الاثنين 25 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

عبد العزيز قراقي:الفصل التاسع عشر من الدستور بين الفعالية والنجاعة

عبد العزيز قراقي:الفصل التاسع عشر من الدستور بين الفعالية والنجاعة

يعتبر الفصل التاسع عشر من الدستور نقطة تحول حقيقية في مقاربة مسألة المساواة بين الجنسين، ووجود هذا الفصل هو ثمرة نضال لكل من يناهض التمييز الذي مورس على المرأة بمختلف أشكاله أي سواء ذلك المعلن في بعض النصوص القانونية، أو المضمر في ثقافة المجتمع حيث استبطنه الأفراد وباتوا يعتبرونه أمرا عاديا لايثير لديهم أي إحراج، ولعل قوة هذا الفصل لا تكمن في كونه أصر على إدماج الحقوق الواردة في الاتفاقيات والمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب، ضمن مجال المساواة، بل كونه سعى إلى وضع خارطة طريق تتمتع بشرعية دستورية تعتبر أن تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة يجب أن يتجاوز ورود المبدأ في صلب الترسانة القانونية، إلى البحث عما هو عملي يسمح بالقضاء النهائي على كافة أشكال التمييز التي تمارس ضد المرأة، وبطبيعة الحال ما هو معمول به في هذا المجال هو استعمال التمييز الإيجابي الذي نصت عليه اتفاقية سيداو،  غير أن  ذلك لن يقتصر على نوع من الكوطة التي يستشف منها أحيانا منطق المنحة المؤقتة، والتي هي بطبيعتها متجاوزة، إلى البحث عن توظيف المقاربة الكمية كآلية تضمن تحقيق مبدإ المساواة، وهذا ما يجعل المناصفة التي وردت في الفصل المذكور، قوية في مدلولها، ومرغوبا فيها، لكونها بديلا للخيارات التي اعتمدت لحد الآن.

وما يزيد من قوة هذ النص هو كونه وضع آلية للمناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز، رغبة من المشرع في تجسيد النقاش الذي ساد عند وضع الدستور، ولتمكين المجتمع من تغيير عدد من الصور النمطية، التي لم تعد جديرة بالوجود في مغرب يقود اليوم عددا من التحولات على المستوى الإفريقي والعربي، وكذلك لمساعدة مختلف الفاعلين على تملك ثقافة المساواة، وتفعيلها عبر السياسات والقوانين.

 غير أن من يعزل هذا الفصل ، خاصة السطر الأخير منه ــ الذي ورد فيه " وتحدث لهذه الغاية، هيئة للمناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز." ــ قد يفهم أن هيئة المناصفة مكلفة بما ورد في في الفقرة 11 من الديباجة حيث تم حصر كافة أنواع التمييزأي " بسبب الجنس أو اللون ، أو المعتقد أو الثقافة..." غير أن هذه القراءة أخشى أن لا تكون سليمة للاعتبارات التالية:

1ـ إن قراءة الدستور تتطلب اعتماد مقاربة شمولية تنظر إلى كافة الفصول في ترابطها وتكاملها، وهو ما يقتضي لاستكمال قراءة الفصل التاسع عشر ربطها بالفصل ،164 حيث أن قراءته بشكل متأن تفيد أن هيئة المناصفة ذات ولاية خاصة محددة في مجال "مكافحة" التمييز ضد المرأة بمختلف أنواعه، في حين أن الولاية العامة في نفس المجال تعود إلى المجلس الوطني لحقوق الإنسان.

2ـ صعوبة تفسير مواد الدستور بعيدا عن السياق الذي أعد فيه، وعما يسمى بفلسفة المشرع التي تستحضر المطالب و النقاشالسائد قبل وأثناء إعداد الدستور، وهو نقاش حضرت فيه بحدة قضايا المساواة بين الجنسين بحدة.

3ـ لفهم مضامين الفصل التاسع عشر ومهام هيئة المناصفة يجب ربط آخر جملة  فيه وهي  " مكافحة كل أشكال التمييز" بأول جملة، و التي حرص المشرع الدستوري على أن يبدأها بتمتع الرجل والمرأة بكافة الحقوق على قدم المساواة، ومن ثم فإن التمييز الوارد في الفصل محدد نوعه.

لكل ذلك فإن إغراق هيئة المناصفة باختصاصات أخرى غير تلك التي تهم التمييز ضد المرأة من شأنه أن يبتعد عن روح الدستور، وأن يخرج إلى الوجود هيئة ستحول قضية من قضايا المجتمع الجوهرية إلى قضية لا تعتبر أولوية، وهذا سيعتبر بمثابة تفوق رأي يذهب إلى أن إخراج كافة الهيئات التي نص عليها الدستور، قد يكلف مالية الدولة الكثير وقد يحدث تضخما مؤسساتيا، وإذا ما تحققت هذه المقاربة التي باتت تغري العديدين، فإنها تعتبر بمثابة تضحية بالفعالية في سبيل النجاعة.