لأول مرة يتم تناول قضية الصحراء في سياقها الصحيح في الخطب الملكية، وهو سياق تفكيك الدول العربية وتقسيمها إلى دويلات قزمية وفق معادلة "تفتيتية" تقوم على المحاصصة السياسية للقوى المجتمعية داخل إطار الدولة، وذلك حتى يسهل التحكم فيها، غير أن مسار الهيمنة ومخططات التقسيم ليست خطة جديدة أو وليدة اليوم، بل هي قديمة، غير أنها تأخذ في كل مرحلة أبعادا وصورا متعددة.
فإذا كان التقسيم يتم في المشرق على أسس طائفية ودينية ومذهبية، والذي بدأ عقب اتفاقية سايكس-بيكو 1916، ليتم تقسيم ما تبقى من وطننا العربي عقب الحرب العالمية الأولي بين إنجلترا وفرنسا، والذي أعقبها وعد بلفور 1917 والذي ينص على تأسيس دولة لليهود في فلسطين، فهذا التقسيم المخطط له يحاول استهداف المغرب العربي على أسس عرقية وإثنية.
هذه القسمة العمودية لا تقودها أمريكا لوحدها، بل هناك قوى عالمية متعددة الأطراف والمصالح تقف وراء تقسيم العالم العربي للتحكم في خيراته الطبيعية، وتكبيل سيادته على قرارته السياسية الداخلية والخارجية.
الخطاب الذي قدمه الملك محمد السادس أمام القمة المغربية الخليجية بالعاصمة السعودية الرياض، يتضمن حمولة ذات أبعاد "قومية"، أوصل صوت كل القوميين العرب الذين ظلوا صامدين في مواجهة المحاصصة الإثنية والمذهبية إلى القوى الراعية للفوضى والتقسيم في العالم العربي.
الخطاب الملكي يعكس "صحوة" ونقدا ذاتيا للحكام الدول العربية في مسايرة سياسات ونوايا الغرب في المنطقة العربية، وهو ما نبه إليه الملك بقوله؛ إن "الوضع خطير، خاصة في ظل الخلط الفاضح في المواقف، وازدواجية الخطاب بين التعبير عن الصداقة والتحالف، ومحاولات الطعن من الخلف".
الملك بدا "قوميا عربيا" بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وأظهر "عزة" الإنسان العربي، بكونه ليس "دمية" في يد الغرب والقوى الاستعمارية الجديدة، ودق ناقوس الخطر بكون "المنطقة العربية تعيش على وقع محاولات تغيير الأنظمة وتقسيم الدول، كما هو الشأن في سوريا والعراق وليبيا. مع ما يواكب ذلك من قتل وتشريد وتهجير لأبناء الوطن العربي".
ومن أهم النقاط التي أثارها الخطاب الملكي هي التدخلات الأجنبية للقوى الغربية في الوطن العربي، التي غيرت قفزاتها الخشنة العتيقة بأخرى ناعمة، تحاول تسويق مشاريع التقسيم وإعادة رسم الخريطة السياسية لبلداننا العربية من باب الحلول البديلة للأزمات الداخلية التي تواجهها هذه الدول، وجاء في رده القوي؛ "لقد حان وقت الصدق والحقيقة، إن العالم العربي يمر بفترة عصيبة، فما تعيشه بعض الدول ليس استثناء وإنما يدخل ضمن مخططات مبرمجة، تستهدفنا جميعا".
الاستنتاج المهم الذي حاول الملك إيصاله للقوى الإقليمية والغربية هو أن الأزمة المفتعلة في الصحراء هي جزء من هذا المخطط الذي يحاول أن يقسم المغرب إلى دولتين ضعيفتين، وهذا هو المسار الصحيح الذي كان يجب أن توضع على طاولته قضية الصحراء منذ البداية.
وأقوى رد على هذه القوى الراعية للقسمة العمودية للوطن العربي، هو العمل على تحصين الجبهة الداخلية من خلال معالجة ضعف مؤسسات الإدارة وأجهزة الحكم في هذه الدول، فإن التهديد يأتي من خلال استغلال العوامل الداخلية، المتمثلة في سوء توزيع الثروة، والتوتر بين مختلف المجموعات الإثنية والمذهبية والطائفية داخل المجتمع، كأمراض تنخر في جسد هذه الدول، وتمنعها من تشكيل نظام سياسي متوازن.