الجمعة 17 مايو 2024
مجتمع

الطنطاوي: التعليم ليس سوى أحد ضحايا سياسة الحكومة الساعية لتفكيك المرافق العمومية

 
 
الطنطاوي: التعليم ليس سوى أحد ضحايا سياسة الحكومة الساعية لتفكيك المرافق العمومية

تسونامي التسريح الجماعي من قطاع التعليم، فضيحة أخرى تنضاف لسياسة حكومة بن كيران التي تريد خوصصة كل شيء في هذا البلد الأمين، لماذا أحالت الحكومة الآلاف من رجال ونساء التعليم على التقاعد المبكر دون الحديث عما خلفته المغادرة الطوعية من فراغ في الوقت الذي تعيش فيه المدرسة العمومية نقصا حادا ومهولا على مستوى الموارد البشرية، ماهي تداعيات ذلك على الوضع التعليمي والدخول المدرسي خلال الموسم المقبل؟ هي أسئلة وغيرها تطرحها " أنفاس بريس " على الفاعلين السياسيين والنقابيين والجمعويين لاستقراء خطورة هذا التسونامي الجديد الذي عصف بالموارد البشرية بقطاع التعليم. هذا نص الحوار مع الفاعل الجمعوي والحقوقي الأستاذ محمد الطنطاوي.

++ ما هي الأسباب الحقيقية التي جعلت نساء ورجال التعليم يستعجلون الرحيل الجماعي من قطاع التعليم عن طريق التقاعد النسبي؟

قبل الخوض في مقاربة الأسباب المباشرة وغير المباشرة لهذه الهجرة غير المسبوقة في تاريخ القطاع لابد من الإشارة إلى السياق السياسي الذي طبع تجربة الحكومة الحالية، حيث لمسنا أن هناك توجها لديها برفع اليد عن القطاع العمومي بدريعة ما يكلفه من ثقل على كاهل الميزانية العامة ولعل هذا ما يفسر بشكل عام هدا التخلي عن الكم الهائل من الكوادر التعليمية إضافة إلى أسباب مباشرة مرتبطة بالنظرة التي أصبحت لنساء ورجال التعليم حول القطاع يأتي في مقدمتها انسداد الأفاق وتردي أوضاع القطاع في مختلف المجالات والتي تتجلى في صعوبة ظروف العمل وعوامل اليأس والإحباط على المستوى النفسي بسبب تراكم انتكاسات القطاع نتيجة فشل كل الاصلاحات في التصدي للازمة البنيوية التي يتخبط فيها قطاع التعليم خاصة أن أغلبية نساء ورجال التعليم أصبح لهم موقف سلبي من كل القرارات الفوقية التي طبعت أغلب المقاربات لحلحلة أزمة المنظومة التربوية وهم يرون أنها تبقى حبيسة تعقيدات الأجرة والتفعيل ولم تلج إلى الصف المدرسي دون ملاحظة أي تغيير ملموس في هذا الأخير. وقد تكون عملية استباقية لهؤلاء حتى لا يشملهم إجراء الإصلاح الذي ستلجأ إليه الحكومة في غضون الأيام المقبلة نتيجة حتمية لما تسعى اليه الحكومة من تفقير للمرفق العمومي بشكل عام والمؤسسة التعليمية بشكل خاص.

++ ألا تتخوفون من تسونامي هجرة الأساتذة من قطاع التعليم وانعكاس ذلك على المنتوج التربوي والتعليمي ؟؟

بكل تأكيد نحن نعلن من خلال هذا المنبر أن تسونامي الذي يهز القطاع بسبب هذه الهجرة الاستثنائية لنساء ورجال التعليم سيترك آثارا سلبية ستضيف الكثير من المشاكل إلى القطاع الذي أصلا يعاني من خصاص مهول على مستوى الموارد البشرية فمثلا المدة التي تلزم على الاقل لكي يكتسب المدرس خبرة لإدارة القسم بيداغوجيا تقارب سبع سنوات والحكومة وهي تقدم على هذه المبادرة المشؤومة يبدو أن لها رؤية واحدة ووحيدة وهي أن أغلب هؤلاء الدين تمتعوا بالتقاعد النسبي سيلتجؤون إلى التعليم الخصوصي لأن الأغلبية الساحقة من رجال ونساء التعليم هي مديونة ولكي تعرف حياتها التوازن المالي لابد أنها ستلجأ إلى مكسب مادي إضافي تسد به الخصاص المالي الذي تعرفه حياتها . وتتحمل كامل المسؤولية الوزارة الوصية والحكومة باعتبار أن الهاجس الذي حكمها هو هاجس مادي بامتياز وترجمة حية لمخططها في التخلص التدريجي من المدرسة العمومية بدعوى أن نفقات القطاع تثقل كاهل الموازنة العامة وفي انصياع تام لإملاءات وتعاليم صندوق النقد الدولي.

 ++ هل من آثار سلبية لهذا الفراغ المهول لمناصب الشغل بقطاع التعليم على المدرسة العمومية ؟

العدد الحقيقي لنساء ورجال التعليم الذين غادروا التعليم عبر التقاعد النسبي يقدر بحوالي 15000 هذه السنة، هذا العدد لا يوازيه إلا العدد الذي غادر الإدارة العمومية عبر المغادرة الطوعية التي استنزفت الخزينة العامة لدولة ، بحيث قدر تعويض المغادرين بملايير الدراهم والخسارة لم تكن مادية فقط بل أيضا معنوية إذ فقدت الإدارة أطرا متمرسة في العمل،  ولان المدرسة المغربية تفقد سنويا عددا كبيرا من الأطر المتمرسة في ميدان التعليم سيكون لهّا آثار سيئة على المنتوج التربوي التعليمي  والخاسر الكبير من هذه العملية هي المدرسة العمومية المستهدفة من طرف سياسة حكومية لا شعبية ولا ديمقراطية غايتها الأساسية هي إرضاء التعليمات الواردة من الصندوق الدولي والبنك العالمي الذي يوصي بأن ترفع الحكومة يدها عن كل القطاعات الاجتماعية كالتعليم والصحة.....

++ ما هي الحلول الممكنة والمستعجلة في نظركم لتسوية هذا الخصاص المهول؟

ضرورة انخراط كل الفاعلين بفتح حوار جاد ومسؤول وأيضا الشركاء والمتدخلين في المنظومة التربوية  لحلحلة القطاع المتمثلة أساسا في الخصاص على مستوى الموارد المالية والبشرية فمثلا على المستوى المالي لابد من مساهمة (الشركات المحيطة الجماعات المحلية المجالس الاقليمية والجهوية وزارة الأوقاف وزارة التجهيز وباقي الوزارات ) بالإضافة للشركات والمقاولات الكبرى، وقبل هذا كله لابد من الحكامة حتى لا يعاد إنتاج أساليب الماضي ، وذلك بترشيد النفقات.والاستثمار الأمثل للموارد المالية والبشرية. تفعيل آليات الحكامة. الارتكاز على مقاربة تشاركية في تدبير شؤون قطاع التعليم "المؤسسة المديريات الإقليمية والأكاديميات الوزارات. الموارد البشرية. التكوين والتكوين المستمر إبلاء أهمية قصوى للدعم على مستوى المؤسسات والمديريات في إطار لجن وخلايا الدعم "، لكن يتضح وبالملموس أن الاستراتيجية الليبيرالية الساعية إلى تفكيك المرافق العمومية واستبدالها بالخصوصية هي الآلية التي استخدمتها الحكومة لكي تلجأ هذه الجحافل الكبيرة للتقاعد النسبي، إن الحكومة المحكومة بالهاجس الليبيرالي المتوحش ستجتهد لكي تحول كل الخدمات الاجتماعية إلى سلعة ولن تحفل إلى الأصوات التي تعارض توجهاتها المشؤومة بل أنها تحتقرها وتعتبرها نشازا فمنطقها الاستبدادي يجعلها لا ترى الحق إلا في توجهاتها المرفوضة من طرف كل الأحرار.