الاثنين 25 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

عبد القادر زاوي: المغرب/ الخليج.. شراكة المصير تحتاج إلى الكثير

عبد القادر زاوي: المغرب/ الخليج.. شراكة المصير تحتاج إلى الكثير

أن تنعقد القمة الخليجية المغربية الأولى عشية وصول الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى العاصمة السعودية الرياض لحضور قمة مماثلة هي الثانية بين بلاده ودول مجلس التعاون الخليجي، فذلك في حد ذاته رسالة لمن يعنيه الأمر، مفادها أن الدول المجتمعة ليست جزرا معزولة عن بعضها البعض، وإنما تربطها وشائج أخوة ومصير مشترك أقوى من أي تحالف؛ الأمر الذي يحتم عليها عدم السماح لأي كان بالمساس بمصالح بعضها أو كلها.

ورغم أن الدافع الأساسي لانعقاد هذه القمة هو دقة الظروف التي تمر بها المنطقة العربية من المحيط إلى الخليج المتسمة بتزايد التهديدات الأمنية والسياسية، وتفاقم الظاهرة الإرهابية العابرة للحدود، العابثة باستقرار الدول وتلاحم مكوناتها والهادفة إلى تعميم الفتنة و"خلق فوضى جديدة لن تستثني أي بلد"، فإن أحدا لا يخامره الشك بأنها تأتي لتكلل مسارا تعاونيا أنجزت معظم خطواته، ولتضع إطارا لمسار آخر أكثر عمقا في سياق الشراكة الاستراتيجية القائمة بين الطرفين.

وبدهي في هذه الحالة أن تنعكس هذه المعطيات مجتمعة في الكلمات التي ألقيت عند افتتاح القمة، وفي البيان الختامي الصادر عنها. لقد كان مستضيف القمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ممتنا في تذكيره بمواقف المغرب التاريخية إلى جانب أشقائه في الخليج، وصريحا في رفض دول الخليج لأي مساس بالمصالح العليا للمغرب، وفي تأكيد تضامنها ومساندتها له في قضاياه السياسية والأمنية المصيرية.

وإذا كان أمير الكويت قد زكى الحرص الخليجي على تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين المغرب ودول الخليج لإيمان مطلق بحتميتها وضرورتها في ظل ما يدور من أحداث في المنطقة تستوجب "الوحدة لا الفرقة، والتجمع لا الانفراد"، فإن جلالة ملك المغرب رد التحية والموقف بأحسن منهما، مشددا على أن الشراكة بين الطرفين تستمد قوتها من الإيمان الصادق بوحدة المصير، وتطابق وجهات النظر، معلنا أن المغرب يعتبر دائما أمن دول الخليج واستقرارها جزءا من أمنه، ومخاطبا إخوانه في صيغة أخوية عاطفية بعيدة عن اللغة السياسية والدبلوماسية المعتادة قائلا: "ما يضركم يضرنا، وما يمسنا يمسكم".

ولهذا لم يكن مستغربا أن يعكس البيان الختامي الأجواء الحميمية التي سادت القمة، وأن يتضمن مواقف وجدت لها صدى وردود أفعال في العديد من العواصم الدولية والإقليمية المعنية، التي ذهب بعضها إلى حد اختلاق حراك دبلوماسي واسع عكس بسعيه لفك العزلة العربية المفروضة على النظام السوري إلى إثبات عزلة صاحب الحراك نفسه المحاط في جنوبه وشرقه بحزام من بؤر الانفجار التي تلفحه بشظاياها بين الفينة والأخرى، وتتركه متأهبا طوال الوقت.

ويبدو جليا أن الشعور المتزايد بخناق هذه العزلة هو الذي دفع بعض سياسيي الجزائر إلى فقدان رباطة الجأش بتصريحات أقل ما يقال عنها أنها غير مسؤولة، من قبيل إقدام وزير الإعلام الأسبق السيد محيي الدين عميمور على وصف المملكة العربية السعودية بالعنجهية، وذهاب الرئيس الأسبق للجنة الشؤون الخارجية بمجلس الأمة السيد إبراهيم بولحية إلى اعتبار التضامن الخليجي مع المغرب بمثابة إعلان حرب على الجزائر.

وفي خضم الانفعال تناسى هؤلاء الساسة أن نص البيان الختامي للقمة الخليجية المغربية أثبت وجود وعي كبير لدى الطرفين بالمخاطر المحدقة، شكل دافعا أساسيا إلى تمسك المجتمعين بقيم التضامن الفاعل والأخوة الصادقة، وإلى تأكيدهم على الإيمان بوحدة المصير والأهداف، وسعيهم الحثيث إلى تنسيق المواقف والتحركات، ومضاعفة الجهود لمواجهة التحديات والتهديدات الحالية والمستقبلية بكل حزم ومسؤولية.

من هذا المنطلق جاء الحرص على أن يتبادل الطرفان الدعم السياسي في القضايا الخاصة، وتعميق التآزر في القضايا ذات الاهتمام المشترك، وذلك كما يلي:

- اعتبار دول الخليج لأول مرة قضية الصحراء المغربية قضيتها هي أيضا، مؤكدة موقفها الداعم للمغرب في وحدته الترابية، وفي مبادرته للحكم الذاتي كأساس لحل النزاع المفتعل، معربة عن رفضها لأي مساس بالمصالح العليا للمغرب، التي تبدو مستهدفة جديا من المؤشرات الخطيرة التي شهدها هذا الملف في الأسابيع الأخيرة.

- التأكيد على أن ما يجمع دول الخليج العربي والمغرب رغم بعد المسافة الجغرافية يتجاوز "اللغة والدين والحضارة" ليطال "التشبث بالقيم والمبادئ.. والتوجهات البناءة"، وكذا تقاسم مواجهة نفس التحديات والتهديدات.

- تجديد الإدانة لكافة أشكال الإرهاب والتطرف وعدم ربط هذه الآفات بأي "حضارة أو دين، والوقوف في وجه محاولات نشر الطائفية والمذهبية التي تشعل الفتنة.."، بشكل يسهل تدخل الغير في الشؤون الداخلية للدول.

- التشديد على أهمية التحالف الإسلامي لمكافحة هذه الآفة، وتنسيق المواقف والجهود لمحاربتها واجتثاثها بالتعاون مع كافة القوى الإقليمية والدولية المعنية والراغبة فعلا في التصدي لهذه الظاهرة الفتاكة.

وبالتنصيص على أهمية استمرار التشاور والتنسيق بغية دعم ركائز الشراكة القائمة بين الطرفين، وعلى ضرورة إرساء قواعد تعاون ثلاثي الأبعاد يضم أيضا دولا إفريقية جنوب الصحراء تعزيزا للأمن والمصالح المشتركة يكون البيان الختامي للقمة المغربية الخليجية قد نقل الشراكة بين الجانبين من إطار استراتيجي إلى تحالف مصيري.

ولكن مطابقة الآمال والطموحات المعبر عنها في القمة مع الواقع الراهن للعلاقات بين الطرفين تبين أن هذه الشراكة في المصير تحتاج إلى الكثير.

1- تحتاج إلى إطار مؤسسي يشتغل بشكل دائم ومتواصل لضبط مجالات التعاون المختلفة قصد تطويرها من خلال مبادرات عامة أو ثنائية شاملة أو قطاعية. إطار قادر أيضا على استشراف أية آفاق تعاون أخرى يمكن ارتيادها بالعمل المشترك.

2- تتطلب تجاوز الإشكالية الموجودة في الواقع بين الاتفاق مع مجلس التعاون ككيان لا تمتلك أمانته العامة أية صلاحيات للنيابة عن الدول، وبين التعاون في إطار العلاقات الثنائية للمغرب مع كل دولة على حدة، وهي علاقات تتأرجح بين العادية ذات المحتوى المحدود والمتواضع، وبين المتميزة والمكثفة.

3- تقتضي في الظروف الراهنة توفير جرعة مالية داعمة ومستثمرة لمساعدة المغرب على مواصلة تنفيذ مشاريعه التنموية، وتنفيس الاحتقانات الاجتماعية التي باتت مظاهرها تنتقل من مدينة لأخرى. صحيح أن تهاوي أسعار النفط وتضاعف الإنفاق سيما العسكري في أكثر من ساحة ملتهبة أثر كثيرا في الدعم الخليجي السخي المعتاد للمغرب. ولكن من الممكن أن يستعاض عنه من خلال :

- إلغاء جزء مهم من الديون المستحقة لبعض هذه الدول وصناديقها الاستثمارية على المغرب، الذي احتل الرتبة 55 من بين 68 دولة الأكثر مديونية للخارج في العالم. ومن شأن خطوة كهذه أن تساعد على تحويل الاعتمادات المرصودة في الميزانية لسداد بعض أصول الدين وبعض الفوائد المترتبة عليها إلى مجالات أخرى اجتماعية واستثمارية، وأن تشجع جهات أخرى دائنة للمغرب وخاصة الدول إلى الحذو حذوها.

ولا شك أن المغرب مطالب في المقابل بخطوات عديدة في هذا المجال تضفي الأمان والاطمئنان وتشجع على المزيد من أوجه التعاون. وأبرز هذه الخطوات:

أ/ ترسيخ مفهوم الشفافية المطلقة في صرف المساعدات كما حصل في السابق من خلال إيداعها في حسابات خاصة مفتوحة للرقابة والمراقبة.

ب/ تخصيص تلك المساعدات لبرامج إنمائية ومشاريع إنتاجية بدلا من سد عجز في الميزانية، خاصة وأن عددا من المراقبين في دول عربية أخرى يرون أن المعونات الخليجية ساهمت كثيرا في تعميق نظام الريع وتعزيزه.

ج/ السعي إلى كبح تحركات  ما يمكن تسميته بـ "لوبي الاستجداء" في الخليج تحت لافتة دعم المنتديات، وتمويل المؤتمرات التي لا يتجاوز صداها القاعات التي تنعقد فيها. فهذه التحركات تسيء إلى سمعة المغرب، وتحسب هباتها في إطار الدعم الممنوح له.

د/ العمل على وقف إقحام الدول الخليجية في القضايا الداخلية المغربية من قبيل الاتهامات الرائجة حول تمويل بعض هذه الدول لقوى سياسية ومنابر إعلامية، فذلك قد يؤدي إلى إحجام تلك الدول عن أي مساعدة.

- تحويل بقية الديون إلى استثمارات في قطاعات منتجة، ومشغلة لليد العاملة كفيلة بتعويض التراجع المسجل في حجم الاستثمارات الأجنبية بالمغرب خلال الفصل الأول من سنة 2016 قياسا للفصل الأول من السنة الماضية، وكفيلة أيضا برفع نسبة حجم الاستثمارات الخليجية بالمغرب، التي لا تتجاوز لحد الآن نسبة 20% من الحجم الكلي للاستثمارات الأجنبية.

4- تحتم هذه الشراكة الاستراتيجية المصيرية العمل على انخراط الشعوب أيضا فيها لتكون مواقفها متناغمة إلى حد معقول مع قناعات القيادات المعبر عنها في الكلمات المتبادلة خلال القمة، وفي بيانها الختامي أيضا، الذي كان حريصا على التذكير بأن القادة يستشعرون "أهمية استمرار التشاور والتنسيق من أجل دعم ركائز الشراكة القائمة (بين الطرفين) تحقيقا لتطلعات شعوبهم..".

في هذا الإطار ينبغي :

- تخفيف إجراءات تنقل المغاربة للخليج عبر تسهيل الحصول على التأشيرة، والسماح لدخول كافة دول مجلس التعاون استنادا على تأشيرة إحداهن على غرار نظام شنغن..

- توجيه الإعلام إلى عدم تكريس الصور النمطية الموجودة لدى هذا الطرف عن ذاك انطلاقا من ممارسات فردية معزولة، ولكنها شائعة.

فلا أحد ينكر أن ذكر المغرب في الأوساط الشعبية الخليجية يقترن بكلمات "السحر"، "الشعوذة"، "خطف الرجال" وغيرها من النعوت المسيئة للمغاربة وللنساء منهم، وأن ذكر الخليج في الأوساط الشعبية المغربية يستدعي عبارات متداولة كثيرا مثل "الزيرو"، "لحوالة" وغيرها دون نسيان معاناة العديد من الأسر جراء انتقال أبنائها وبناتها إلى جزيرة كيش الإيرانية وابتزازهم من هناك قبل تجديد التأشيرات لهم ولهن.

لقد أبانت القمة المغربية الخليجية أن هوامش المناورة ومداراة المواضيع، والتهرب من مقاربتها عبر صيغ مبهمة قد ضاقت إن لم تكن قد انعدمت، وأن عصر الحسم والحزم هو السائد. ويعود ذلك إلى اقتناع راسخ لدى القادة بـ :

1- إن القوى العظمى ذات المسؤولية الدولية الكبيرة لا ترغب في حل الصراعات وتسويتها بقدر ما تسعى إلى استثمار الأزمات لمصلحتها عبر تمييعها وتركها مفتوحة تستنزف كافة الأطراف.

2- وجود مخططات تستهدف الجميع لم يتردد ملك المغرب في وصفها بالعدوانية المتواصلة، التي مزقت ودمرت عددا من دول المشرق العربي، وها هي تتربص اليوم بغربه.

 

وبوعي مشترك كهذا يمكن الحديث عن شراكة فعالة وفاعلة وليس عن ردود أفعال منفعلة. هذا هو التحدي، والواضح أن هنالك إرادة راسخة لمواجهته.