الثلاثاء 16 إبريل 2024
كتاب الرأي

د. تدمري عبد الوهاب: في رحاب تخوينات أهل اللايف وتغول الدولة وما تقتضيه المرحلة من جبهة ديمقراطية عريضة

د. تدمري عبد الوهاب: في رحاب تخوينات أهل اللايف وتغول الدولة وما تقتضيه المرحلة من جبهة ديمقراطية عريضة د. تدمري عبد الوهاب

منذ انطلاق الحراك الشعبي بالريف، وخاصة مع الظهور المكثف لأعلام الجمهورية، ومحاولة البعض استحضارها، ليس من باب الدلالة الرمزية لما تكتنزه الذاكرة الجماعية لعموم أهلنا  بالريف الكبير، ولا لمجموع القيم الانسانية التي ينطق بها المتمثلة في تحرير الانسان والمجال من القهر والظلم  والاستبداد. بل لمست أن هناك من أراد أن  يصادر حق الآخرين فيه، ويستأثر بهذا الرمز التاريخي الذي يشكل إرثا جماعيا لعموم أهل الريف الكبير، ولكل المغاربة، والعمل على تحويله إلى ماركة مسجلة لمشروع سياسي قزمي في الحاضر، يتعسفون من خلاله على التاريخ والجغرافيا، وذلك في غياب أي قراءة علمية وموضوعية لمجمل الأحداث التاريخية التي رافقت بروزه إلى حيز الوجود.

 قلت حينها، من له مشاريع سياسية من هذا القبيل، فليفصح عليها وليترك الحراك وشأنه، وأن لا يحملوا الحراك ما لا طاقة له بها، هذا إن لم يستطيعوا الانضباط لمطالبه الخاصة، المتمثلة في الملف المطلبي، والعامة  التي تبتغي الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.

قلت هذا لأني أدركت حينها أن مثل هذه الافكار التي حاول البعض الترويج لها لدى بعض شباب الحراك، الذين يفتقرون لما يكفي من التجربة السياسية لإدراك ما يمكن أن ينتج عنها من اختلافات عميقة، قد تعصف بوحدة النضال ووحدة المطالب. هذا دون الخوض فيما تشكله من قراءة سطحية، وإسقاط وتعسف علي تاريخنا المشترك، وعدم توفرها على شروط تحققها على أرض الواقع .

قلت هذا وكررته على منصة حفل استقبال المناضل المعتقل محمد جلول ببني بوعياش. وتشبثت بالعلم وما يشكله من رمزية بالنسبة لنا، ولذاكرتنا الجماعية. وأكدت على احقيتنا في رفعه كما ترفع الاعلام المحلية والجهوية في كل من بلاد الباسك وكتالونيا واندلوسيا الخ… وفي كل الدول الديموقراطية المركبة أو البسيطة القائمة على الاطونوميات الجهوية المتضامنة. وهو ما لم يستسيغه بعض من كانوا يوردون الأعلام والقبعات المزينة بالنجمة السداسية، وأدركوا خطورة هكذا خطوة وحدوية على أهدافهم الغير المعلنة من الحراك، وعملوا قدر استطاعتهم على إفشال هذه المحطة النضالية من خلال محاولتهم الإيقاع بين المنتدى والبعض من قيادة الحراك الشعبي. وهي المحاولات التي بدأت من بوابة السجن بتيفلت، حيث عمد أحد الوافدين من أوروبا ومن كان خلفه، إلى افتعال  الكثير من المشاكل بين ممثلين عن المنتدي وممثلي الحراك. واعتبر هذه المحطة النضالية مع الأسف فرصة لتصفية حساباته الشخصية مع المنتدي، والتي لا سبيل لذكر سياقاتها الآن. لكن فطنة المناضلين من الطرفين أفشلت هذه المؤامرة، وذلك بعد نقاش صريح مع نشطاء الحراك بواد امليل، ساعد في ذلك علاقات الصداقة والحضور الميداني لمناضلين محسوبين أو كانوا محسوبين على المنتدى في قيادة الحراك الشعبي، وتم الاتفاق على تعديل برنامج الاستقبال بعد أن تم إدماج مقترح المناضل المعتقل ناصر الزفزافي بموافقة المعتقل المفرج عنه الاستاذ محمد جلول القاضي باستقبال رمزي في نفس اليوم بني بوعياش، واستقبال رمزي آخر بالحسيمة، على أن يكون الاستقبال الرسمي اليوم الذي يلي الإفراج عنه، قرب مقر سكناه ببني بوعياش. وتم بذلك تفويت الفرصة عليهم بشكل نهاءي، عندما قرر المناضل المعتقل ناصر الزفزافي المشاركة في فعاليات المهرجان الخطابي الذي نظمه المنتدى، خلفا للأستاذ المعتقل محمد المجاوي، الذي كان  مقترحا للمشاركة باسم حراك الحسيمة، وذلك بمشاركة الإطارات الجمعوية والحقوقية وممثل عن لجنة حراك تاركيزت، في حين انسحب من كان يعبئ ضده وعمل جاهدا على إفشاله عبر التعبئة المضادة التي انتهج من خلالها  أسلوب التخوين والتشكيك في مصداقية المناضلين، وهو ما عبر عنه بشكل صريح، دون أن يذكر فشله الذريع في الإيقاع بين المناضلين أثناء تلك المحطة النضالية، عندما خرج مؤخرا في ندوة صحفية بئيسة التي استنكر من خلالها عدم اعتقال المنسق العام للمنتدى الذي يعرف معدنه جيدا، والذي لم يتصرف معه إلا خيرا فيما مضى من الأعوام، واحترمنا كمنتدي اختياراته وقناعاته، وأخذنا ما يلزم في حقه تنظيميا عندما تمادى في تصريحاته التي اعتبرناها أن ذاك تتعارض مع أدبيات المنتدى وما راكمه من مرجعية .

حينها خرج بعض اللايفيين من أوروبا، وكانوا حينها ما زالوا يعزفون علي ايقاع واحد ولم تفرقهم السيل إلى درجة تخوين بعضهم البعض كما هو الشأن الآن. خاصة الذين لم  يستسيغوا هذا التقارب الذي كان مقدمة إلى وحدة الإرادات والاطارات الديمقراطية الحرة بإقليم الحسيمة، والتي كان من الممكن أن تشكل بداية عمل وحدوي يزيد من حصانة وصلابة الحراك، في أفق توحيد كل الريفيين من أجل تحقيق مطالبهم العادلة، وهو ما رأوا فيه كذلك تهديدا لما خفي من مشاريعهم السياسية الوهمية. فكان لا بد بالنسبة لهم من هجوم مضاد، حتى يفشلوا ما كان مرجوا من هذا الالتقاء الموضوعي وبداية المصالحة بين قادة الحراك، وما يختمر به الاقليم من اطارات جادة يمكن أن تشكل سندا حقيقيا للحراك الشعبي ، وهو ما كان ليشكل مرحلة مفصلية في مسار تطور الحراك. كما أن هذه الخطوة الجريئة كانت تتطلب حينها دعما من كل الديمقراطيين من أجل رأب الصدع وعقلنة الخطاب السياسي للحراك، وإثرائه بمختلف التجارب الديمقراطية المحلية، حتى وإن اقتضى ذلك الدخول في مواجهة فكرية صريحة مع الفكر الإقصائي، وكل أشكال الاستبداد الفكري والشوفينية السياسية التي كان يروج لها البعض. لأن ما تعرضت له شخصيا من طرف جوقة اللايفيين حينها والمنتدى كإطار حقوقي وكل من شارك في المهرجان الخطابي من سب وقذف وتخوين، إضافة لدفعهم لبعض من يدورون في فلكهم ممن كانوا يشاركون في اجتماعات فضاء ميرادور لمطالبة بعض النشطاء الذين كانوا مرتبطين تنظيميا أو فكريا بالمنتدي إلى الإعلان انسحابهم منه حتي يتم قبولهم كقادة ونشطاء داخل الحراك. كل ذلك في توظيف بغيظ ومختزل لشعار "لا  للدكاكين" الذي أرادوا من خلاله إحداث القطيعة مع الجميع، بغية دفع الحراك إلى الزاوية الضيقة، في مقابل تقديم مشروع سياسي وهمي بديل يصلح فقط لتحرير محاضر الاتهام من طرف من كانوا يتربصون بالحراك ونشطائه، وما يمثله لنا من حلم جميل.. وهو ما تحججت به لاحقا، الضابطة القضائية لفبركة المحاكمات. لم يكن حينها هجوما شخصيا أو ظرفيا أو عرضيا، بل كان يندرج ضمن استراتيجية شاملة لمواجهة كل صوت ديمقراطي حر، أعلنت عن بدايتها بشكل صريح  مع محطة استقبال المعتقل محمد جلول، وكان لزاما علينا كديموقراطيين أن ذلك أن نستشرف نهايته، التي كانت من جملة ما تمخض عنها، بعد أن اعتقل المئات من النشطاء وانحصر الحراك داخليا بفعل الإنزال القمعي  المكثف  ومحاصرة كل الريف الأوسط، وانتقال ثقل هذا الاخير إلى دول أوروبا الغربية، هو تخوين المناضلين الشرفاء بالداخل والخارج، وممارسة العنف ضدهم وتسفيه نضالاتهم وتهديد البعض منهم ولعائلاتهم بالتصفية الجسدية التي لم يسلم منها حتى من انتهج أسلوب المهادنة معهم، ليصلوا في النهاية وهم منتشون بتابعيهم الأوفياء إلى إعلان البعض منهم  القطيعة مع الحراك والمعتقلين وعائلاتهم، باعتبار أن الوقت قد حان للإعلان عن جمهورية علامة الأربعين، وتشكيل حكومة المنفي في الاجتماع الذي دعوا إليه بمدينة بروكسيل يوم 28 فبراير من سنة 2018.

أستحضر هذه المحطة النضالية، التي كان من الممكن أن تشكل لحظة مفصلية في تاريخ تطور الحراك، خاصة وأنها شكلت أول منصة خطابية تلم شمل نشطاء الحراك الشعبي والكثير من الإطارات الجمعوية والحقوقية الديموقراطية بالإقليم، بعد مرور ستة أشهر من النفور المعلن تارة والمضمر تارة أخرى بين أبناء الإقليم الواحد.

لكن مع الأسف الشديد، لم يتم استيعاب أهميتها من طرف أصدقائنا ورفاقنا من الديموقراطيين، سواء بالداخل أو المهجر، أو لخلفيات أخرى ستتضح لاحقا، أو لحسابات ذاتية. لكن ما يهم في كل هذا إن حينها سكت الكثير، وابتلع البعض ألسنتهم، إما خوفا من أن يطالهم التخوين أو من أجل  استمالة رضي بعض اللايفيين بخطاباتهم الشعبوية وما يتبعهم من غاوون بكل صفاتهم وأسمائهم  المستعارة، ولم نسمع استنكارا ولا تضامنا من الكثير من الديمقراطيين، ومنهم أصدقاء ورفاق عشنا وناضلنا معا لسنين. فقلت في نفسي  تمهل سيحين الوقت الذي سياتي فيه الدور على  الجميع، لأنني كنت مقتنعا أن أمثال هؤلاء، لا يؤمنون بالحق في الاختلاف، ولا بصراع الافكار والتوجهات، بل طابور خامس ظهر مع الحراك، حديث العهد بالسياسة فاشل مهنيا، ويسعى إلى بناء مشروعيته الوهمية من خلال استئصال مشروعيات أخرى، فردية وجماعية ناضلت وضحت من أجل الريف وكل الوطن لعقود من الزمن، في مقابل إظهار أنفسهم وكأنهم استلموا مشعل النضال عبر حلقات اللايف مباشرة من محمد بن عبد الكريم، الذي ما كان ليرضى بتقزيم مشروعه إلى جمهورية عرقية حدودها علامة الأربعين، وهو الذي وحد قبائل الريف على اختلاف ألسنتها في مشروع تحرري عظيم  .

قلت ما قلته في حينه حتى قبل بداية الاعتقالات في صفوف نشطاء الحراك.

أما الآن وقد اتضحت النيات والتوجهات ومعتقلينا بالمئات سواء بالريف الأوسط أو الشرقي، خاصة مع ما تشهده جرادة حاليا من قمع وحصار واعتقالات  بالجملة، مرشحة لأن تكون كذلك بالعشرات، وهو ما يؤشر علي أن الدولة المخزنية ماضية في نهجها الامني، بما يثبت عدم امتلاكها لأي مقاربة بديلة لحل النزاعات الاجتماعية، وما تمر به البلاد من أزمات. فإننا مطالبين كديموقراطيين وحداثيين، سواء بالداخل أو المهجر، أن نشكل جبهة قوية وضاغطة على قاعدة برنامج حد أدنى، قوامه  اطلاق سراح كافة المعتقلين وإسقاط المتابعات التي صدرت في حق النشطاء، مع المطالبة بإصلاحات سياسية ودستورية عميقة تؤسس لانتقال ديموقراطي حقيقي. هذا إن كنا نريد فعلا أن نكون حاضرين كقوة اقتراحية ضاغطة في ما يتم الترتيب له  للمرحلة المقبلة  في الكواليس المغلقة للدولة المخزنية العميقة، بكل ما تتسم به هذه المرحلة، من حساسية دقيقة وانتقال للسلطة، بالشكل الذي سيجعلها، إما مرحلة انتقالية بتعاقدات اجتماعية جديدة ترقي بالدولة والمجتمع بما يستجيب لطموحات الشعب المغربي في الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والاقتصادية، أو ستتم كسابقاتها بتوافقات سياسية شكلية، تحافظ على جوهر نظام الحكم المخزني، ودون المساس بمصالح اللوبيات المركزية المتحكمة في السلطة السياسية والاقتصادية، وذلك بتواطؤ وصمت من الأحزاب والنقابات وما تمثله من حكومة ومؤسسات.