الخميس 18 إبريل 2024
كتاب الرأي

محمد المرابط: ما مصير قادة الحراك وعلاقة الدولة بالريف ،من خلال تشخيص "جينات التمرد"؟

محمد المرابط: ما مصير قادة الحراك وعلاقة الدولة بالريف ،من خلال تشخيص "جينات التمرد"؟ محمد المرابط
ما يجري في جلسات محاكمة معتقلي حراك الريف، ستبرز وقائعه ذات الصلة بمجالات الانتماء والتاريخ والخصائص "العرقية"، ما إذا كانت هذه المحاكمة، قادرة على إزالة الالتبسات التي يراد لها بوعي أو بدونه، أن تحف بهذه المجالات، أو على العكس ستعمق منها، فتزيد علاقة الدولة بالريف،الطين بلة؟
من هذا المنطلق، سأقف على اتهام ممثل النيابة العامة/الأستاذ حكيم الوردي مؤخرا، المعتقلين بحملهم "جينات التمرد". كما سأقف على رد ناصر الزفزافي باسم زملائه على ذلك، وباستصحاب، سؤال القاضي/الأستاذ علي الطرشي، من قبل، لأحد المتابعين:"هل أنت مغربي؟"،وما شاكل هذا المسلك،عن العلم الريفي وصور مولاي موحند.
وأستشعر مع ما يجري في جلسات هذه المحاكمة ،مما له صلة بالهوية والتاريخ، وبفخاخ هذا المقترب،أن هناك مسؤولية جسيمة، على عاتق القضاء والمعتقلين، حتى نجنب التوجه الجماعي والواعي نحو المستقبل المرور القسري على متاريس شائكة، تنكأ من جديد جراح الماضي.
1-إن القضاء كما أتمثل جانبا من وظيفته يشبه وظيفة الطب في مداواة علل الجسد، لذلك فكما كان يوصف الطبيب في موروثنا الثقافي ب"الحكيم"،نتطلع لحكمة القضاء لعلاج علل جسد الحراك ، والحال أن "داء العطب قديم"، في الريف والوطن، ولا نريد المزيد. ونخشى أن تكون العقلية المخزنية قد خلقت عوائق في علاقة الملك/أمير المؤمنين بالريف، والكل على بينة من مناهضة عدميي الحراك بالمهجر، لزيارته في الصيف الماضي للحسيمة،حيث ظلت هذه الزيارة ما بين بحر الحسيمة وبرها، في حكم المنزلة بين المنزلتين،على مستوى الخبر. لذا وجب التنبيه إلى مخاطر ذلك ،لأنه لما سيكتب لمتحف مولاي موحند أن يرى النور بالحسيمة، سيدشنه صاحب الأمر. وفي صدارة ما سيضمه هذا المتحف، علم جمهورية الريف ونشيدها ،وصور زعيم وأعضاء "حكومة المخزن الريفي".إذن، لنترك وقائع التاريخ تنساب في ذاكرتنا الجمعية بشكل وظيفي.وعلينا جمعيا كما أوصى مؤخرا الأستاذ المجاهد سي عبد الرحمان اليوسفي بالتصالح مع الماضي والحاضر ، وحسن قراءتهما. وأتمنى على الجميع،في مستويات الأمن والسلطة والقضاء،تفادي أي منزلق مفتوح على المستقبل، يؤثر سلبا على الآصرة الوطنية.والمؤمل في المسار القضائي هو معرفة المغاربة لحقيقة الحراك،في نقاط ضعفه.أما نقاط قوته فقد تبناها عاهل البلاد، ومن ثم يتعاظم الأمل في الحل السياسي لملف الحراك. ولهذه الغاية أتمنى على المعتقلين التعاطي بمسؤولية مع نقاط ضعف الحراك، لتيسير الأمور على الوسائط المدنية لمد جسور الثقة الضرورية في هذا الباب.
2-يحيلني الكلام عن "جينات التمرد"،على"اكتشاف الريف"في"المغرب المجهول" ،ل"أوجست مولييراس"،في أعقاب رحلة استكشافية انطلاقا من الجزائر، امتدت من سنة1872 إلى سنة1893،لخدمة الأفق الاستعماري.
ويتأطر اكتشاف الريف ضمن رؤية للأمازيغ،"كعرق لا يروض"، وبهاجس الخوف من تمردهم على فرنسا في الجزائر "في حالة ضعفها".لذلك يخلص مولييراس إلى القول:"فإن شعار الأمم الأوروبية التي تخضع هؤلاء الأعداء غير المتسامحين مع المسيحية هو:الصرامة القصوى والعدالة القصوى".ويقول عن منطقة الريف:"هي تتوفر على عرق من أكثر أعراق العالم صلابة".وأن"الريفي يعشق موطنه إلى حد العبادة".ويقول عن قبيلة بني ورياغل أنها تمثل"الدم الريفي الخالص واللغة الريفية الخالصة"،وأنها "جموحة وغير قابلة للترويض"،وأن "الورياغلي إنسان صلب لا يقبل المهادنة".
لقد ركزت على آيت ورياغل لأن معظم قادة الحراك منها، وكذلك استمرار الحراك في تامسينت،بؤرة الزلزال الاجتماعي في الريف، وبقدر كبير من الرشد. فهل "جينات التمرد" التي شخصتها النيابة العامة في المعتقلين،تستبطن حسب تعبير مولييراس إرادة"الصرامة القصوى"،أم إرادة "العدالة القصوى" ؟
3-رد الزفزافي على ممثل النيابة العامة حول "جينات التمرد"،من منطلق أن "الكلام نفسه جاء على لسان هتلر عندما وصف اليهود بأنهم يحملون جينات المكر والخداع،وكان بمثابة الضوء الأخضر لإبادتهم"،جعلني أستحضر رد الناشط الأمازيغي أحمد يونس من "الحركة من أجل الحكم الذاتي بالريف"،ومدير نشر جريدة"نوميديا" على نفس الجهة القضائية،بالتدوينة و"المباشر"،حيث أشار إلى إبادة هتلر لليهود بناء على نظرية Cézar Lombroso حول الإنسان المجرم بطبعه،حيث اعتبر هذه النظرية متجاوزة في علم النفس الجنائي.وأكد على أنه،"بالفعل لدينا تمرد ،لكنه ليس تمردا جينيا،بل لدينا تمرد هوياتي صنعته سلسلة من الأحداث التاريخية في الريف".
لكن استحضار تاريخ الجوار الإنساني لدى ناصر الزفزافي،في رده،وتشخيص طبيعة تمرد الريف لدى أحمد يونس ،لا يندرج ضمن المقاربة المندمجة لمتطلبات نضال دمقرطة الدولة والمجتمع،من خلال مغرب الجهات،بل على العكس وبصرف النظر عن النوايا،فإنه يخدم أفق العدميين.ويستوي في هذا حتى استحضار تاريخ الحملات المخزنية في الريف لدى الزفزافي الأب.لذلك من غير المستبعد أن يفشل الحراك في أن يتوج نفسه كأداة للإصلاح،إذا لم يتم تدارك الأمر. فإلى من سيصغي ناصر في هذا، هذه المرة؟