هم خمس أيقونات من رواد الزمن الجميل، سخروا جهدهم ووقت حياتهم منذ سبعينيات القرن الماضي في سبيل خدمة الفن المغربي الأصيل، بعد أن جمعهم القدر بالجوق الجهوي لمدينة الدار البيضاء، وقبل ذلك سكن الجوار، مما حذا بعلاقات بعضهم البعض إلى تجاوز مرحلة الصداقة والزمالة لتبوء مكانة الأسرة الواحدة. الحديث هنا عن كل من الفنانين مصطفى الصديقي ومحمد العمراني وإدريس برادة وإدريس المصلوحي وعلي القندوسي، الذين كانوا، مساء أمس الأحد 19 يونيو الجاري، عرسان حفل تكريمي من تنظيم النقابة الوطنية للموسيقيين المحترفين، وبتعاون مع مقاطعة سيدي بليوط، احتضنه المركب الثقافي لهذه الأخيرة.
هذا، وفي سياق تأكيد السمعة الطيبة التي عرف بها المحتفى بهم، والمسار الناجح الذي بصموا عليه طيلة زهاء نصف قرن، جاءت تدخلات الأهل والأصدقاء، خاصة أولئك المتقاسمين معهم هَم الأغنية المغربية كالفنان محمود الإدريسي والمطرب حميد شكري اللذين أعادا شريط أبرز المحطات التي دشنها المكرمون في خريطة الفن المغربي من غير انتظار كلمة شكر، فقط غيرتهم وحبهم للمجال كانت الحافز وإكسير التضحية الذي يحركهم.
وعلى غرار ما جاء في شهادة صاحب "هكذا تكون المحبة"، كان تدخل زميله أيام الدراسة بـ "كونسيرفاطوار" الحاج يونس وهو يرجع ذاكرة الرواد إلى جملة من الحكايات التي جمعته مع كل واحد منهم، ولو أن الخيط الرابط الذي ركز عليه بينهم هو التفاني في الوفاء لرسائل آلاتهم الموسيقية بشكل يعز على الوصف، موضحا بأن ذلك لم غريبا على أناس بوطنية سامية وأخلاق نابعة من نفوسهم الخيرة، لا رغبة في الحصاد المالي أو الشهرة والتسابق إلى صفحات الجرائد وأغلفة المجلات.
ولعل مما زاد من واقعية إسهام هؤلاء الرجال في الحفاظ على الموروث الفني الأصيل، كونهم لم يكتفوا بالعمل على صيانته بالممارسة الشخصية لهم، وإنما ناضلوا لغاية نقل أبجدياته إلى الخلف. والدليل الجوق الجهوي الحالي الذي أحيى الحفل، والمكون من تلامذتهم برئاسة عز العرب الجرموني إلى جانب عازف الأوركسترا المتميز مصطفى الليموني.
بقيت الإشارة إلى أن فقرات أمسية الوفاء هاته، تخللها أداء مجموعة من الأغاني الخالدة لفنانين شباب، كالمغنية رباب التي أطربت بأغنية "شفت الخاتم وعجبني" لنعيمة سميح، ونور الدين أمين الذي غنى لأحمد جبران رائعته "اللي مشالو غزالو"، وأيضا مصطفى نجيب الذي أرسل الحضور إلى عالم إحدى خالدات عبد الوهاب الدكالي "مرسول الحب".
أما ختام المسك فكان بأنامل المحتفى بهم وهم يشاركون بالعزف المطربة عتيقة عمار في أغنيتها الشهيرة "فرحة العمر" التي كتب كلماتها الحسين أبو ريكة ولحنها عبد العاطي أمنا، في مشهد ربط الاتصال باليوم الذي اجتمعت فيه نفس المجموعة مع عتيقة لتسجيل هذه القطعة أول مرة قبل ما يزيد عن 30 سنة.