الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

عبد القادر زاوي: قرار مجلس الأمن بشأن الصحراء المغربية.. جسامة التحديات تتطلب تعبئة كل الطاقات

عبد القادر زاوي: قرار مجلس الأمن بشأن الصحراء المغربية.. جسامة التحديات تتطلب تعبئة كل الطاقات

هدأت العاصفة التي واكبت ظروف وملابسات إصدار قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2285 بشأن الصحراء المغربية، وهدأت معها موجة المزايدات التي ركبها العديد، مدعيا الخبرة في الموضوع، فيما هو يبحث عن منافع ذاتية أكثر من أي شيء آخر، ولا يهمه إن كان ينقل الحقائق كما هي أو يلوي عنقها ويتفنن في تأويلها غير آبه بما يحدث من  تضليل للرأي العام الوطني.

بعد هذا الهدوء حان وقت القراءة المتأنية والموضوعية لقرار مجلس الأمن بعيدا عن الصراخ والمزايدة في الانتماء الوطني، التي يخفي البعض وراءها ضعفه في تدبير الملف، وفشله رغم احتكاره في تحقيق الحد الأدنى من الاختراق المطلوب في موقف المجتمع الدولي تجاه الاعتراف ليس فقط بجدية ومصداقية الطرح المغربي، التي غدت أسطوانة مكررة تدور مع جوهر الموضوع في حلقته المفرغة، وإنما بأولويته على ما عداه من محاولات الحلول المطروحة علنا للعناد والمكابرة، أو تلك التي يجري طبخها في الغرف المغلقة.

إن أول ما يثير الانتباه في قراءة القرار هو تأكيد الديباجة مجددا على عدم النظرة للخلاف المصطنع حول الصحراء بمعزل عن  تطورات الأوضاع في المنطقة العربية والإفريقية، بل وبترابط مع بعضها، وذلك حين تنص على أن الحل السياسي للنزاع مرفوقا بتعزيز التعاون بين الدول الأعضاء في اتحاد المغرب العربي من شأنهما الإسهام في تحقيق الاستقرار والأمن في منطقة الساحل.

لا شك في أن هذا الربط يضفي المزيد من المصداقية على ما يثيره ويحذر منه المغرب من مخاوف حول وجود نوع من التعاون المستتر بين فصائل تابعة أو محسوبة على البوليزاريو، وبين جماعات متطرفة وإرهابية تنشط في المنطقة من خلال تهريب السلاح والمخدرات والبشر، وتعيث فسادا في عدد من مجتمعات المنطقة، مهددة الاستقرار الهش الذي يعيشه بعضها.

ولكن ذات الربط من شأنه أن يزيد المشكلة تعقيدا ويضاعف العقبات أمام إمكانيات حلها، ذلك لأن الوضع في منطقة الساحل والصحراء متشابك إلى حد كبير مع الأوضاع المتوترة في ليبيا، وما لها من انعكاسات أمنية خطيرة على كل من الجزائر وتونس وصولا إلى مصر، ومع ما تسببه حركة بوكو حرام من قلاقل أمنية في عدد من دول غرب القارة الإفريقية ؛ الأمر الذي يمنح نافذة بإمكانها تكريس تدخل الاتحاد الإفريقي المعروف بعدائه المستميت لوحدة المغرب الترابية، وإعطائه بالتالي إمكانية التشويش على المساعي المغربية عبر مختلف مؤسساته التنفيذية والبرلمانية.

مباشرة بعد هذا الربط تعاتب الديباجة المغرب، وترفض ضمنيا ما بدر عنه من تشكيك في مصداقية الأمين العام وفي حياده، وما أقدم عليه من إجراءات لتقليص أفراد بعثة المينورسو. يبدو ذلك واضحا من نص الديباجة على الترحيب "بالجهود التي يبذلها الأمين العام لإبقاء جميع عمليات حفظ السلام قيد الاستعراض الدقيق، بما فيها بعثة المينورسو"، وتكرارها "التأكيد على ضرورة أن يتبع المجلس نهجا استراتيجيا صارما إزاء نشر عمليات حفظ السلام وإدارة الموارد إدارة فعالة"، ناهيك عن الدعوة إلى تقيد كل طرف بما عليه من التزامات.

وقد كان منتظرا أن يترجم هذا العتاب للمغرب والرفض لما أقدم عليه من إجراءات ضد المكون المدني للمينورسو في الفقرات العاملة لقرار مجلس الأمن، الذي شددت فقرته الثانية على الحاجة الملحة لأن تعود البعثة الأممية إلى أداء وظائفها كاملة، وذهبت فقرته الثالثة إلى تكليف الأمين العام نفسه بتقديم إحاطة إلى المجلس في غضون 90 يوما عما إذا كانت البعثة قد عادت إلى ممارسة وظائفها كاملة، متضمنة عزم مجلس الأمن على النظر في أفضل السبل لتيسير تحقيق هذا الهدف، إذا ما حصلت أي عرقلة للبعثة في تأدية مهامها.

والملاحظ أنه لأول مرة يتضمن قرار مجلس الأمن حول الصحراء المغربية آجالا ومهلة لتنفيذ بعض مقتضياته، ويتم التأكيد على الأمين العام الأممي تقديم إحاطات منتظمة مرتين في السنة على الأقل عن سير المفاوضات، التي تجري تحت رعايته وعن التقدم المحرز فيها، إذا ما حصل أي تقدم، وكذلك عن التحديات التي تواجه المينورسو في عملها.

والواضح أن هذه المتطلبات تعكس إرهاصات توجه عام جديد داخل مجلس الأمن تظهر خطوطه العريضة في ديباجة القرار 2285 التي شددت على أن تكريس الوضع القائم ليس مقبولا، وأن إحراز تقدم في المفاوضات بين الطرفين أمر أساسي لتحسين نوعية حياة السكان من جميع جوانبها ؛ الأمر الذي يفيد بأن الإجراءات الأحادية التي يتخذها هذا الطرف أو ذاك لن تتعامل معها الأمم المتحدة بأكثر من الترحيب كما حصل مع التفاعل الإيجابي للمغرب مع الإجراءات الخاصة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، دون البناء عليها لتقرير الوضع النهائي للإقليم.

ورغم ذلك، فإن قرار مجلس الأمن رقم 2285 لم يساير فحوى تقرير الأمين العام، وذلك بتأكيده على استمرار النظر للقضية في إطار مقتضيات الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة، التي تحث على ضرورة حل النزاع بالطرق السلمية. يتجسد هذا التوجه جليا في الفقرة العاملة رقم 9 التي يهيب فيها مجلس الأمن بالطرفين "إلى مواصلة المفاوضات برعاية الأمين العام دون شروط مسبقة وبحسن نية.... بهدف التوصل إلى حل سياسي عادل ودائم ومقبول للطرفين...."

بهذا المعنى إضافة إلى عدم التنصيص على أي شكل من أشكال مراقبة حقوق الإنسان، وعدم الحديث بتاتا عن استغلال الثروات الطبيعية للأقاليم، يمكن القول بأن القرار شكل انتكاسة لجميع المناورات التي حاكتها الأمانة العامة للأمم المتحدة وبعض موظفيها ضد المغرب، ولكنها انتكاسة تظل مؤقتة، وتتطلب المزيد من الحذر واليقظة، وذلك لأكثر من سبب :

1- يطالب القرار مواصلة المفاوضات تحت رعاية الأمين العام، الذي حظيت جهوده بمباركة مجلس الأمن، الذي أعطى دعمه التام لدور مبعوثه الشخصي السفير كريستوفر روس، ولرئيسة بعثة المينورسو السيدة كيم بولدوك.

2- إذا صح وجود سوء نية لدى الأمين العام، وتواطئا مبيتا له مع جهات ما لتوتير الموقف، فإن الحيطة تصبح واجبة لأن أمام هذا الأخير فرصتان قبل نهاية ولايته للإساءة مجددا إلى المغرب والتسبب في إحراج آخر له.

- الأولى هي التقرير الذي عليه أن يرفعه حول مهلة الثلاثة أشهر الممنوحة لعودة المينورسو، ويمكنه خلال التفاوض عن آليات وشروط العودة استفزاز المغرب من خلال مناقشة مختلف جوانبها وخاصة في القضايا اللوجيستية. يكفي مثلا أن يستند إلى ما يروج عن تهديدات تلقتها المينورسو من تنظيم داعش ليطلب مضاعفة أعداد بعثة المينورسو، ليتكهرب جو الاتصالات مع المغرب.

- الثانية هي التقرير النصف السنوي المطالب بتقديمه حول حالة المفاوضات إذا ما انطلقت هذه الأخيرة مجددا، ويمكنه حينها وصف تشبث المغرب بخيار الحكم الذاتي كنوع من التعنت، ومن عدم التقيد بقرار مجلس الأمن الداعي إلى مفاوضات بحسن نية وبدون شروط مسبقة.

3- في مقابل وصف القرار بالانتكاسة للأمانة العامة للأمم المتحدة، فإن المغرب لم يرحب بصدوره كما هي العادة، واكتفى بأخذ العلم ؛ الأمر الذي فسره المراقبون بأن القرار لم يتجاوب مع ما كان المغرب يسعى إليه، وبأن الرباط اضطرت إلى قبول الخروج بأهون الأضرار في ضوء المداولات الحادة التي شهدتها كواليس مجلس الأمن، وقياسا إلى النسخة الأولى لمشروع القرار التي كانت قد أعدتها الولايات المتحدة الأمريكية أمام دهشة واستغراب كبيرين من المغرب أفرزا خيبة أمل يفترض أنها مليئة بالدروس والعبر لمن أراد أن يعتبر.

لا شك في أن جميع الدول تمر بمراحل مفصلية وحساسة في تاريخها تحتم عليها تغيير الحسابات وتعديل الاستراتيجيات، ويبدو أن المغرب مع التطورات المتسارعة لقضية وحدته الترابية يعيش في أتون هذه المرحلة التي ستحكم مساره ومصيره أيضا. وأمام المفاجآت التي اكتشفها المغرب مؤخرا من البديهي أن يبادر إلى تنويع اتصالاته وتوسيع دائرة تحركاته بعيدا عن الانفعال وردود الأفعال.

إن الموقف الأمريكي المتشدد مؤخرا لم يكن مستغربا كما قد يصور البعض. فقد سبقه موقف مماثل قبل سنتين عند إثارة قضية حقوق الإنسان، ومهدت له قبل أزيد من عشر سنوات موافقة المغرب على صعيد السلطتين التنفيذية والتشريعية معا على استثناء أقاليمنا الجنوبية من اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين.

وإذا كان التواصل مع كافة القوى الدولية مطلوبا، فإن ما يجري الترويج له عن التعويل على الموقفين الروسي والصيني لموازنة الضغوط الأمريكية المدعومة ببريطانيا سيكون خطأ كبيرا إذا ما تم تبنيه رسميا. فالصين أكثر الدول تجنبا للمواجهة المباشرة مع الأمريكيين بحكم حجم استثماراتها في السندات الأمريكية، ناهيك عن أن كثافة علاقاتها مع أعداء المغرب في القارة الإفريقية تمنعها من المغامرة والمجازفة بعيدا عن موقف الماسك للعصا من الوسط.

وحسب أقوال مصدر روسي مطلع، فإن ثقة روسيا في القادة العرب محدودة، إذ أن موسكو لم تنس لحد الآن كيف خذلها الرئيس الراحل أنور السادات بطرد خبرائها قبل حرب أكتوبر 1973، وهي التي كانت سنده الوحيد آنذاك. وهذا ما يفسر في رأيه أن روسيا في الأزمة السورية الحالية تنتهز أي مناسبة للتأكيد على أنها تدعم النظام والدولة السوريين وليس شخص الرئيس.

في هذا السياق الذي ينحو في اتجاه تدويل أكثر للقضية الوطنية ينبغي التذكير بأن للمغرب زمن السلطان الحسن الأول تجربة مريرة مع تدويل ما كان يسمى حينها بالمسألة المغربية. فقد تمكن السلطان من تدويل المسألة في مؤتمر مدريد سنة 1880 وأنقذ نوعا من السيادة الشكلية، ولكن حين اتفقت فرنسا مع منافسيها على النفوذ بالمغرب (بريطانيا سنة 1904 وألمانيا سنة 1911) سقطت البلاد تحت نظام الحماية بسهولة.

ولهذا، فإن معركة الوحدة الترابية للمغرب لن تحسم على الصعيد الدبلوماسي بقدر ما تكسب داخل البلاد وعلى أرض الواقع، وذلك من خلال تعبئة جميع المغاربة حولها بعيدا عن الحساسيات، وبمنأى عن المزايدة، وعبر:

1- تكريس نسق ديمقراطي حقيقي من شأنه :

- سحب الذرائع المرتبطة بقضايا حقوق الإنسان، سيما وتقارير العديد من المنظمات الدولية المناوئة للمغرب في هذا الموضوع تنهل من تقارير نظيرتها المحلية التي لها ما يبررها.

- إتاحة الفرصة أمام كافة القوى الحية للمساهمة في الدفاع عن مغربية الصحراء عن دراية وقناعة بالملف وليس بحثا عن امتيازات.

- الكف عن احتكار بيروقراطية مهترئة للملف، واستبعاد الكفاءات والأطر القادرة على الدفاع عنه استنادا إلى ما تتوفر عليه من معرفة دقيقة بالحقائق التاريخية والقانونية وإحاطة بالرؤية الاستراتيجية.

2- تبني مقاربة تنموية اقتصادية واجتماعية حقيقية كفيلة ب :

- إحداث القطيعة مع الممارسات الريعية التي أفرزت أقلية ثرية تفننت في ابتكار أساليب لابتزاز الدولة والحكومة بالمواطنة لتظل لها اليد الطولى في الساحة وحدها.

- استيعاب الأجيال الصاعدة الساخطة على تدهور وضعها الاقتصادي والاجتماعي وانسداد الآفاق أمامها في ضوء سعي محموم من النخب التقليدية لإقصائها وتهميشها سياسيا. وهي الأجيال التي يسعى الخصوم إلى تأليبها على بلادها.

وأيا تكن الوعود الأجنبية المرحب بها طبعا بالاستثمار في الخطة الوطنية الطموحة للنهوض بالمستوى الاقتصادي والاجتماعي لأقاليمنا الصحراوية، فإنها لن تحل محل الاستثمارات الوطنية العمومية والخاصة. فالأولى مهما كان نبلها فهي تبتغي الربح أولا وأخيرا، وتظل جبانة عند أول رجة تصيبها، فيما الثانية مصيرية هدفها تدعيم الوحدة وتعزيز أواصر اللحمة.

التحديات المقبلة صعبة ومريرة، ولكن تجاوزها ممكن إذا تحلت المواجهة بالحكمة وصفاء البصر والبصيرة.