عرفت الدورة الثانية عشرة من موسم طانطان المنظمة في الفترة الممتدة من 13 إلى 18 ماي الجاري، من طرف مؤسسة موكار طانطان، عزوفا كبيرا من طرف الساكنة، ومقاطعة ملحوظة لعدد من الفاعلين، واحتجاجات متوالية ممن فضلوا المشاركة جراء الفوضى التي سادت التنظيم، وحرمان بعضهم من التعويضات المالية، ناهيك عن الصورة النمطية التي تتكرر بها كل النسخ منذ انطلاقة الموسم قبل 12 سنة، وكان الطاقات المبدعة المحلية او المستوردة اصابها عقم الابتكار.
الدورة عرفت مقاطعة مدراء نشر المنابر الاعلامية المحلية والجهوية، احتجاجا على اعتماد أشخاص غرباء عن الجسم الاعلامي، لتغطية فعاليات هذه النسخة من امكار طانطان، في الوقت الذي أقصي فيه الصحفيون والتقنيون العاملون بتلك المنابر المتواجد مقراتها الاجتماعية بمدينة طانطان، وبمختلف المدن التابعة لجهة كلميم واد نون، مما أثار استياءهم كصحفيين مهنيين متواجدين بالمنطقة، ومواكبين للأحداث اليومية التي تقع فيها.
وقد عبر مدراء نشر وصحفيو الجرائد والمواقع الإلكترونية الجهوية المستهدفون بالإقصاء المباشر والممنهج، عن امتعاضهم من التحكم الذي مارسه أحد عمال الإنعاش الوطني في لائحة الصحافة، والتي ضمنها أسماء أشخاص غرباء عن المجال الإعلامي، وذيلها بخاتم إطار مشكوك في مصداقيته ولا يمت للقطاع بصلة، ضلل بها مسؤولي الإدارة الترابية بعمالة إقليم طانطان والجهة المنظمة لاستصدار الشارات الخاصة بالصحافة.
كما لاحظ زوار ساحة السلام والتسامح وجود خيام صحراوية كثيرة متراصة في منظر بديع أثثت جنبات فضاء الموسم، إلا أن أزيد من 400 خيمة منها ظلت خاوية على عروشها، بعد عزوف الجهات التي كان من المفترض مشاركتها في فعاليات الموسم، فيما اقتصر الأمر على الخيام المنصوبة بالواجهة الأمامية، التي ملئت عن آخرها بإطارات جمعوية نسائية تم إحضارها من باقي أقاليم جهة كلميم واد نون لملء الفراغ، وتلميع الصورة، ولو ليوم الافتتاح الرسمي، وتعود في مساء نفس اليوم من حيث أتت.
ولم يقتصر الأمر على ما سلف ذكره، بل عرف شارع الشاطئ، بداية من المدار الطرقي الخارجي للمدينة في اتجاه العيون، إلى الواجهة الأمامية لمقر الكتابة العامة لعمالة الاقليم، تواجد حشد هائل من الإبل المشاركة في استعراضات ومسابقات الهجن بالموسم، اعتصم مربوها عشية أمس الاثنين 16 ماي، احتجاجا على ما وصفوه بالتمييز بين المشاركين في الموسم، مطالبين بضرورة الاستفادة من التعويض المادي عن المشاركة في فعاليته بشكل متكافئ، مما دفع بالسلطات المحلية إلى فتح حوار مع ممثليهم، ليتم التوصل إلى حل ينهي الاحتجاج غير المسبوق في مثل هذه التظاهرة التي ترعاها منظمة اليونيسكو بهدف الحفاظ على الموروث الحضاري اللامادي للإنسانية.
الاقصاء طال أيضا عددا من الشخصيات التي تنتمي إلى عالم الفن والثقافة والبحث في الثقافة والتراث الصحراوي من أبناء المنطقة وساكنتها، وقد فضل بعضهم الصمت والتواري إلى الخلف كي لا يتهموا بالتشويش على الموسم الذي يحظى برعاية ملكية، وآخرون عللوا صمتهم وكتموا غيضهم درءا من نشر الغسيل الوسخ على الملء، خاصة في حضور حشد كبير من ممثلي القنوات التلفزيونية الدولية... بينما اكتفى آخرون بالاستنكار عبر تدوينات على مواقع التواصل الاجتماعي...
فتحت عنوان "موسم الطانطان.. وتستمر المهازل"، كتب رحال بوبريك مدير مركز الدراسات الصحراوية والاستاذ بجامعة محمد الخامس بالرباط في تدوينة على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي "فايس بوك" أن موسم الطانطان المصنف من طرف اليونيسكو تراثا غير مادي إنساني، اختزل في ضيوف خمسة نجوم، وولائم لا تنتهي، وسهرات بئيسة، ووصلات فلكلورية تعيد نفسها بطريقة باهتة...
سنة 2004 حينما أعيد إحياء الموسم انخرطت أغلب الساكنة في المشروع آملين منه أحياء المدينة وتراث الرحل خاصة، بعد تصنيف الموسم من طرف اليونسكو.. ولكن مع مرور الدورات الكل أصبح مقتنعا أن الموسم أصبح فقط موعدا سنويا لهدر المال العام، وتمييع ما تبقى من التراث من طرف أناس لا علاقة لهم بصون التراث، بل إنه من آخر اهتماماتهم.. يحلون كل سنة ضيوفا ثقالا بسلوكهم المتعجرف، وجهلهم المطبق إلى حد التفاهة بثقافة الصحراء، والذي يعبرون عنها بنظرتهم المتعالية لهؤلاء "الأهالي" القادمين إليهم كي يصونوا تراثهم. ومنذ 2004 لم يقوموا بأي جرد أو تدابير لصون التراث غير المادي موضوع الاتفاقية التي بموجبها صنف موسم الطنطان من طرف اليونسكو.
في كل سنة يأتي الضيوف من كل الأنواع في طائرات خاصة، وتقام لهم الولائم في خيام خاصة أيضا بالشبيكة على بعد 50 كلم من المدينة، يخافون من "الأهالي" الذين لا يصلحون إلى لتأثيث الفلكلور المحلي". وفي النهار يحملون في حافلات مكيفة ليصلوا مباشر لخيمة كبيرة، يجلسون بتكاسل في انتظار وصلات فلكورية من سباق الهجن والفروسية للباحثين عن أجواء غرائبية.. وبعدها يعود الجميع إلى الشبيكة كي يواصلوا سهراتهم الخاصة جدا وانتهى الموسم... كل هذا طبعا من المال العام.
هذا هو المشهد الذي يتكرر منذ اثنتى عشر دورة.. وتستمر نفس المهازل مع كل دورة
لك الله يا مدينتي الطنطان.