والفكري تنشر الردين معا:


جلال المودن:دريس الكنبوري و مقارعة الجبال-ابن تيمية نموذجا

يصر الصحفي ادريس الكنبوري على اقحام نفسه في معارك اكبر منه - كصحفي-. فمنذ مدة و هو يحاول فك رموز و طلاسم الجماعات الاسلامية و مناهجها و عقائدها .... و سبر اغوارها و دهاليزها مستعينا بزاد مستعار يصطدم في كل مرة بجدار أو منحدر فيقف حيرانا اسفا ،لا يملك معه من الامر شيئا ،لأنه بكل بساطة ليس له ادوات و مفاتيح النظر في مباحث العلوم الشرعية لهذا تظل في عينيه طلاسم . و لعل كلامه -اسفله -عن شيخ الاسلام ابن تيمية من هذا القبيل . لن اعلق على ركاكة الاسلوب لأنه صحفي- بضم الصاد و فتحها -لكي نعرف من هم الكثيرون هؤلاء-و لكن للاجابة على سؤاله المحير حول ابن تيمية اقول متوكلا على الله :
1-ان رفعة الرجل و مكانته العلمية ليس عليها غبار من اعداءه قبل احباءه و يكفي ان تعلم ان كل فرق الاسلام تخطب وده و تستدل بأقواله و تحتج بها على من سواها .
2-ان الرجل من الموسوعية و الاحاطة خاصة بالفرق الكلامية ما جعله نارا على علم في هذا الباب و غزارة تواليفه شهادة على ذلك . الشيء الذي جعل من بعده عالة عليه -في علم الكلام -و هذا ليس ذنبه بل بلغ به علمه و كثرة اطلاعه و هذا عند الدارسين مما جرت به العادة في شتى فروع العلم فلا يذكر التصوف و يحلو إلا بذكر الجنيد و الغزالي و لا يكتب في الاصول إلا استدلالا بالجويني و الآمدي و لا في المقاصد إلا بالشاطبي و ابن عاشور و وو و الرياضيات فيتاغورس و الخوارزمي ........ و لا نتحدث في علم الكلام إلا و ابن تيمية متربع على كرسي الردود و التأصيل و التنقيح ، و التفصيل و التدليل و التمثيل...
لهذا يا ادريس يتكرر اسم ابن تيمية في كتب الكلام كما يتكرر كل هؤلاء فيما برعو فيه من فن . هذه قاعدة مهمة تذكرها دائما سيتكرر معك الامر نفسه في كل علوم الارض و السماء سيتكرر معك اسم نبغ و برز في فنه حتى لا يذكر الفن إلا بذكر ،و هذا امر بديهي ، لكن لا باس ان نكرره معا يا ادريس كي لا تقع في الحيرة و الاندهاش مرة اخرى
3-و لعلك تدري او لا تدري ان ابن تيمية يعد لطبقات الفلاسفة اقرب منه لطبقات الفقهاء . و كتابه نقض المنطق في تسع مجلدات ضخمة خير شاهد على ذلك . و لو طلبنا منك ان تملا تسع مجلدات خربشة فقط لمللت و كللت بله ان تخصصه للرد على ارسطو طاليس و مدرسته و فلسفته . و لهذا لا ينبغي الحديث عن الأعلام بهذا الاستخفاف .
4-متى كان الاستدلال بعالم موسوعي دليلا على العصمة و من قال بعصمته من تلاميذه او محبيه ؟؟؟!!!! ،و لو قلت ذلك في حق ابن تيمية الحنبلي المخالف للمذهب كثيرا ،المثني على المذاهب الاخرى في رسالة خاصة المصرح بتفضيل المذهب المالكي على كل المذاهب ، فما تقول يا ترى في الذين لا يخرجون عن المذهب و لا يستدلون إلا بمالك و اشهب ،و يعتبرون مخالفته مروقا ،و يلزمون الائمة و الخطباء ،و يعاقبون من خالف ذلك ، و على رأسهم أحمد التوفيق !!! ؟؟؟؟
قل لي بربك كلاما في هذا .
أ تملك نفس الجرأة عليه ام ان القلم كف عنه؟
5-صحيح لعله لم يكتب لرجل من اهل العلم من الفضل و القبول ما كتب لابن تيمية ،و ليس هذا استصناما و انما بلغها بأمرين العلم و العمل . لمعرفة علمه يكفي ان تراجع فتاويه و كتبه و اقوال شانئيه قبل محبيه في علمه و فضله، و اما عمله فيشهد عليه مواقفه مع حكام الجور و التتار و معركة شقحب ....... و تجنبت عمدا الحديث عن زهده و كثرة ذكره .... لان هذا بينه و بين ربه
6- لو انك كابدت حفظ القرءان و الحديث و علوم الالة و جلست بين يدي العلماء بالساعات و الايام ... لعلمت كيف يصير العالم عالما و المجتهد مجتهدا و لما تحدث عن ابن تيمية بهذا الاستخفاف و التنقيص و لوضعته موضعه اللائق به و هو القائل عن نفسه :انا الكدي ابن الكدي ،
و لما ركبت عناء الرد على العلامة احمد الريسوني قبله في مقال ملغوم.
7-و ختاما
حبا في ابن تيمية و دفاعا عن ابن تيمية و ولعا بابن تيمية و -قل ما شئت- كتبت هذه الكلمات في هذه الساعة المتأخرة و النوم يغالبني و لسان حالي :قليلا من الاحترام
قليلا من الاحترام فانت تتحدث عن ابن تيمية.

 

إدريس الكنبوري: ما حصل لجلال هو ما يحصل لكل سلفي وهابي
حين كتبت تدوينتي عن ابن تيمية كان لها سبب ورود، وهو أنني خلال قراءاتي المتكررة لكتب الوهابيين أصطدم دائما بأنهم يرجعون إليه ويسيدونه ـ من السيادة ـ على من عداه. وسبب الورود المباشر اطلاعي على كتاب حديث لا يتعب من الإحالة على الشيخ الحراني، وكلما كان يريد أن يحكي عن إجماع العلماء يأتي بابن تيمية وكأنه نائب عن الإجماع ولا يذكر علماء آخرين. هذا سبب ورود التدوينة، التي نقلها أحد المواقع الإخبارية وأعاد نشرها تحت عنوان"هل ابن تيمية نبي أم إنسان؟". لكن السيد جلال المودن، وهو شخص معروف بسلفيته ومعتقل سابقا في ملف السلفية الجهادية، أبى إلا أن يرد على التدوينة القصيرة الخاطفة بمقال في 700 كلمة. وقد اعتبر الأخ جلال أن التدوينة تهجم على ابن تيمية. ولو أنني كتبتها باللغة الفرنسية لقلت إن جلال قرأها من اليسار، ولكنني كتبتها بلغة عربية فصيحة عارية من اللحن، وكان المقصود منها شدة الإلحاح من لدن الوهابيين على الاعتماد الحصري على ابن تيمية، فهي إذن ـ للتبسيط ـ انتقاد لهؤلاء لا لذاك الذي في ذهن جلال، وهو الشيخ ابن تيمية. وما حصل لجلال هو ما يحصل لكل سلفي وهابي. ما إن يروا إسم ابن تيمية حتى يبحثوا: هل هو مدح أم هجوم؟ فإذا كان مدحا أراحوا واستراحوا، وإذا كان تهجما ملأوا الدنيا صياحا. فالأخ جلال ما إن رأى إسم ابن تيمية حتى تحركت غيرته، ولكن الأمر ليس ذاك الذي في خاطره، فأخطأ الطريق إلى الصواب. فقد استعجل، والعجلة من الشيطان. استعجل الرد فسقط في سوء الفهم. وهذا من عيوب المناظرات عند القوم، أن يفتش الرجل عن السقطات لكي يرد لا أن يفهم ما يريد الخصم. هذا إن كنت خصما لأحد، ومن باب أولى لجلال. لقد استعملت يا صديقي أسلوبا من أساليب القوم، انطلاقا من فهم سيء لقول الرسول الكريم"اخشوشنوا". لكن هذا لن يكون أسلوبي. فالتدوينة تدوينة، وليست دراسة أو مقالا، لذلك ما كان لردك أن يتطرق إلى أوصاف ابن تيمية رحمه الله ومؤلفاته ومجلدات كتابه في المنطق وما قال عن النحاة وما قال عنه أصحاب التواريخ وهلمجرا. أتعبت نفسك وأتعبتني معك بردي عليك. فمكان ابن تيمية عندي كمكان أي شخص آخر من العلماء الفطاحل، ولكي أريحك يا صديقي أقول لك: ابن تيمية نجمة من نجوم السماء في دنيا الدين. فهل تغير شيء؟. لا. فالإطراء يحسنه كل أحد، والناس ميالة إلى من يطري من تعشق. تاريخ الإسلام مليء بالعلماء، يا جلال، واحدا واحدا بالإسم والصفة والعطاء، كل على قدره وفي زمنه ومع قومه. وابن تيمية واحد منهم، بالإسم والصفة والعطاء، رحمهم الله جميعا ونفعنا بهم. والله عز وجل في كتابه الحكيم ذكر الأنبياء واحدا واحدا وقال فيهم: "قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط، وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم، لا نفرق بين أحد منهم". هذا عن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، الذين نؤمن بعدم التفريق في ما بينهم، فماذا عن غيرهم؟. نعم، لقد قيل في ابن تيمية كلام كثير من العلماء والفقهاء الذين مجدوه وأنزلوه منزلته. ولكن بالله عليك، هل تعرف واحدا آخر غيره لم يقل فيه العلماء مثلما قالوا فيه؟ إن كتب الرجال والطبقات مليئة بمثل هذا الكلام في حق العلماء، بعضهم ينسيك في بعضهم الآخر. قيل في بعضهم إنه النجم الأوحد، وقيل في آخر إنه السماء التي ظللت الناس، وقيل في ثالث إنه بحر العلم ومحيط الأسرار، وهكذا هكذا. ويكفيك أن تعود إلى"طبقات الشافعية الكبرى" لترى إذا أردت أن تحسن الرؤية. ولكن كما قيل في ابن تيمية مدح قيل فيها هجاء، مثله مثلهم. فلماذا الانتصار لابن تيمية دون غيره؟ أما ابن تيمية نفسه، فالمؤرخون يذكرون أنه لم يكن معروفا إلى زمن متأخر، بعد رحيله بمدة طويلة. وأنت ولا شك ـ إلا إذا ركبت حصان عقلك ـ تعرف كيف تم إحياء ميته في القرن التاسع عشر، وكيف تم التلاعب به وبكتبه التي أصبحت تملأ سمع الناس وبصرهم، وكيف كانت كتبه توزع مجانا في أقطار العالم، وما بقي سوى الجن لم يتوصل بنسخه المجانية منها. فهل كان هذا لأن ابن تيمية رحمه الله كان وحيد القرن، أو وحيد القرون، أم أن القوم حملوه رسالة وهو في قبره، وجعلوه ساعي بريد؟. وقد اتهمتني ـ يا صديقي ـ بركاكة الأسلوب. ولكن قل لي: لماذا جاء أسلوبك متحيرا لا يكاد يستقر على راحلة وأنت تعيرني بذلك، علما بأن ركاكة الأسلوب شرف لا أدعيه، في زمن الركاكة؟. وأقول لك صدقا والله شاهد: أسلوبك دون مستوى التصدي للمنافحة عن عالم جهبيد. لديك أكثر من عشرة أخطاء غريبة، فنحن لا نقول"حيرانا أسفا"، لأن ما أتى على وزن فعلان لا يقبل التنوين، و"المنحذر" ليس بالذال المعجمة، ولا يكتبها كذلك إلا أعجمي، وأنت عربي. ولا نقول"التدليل" بل"الاستدلال"، وقس على ذلك. أما كلامك عن وزير الأوقاف، ولا أعرف العلاقة التي ربطتها في نفسك بينه وبين ابن تيمية، وطلبت مني أن أقول فيه ما قلت في ابن تيمية (وحتى الآن لا أعرف أنا شخصيا ما قلتُه عن ابن تيمية في التدوينة، وإنما شبه لك) فلعلمك ما كتبته عن وزير الأوقاف يصل العشرات من المقالات، بل إنني واجهته في لقاء مباشر على الهواء ونقلت المواجهة بيننا على القناة الثانية في البث المباشر. ولكن ما فائدة أن أقول لك ذلك؟ أنا شخصيا لا أعرف، ولكن ربما كان ذلك لكي تطمئن نفسك. ثم سأقول شيئا آخر: لقد كتبت انتقادات قاسية عن الوزير أحمد التوفيق في المجال الديني، ولكني أيضا كتبت كلاما عاليا عن الروائي أحمد التوفيق، لأنه روائي حقيقي، وأنا أقول هذا من موقع علاقتي بالرواية كتابة وقراءة، لأن هذا هو الإنصاف. ثم إن تأكيدك على أنك مولع كثيرا بابن تيمية لا دخل له في الموضوع، وهو لا يقدم ولا يؤخر، فابن تيمية لديه اليوم ملايين المولعين به، بسبب الآلة التي في بالك، فما يزيد رقم واحد لشخص مولع به، إذا غاب لا ينقص عددها؟ وإذا كنت أنت مولعا به فقط، عشقا، فإن آخرين يعملون من أجله بالليل والنهار وينفقون في سبيله الأموال، عملا. والناس لا تتميز بأنها تبع لآخرين، ولكن بالعقل الذي جعله الله كنزا. واعلم أيها الأخ المبجل أن الناس لا تتفاضل بشدة الأسلوب، ولكن بأخلاق التحاور. الشدة يحسنها كل الناس، ولكن ميزة المتعلمين الأدب.