الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

مصطفى المنوزي: المجال السياسي المغلق وجدوى التظاهر السلمي في ظل حمى الانتخابات

مصطفى المنوزي: المجال السياسي المغلق وجدوى التظاهر السلمي في ظل حمى الانتخابات

كثير منا قد يتساءل حول سبب إصرار السلطة العمومية على مواصلتها اضطهاد  التظاهرات السلمية ، وهذه المرة باستعمال وتسخير شباب عاطل ومنحرفين بعضهم من ذوي السوابق، في تقليد ركيك لما جرى في بلدان أخرى خاصة في مصر التي اشتهرت فيها ظاهرة البلطجية أو بموقعة الجمال في ساحة التحرير بالقاهرة.

قد يبدو في الظاهر بأن الدولة تخشى تطور "التظاهر السلمي" مع العجز في تلبية المطالب إلى تمرد عام أو ثورة بربط الغاية بمكونات الحركة ذات الميول الجذري للشعارات والمواقف، لكن في العمق إن الدولة تعي جيدا بان التربية المدنية وتراكم الاحتجاج السلمي كثقافة لدى المجتمع المدني المغربي يستبعد كل احتمال من هذا النوع.. وكل ما هناك ان الدولة وعلى امتداد سنوات الرصاص وسنوات ما سمي بالمسلسل الدمقراطي والذي يشكل حدث المسيرة الخضراء في نونبر 1975 حدا فاصلا ورابطا في نفس الوقت بين المرحلتين..

الدولة أنهكت الأحزاب التقدمية ذات المشروع المخالف، فاتسعت الهوة بينها وبين المجتمع، فانخرط ما تبقى من فاعلين سياسيين ضمن دكاكين ووكالات انتخابية في "تدبير الشأن العام" أو في "حيازة السلطة السياسية" من داخل دواليبها بالتناوب التوافقي الصوري الذي أنقذ النظام من السكتة القلبية وسهل مأمورية الانتقال السلس للحكم من ملك إلى نجله، ليعود المجال السياسي التقليدي لينوب عن المجال الحديث في صناعة القرار الأمني والسياسي وصناعة النخب وإعادة إنتاج الأعيان والمحافظين عبر أحزاب إدارية أو دينية، مما جعل الاستراتيجية العامة للسياسات العمومية والمشاريع الكبرى تصاغ خارج "المؤسسات الرسمية و"المنتخبة".. ويسجل في هذا الصدد أن الراحل الحسن الثاني كان على الأقل يتخابر ويتشاور مع بعض زعماء "الحركة الوطنية" في القضايا المصيرية. وبالنظر إلى الازدواجية التي عرفها وطننا والتي اتخذت شكل تداخل وتماهي في حالات كثيرة بين المجال السياسي التقليدي والمجال السياسي الحديث، الشكل ليبرالي والمحتوى تقليداني، وهي مفارقة "مفيدة" بالنسبة لنظام الحكم في المغرب، حيث جعلته في آخر لحظة من زمن صياغة الوثيقة التعديلية للدستور يتراجع عن مطلب "الدولة المدنية" ليصير الفصل 19 في الدستور الحالي فصلين، في المشروع المعروض على الاستفتاء الفصل 41 خاص بصلاحيات الملك في المجال التقليدي والفصل 42 في المجال " الحديث" أو المدني. وهما معا يحرصان على استمرار صلاحية "السيادة والحكم " في يد الملك ليظل المجال السياسي محصورا ومغلقا دون حاجة إلى "توسط" أو وساطة مع المجتمع.

فهل تستطيع الدولة التواصل مع المجتمع مباشرة دون استعمال "شرطة النظام العام"؟ كوسيط، ودون استعمال فزاعة الإرهاب والتهديد الخارجي ذريعة لـ "تجميد الصراعات" وتقوية "الجبهة الداخلية"؟

ولكي نعود إلى سؤالنا "المنطلق"، نشير أن الوثيقة الدستورية وحدها غير كافية للقطع مع المجال التقليداني ما دامت مظاهر الهيمنة وعدم ربط الممارسة بالمحاسبة في حق جميع الفاعلين بشكل يشخص إرهاصات الديمقراطية، بل لا بد من تضافر الجهود والنضال على جميع الواجهات.. ولعل الدور الذي لعبه المجتمع المدني عبر كافة وسائل التعبير من الإعلام إلى التظاهر السلمي عبر ورشات التنمية والتربية على المواطنة، قد يغني عن استقالة "المشهد الحزبي" الذي لم يعد يشتغل إلا في المواسم الانتخابية وبشكل مغلق ومحايد عن البعد الاجتماعي والقرب المجتمعي الذي يجعل ديناميات كثيرة تجد نفسها محرومة من هذه "المشاركة" السياسية، مما يدفعها إلى البحث عن وسائل التعبير والمشاركة خارج هذه الدائرة المغلقة على نفسها والمضبوطة بقوانين وتعاقدات وتوافقات وصفقات ثنائية بين الدولة والأحزاب، وحتى بعض النقابات  الملتزمة بالسلم الاجتماعي منذ تصريح فاتح غشت الشهير.

من هنا يتضح لماذا تحاول الدولة ومعها "النخب" الحزبية التي لم تجدد نفسها الفكري والسياسي، التضييق على كل إمكانيات خلق "بدائل" متحررة عن المجال السياسي الرسمي، أي إجهاض في المهد، كل فضاء عمومي من شأنه ممارسة "الحرب" على الأوضاع المتردية، بالسياسة والطرق السلمية، مما يؤكد أنه ليس من المصلحة وجود مجالات متحررة ومنافسة ومنفلتة من "النظام العام" المتعارف عليه كحق مكتسب، مخافة ان تعود الحرية إلى جدول الأعمال الوطني وترد الاعتبار للعمل السياسي النبيل. فهل تشكل حركة 20 فبراير نواة لتأطير الاحتجاج بشغل الفضاء العمومي؟ وهل تملك إمكانيات التأطير من أجل التعبير السلمي والتفاوض والتشاور خارج الاشتراطات الإيديولوجية بشكل يحرص على التعدد والتنوع بما يضمن الحق في الإبداع والاختلاف؟ وما هي القدرات المتوفرة لتحرير المؤسسات الدستورية والمنتخبة من مجال لاحتكار صناعة القرار إلى فضاء اقتسام السلطة ودمقرطة الحكامة بما يكفل التأسيس لقوة مدنية تشاورية واقتراحية في بلورة السياسات العمومية وفق المقاربة التشاركية أو الموازية؟