الثلاثاء 23 إبريل 2024
كتاب الرأي

حسن خطابي: مبادرة ترامب بشأن القدس تضع الأنظمة العربية على المحك

حسن خطابي: مبادرة ترامب بشأن القدس تضع الأنظمة العربية على المحك حسن خطابي

أصدر ترامب قراره بنقل سفارة بلاده إلى القدس ضدا على القرارات الأممية التي تمنع ذلك، بداية بالقرار 181 لسنة 1947 الذي نص على أن تدويل القدس هو أضمن طريقة لحماية المقدسات الدينية، والقرار رقم 267 لسنة 1969 الذي دعا فيه مجلس الأمن إسرائيل إلى إلغاء تدابير ضم القدس الشرقية بعد حرب 1967. مرورا بالقرارين 476 و478 المعتمدين سنة 1980، الأول في 30 يونيو أعلن فيه مجلس الأمن عن بطلان الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل لتغيير طابع القدس، وشجب استمرارها في تغيير وضع مدينة القدس الشريف؛ والثاني في 20 غشت لاحظ فيه مجلس الأمن عدم امتثال إسرائيل للقرار رقم476، وأدان قانون القدس لسنة 1980 الذي أعلنها عاصمة إسرائيل "الكاملة والموحدة"، باعتباره انتهاكا للقانون الدولي. وصولا إلى القرار رقم 2334 لسنة 2016 الذي طالب فيه مجلس الأمن إسرائيل بوقف الاستيطان في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية.

لقد اختلفت الآراء حول الأسباب التي دفعت ترامب إلى اتخاذ هذا القرار المثير للجدل، فهناك من عزا ذلك إلى محاولة ترامب تحويل أنظار الرأي العام الأمريكي عن التطورات التي شهدتها فضيحة تدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية الأميركية لصالحه، بعد اعتراف مستشاره السابق في الأمن القومي، مايكل فلين، بأنه طلب من روسيا تأجيل قرار للأمم المتحدة يدين انتشار المستوطنات الإسرائيلية وعدم الرد على طرد الدبلوماسيين الروس من قبل باراك أوباما على إثر اتهام روسيا بالتدخل في انتخابات 2016. وهو تطور يجعل أصابع الاتهام تتوجه نحو جاريد كوشنر، صهر ترامب ومستشاره، خاصة وأن وثائق المدعي العام أشارت إلى أن "مسؤولا كبيرا" في فريق حملة ترامب وافق على الاتصالات التي كان يقوم بها مايكل فلين مع الروس. وهناك من يرى أن ترامب سعى من خلال قراره إلى كسب ود اللوبي الإسرائيلي المشكل أساسا من البروتيستان الأورثودوكس الأمريكيين، الذين يؤمنون بنبوءات التوراة، وخاصة ما يتعلق بمدينة القدس، ولهم تأثير كبير على الجمهوريين في الكونغرس الأمريكي، وعلى قطاع واسع من القاعدة الانتخابية لدونالد ترامب.

ومهما كانت الأسباب التي كانت وراء إصدار ترامب لقراره فإنه بلا شك له آثار وخيمة على المنطقة العربية برمتها، التي مازالت تعاني من ارتدادات زلزال "الربيع العربي"، ولم تشهد بعد انتقالا حقيقيا نحو الديمقراطية. حيث يلاحظ توتر في العلاقات بين الحكام والمحكومين، بفعل استعادة بعض الأنظمة التسلطية لقوتها في بعض الدول العربية، ومحاولات أخرى لاستعادة هذه القوة، مقابل تعبئة شعبية نشيطة تعطي الدليل على استياء الشعوب من النخب الحاكمة. هذه النخب أصابتها مبادرة ترامب في مقتل، حيث أزاحت عنها ورقة التوت وأظهرتها أمام الجماهير العربية ككيانات تفرط في المقدسات، مقابل تزكيات ورضا الحاكم الأمريكي، خاصة وأن ردود فعلها إزاء المبادرة الأمريكية لم تكن في المستوى المطلوب بالنسبة للشارع العربي، الذي كان ينتظر، على الأقل، استدعاء سفراء الولايات المتحدة في البلدان العربية وتقديم احتجاجات رسمية على القرار، وليس بيانات محتشمة لا تختلف كثيرا عن تلك التي دأبت الحكومات العربية على إصدارها منذ قيام إسرائيل سنة 1948.

وتتخوف هذه الأنظمة من أن تتحول مطالب الشارع العربي من الدعوة إلى إنقاذ القدس إلى الدعوة إلى إسقاطها هي، فتعود الأمور إلى ما كانت عليه في أواخر سنة 2010، وينتعش "الربيع العربي" الذي ظن الحكام العرب أنه لفظ أنفاسه الأخيرة، هكذا ستجد الأنظمة العربية نفسها بين مطرقة القرار الأمريكي المساند لإسرائيل، وبين سندان الاحتجاجات الشعبية المساندة لفلسطين.
حسن خطابي، أستاذ العلاقات والقانون الدولي بكلية الحقوق جامعة الحسن الأول بسطات