الاثنين 25 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

محمد فارس: هل ينْجح "سكيتْش بَانَما" كما نجح "سيتْ كُومْ ويكليكس"؟

محمد فارس: هل ينْجح "سكيتْش بَانَما" كما نجح "سيتْ كُومْ ويكليكس"؟

لا حديث اليوم إلا عن تسريبات "بناما بايبرز"، تماما كما فاضت وديان الإسهال الكلامي أيام تسريبات "ويكيلكس"، وقد أدّت أكاذيبُها دورها كاملا ولم ينْتبهِ الناسُ إلاّ بعدما كانت الحرائق قد انتشرت في العالم العربي؛ وهذه المرة، قد ينطلق الشوطُ الثاني بعد نشر أكاذيب "بناما بايبرز"، ما دام الشوط الأول لم يَفِ بالغرض، ولم يحقق المراد، والأيادي التي وراء كل هذا لا تملّ ولا تكلّ، وإنّما تعتبر الإخفاق نوعا من الكشف، وما ارتكبوه في الشوط الأول يتفادونه في الشوط الثاني، مع إدخال التعديلات الضرورية على المخطط. فهؤلاء أتباع الجمعيات السرية، والمنظمات الهدّامة، تَعرف بالغريزة أن ضعافَ النفوس كُثُر، وتعرف أن العرب على وجه الخصوص انفعاليون حيث تُعطّلُ وِجداناتُهم ملكاتهِم العقلية؛ كما أنهم ينسون حقائق التاريخ، وتستبدّ بهم الإثارة، لأنّهم احتفاليون لأتفه الأسباب؛ وقليلو القراءة، وعديمو التأمل، وفاقدو التذكر، فينسون التاريخ، ومن ينسى التاريخ معرّض لتكرار أخطائه ومآسيه كما يقول المؤرخون دائما.. فهل يُسْتغْبى العُربانُ ثانية بأضحوكة "بانما بايبرز"؟

لكنّ العاقل الحذر، ما إن انتشرت وثائق "بانما" إلاّ وتذكّر نشْر وثائق "ويكليكس" وما نتج عنها من خراب، ودمار في ربوع البلاد العربية.. فهدف هذه الوثائق محدّدٌ سلفا، وهو شحْن النفس بأكاذيب وترّهات، ثم ماذا عساه يستفيد أيُّ شعب من وثائق كهذه؟ ثم لماذا لم ينشروا وثائق خاصة بأباطرة المخدرات، وتجار السلاح الذين يغتنون من هذه الفتن، ولهم علاقة بمصانع الأسلحة؛ فعلاقتهم تشبه إلى حدٍّ ما علاقة الزانية الورهاء بتزايد عدد وطلبات الزناة الفسَقة؛ والخاسر هو المجتمع، والقيم، والأخلاق، من هذه العلاقة القذرة.. لماذا لم يتطرقوا إلى الكذبة التي تذرّعوا بها لتدمير العراق سنة 2003؟ لماذا لم يتحدثوا عن الانفصاليين وخصوم وحدتنا الترابية الذين اغتنوا من وراء المساعدات، وتاجروا بها في الأسواق لو كانوا صادقين؟ فحتى "بان كي مون" تضامن معهم استجابة لأسياده.. فالانفصاليون يؤدّون دورهم ويحاولون خلق كيان قزمي مصطنع في الصحراء المغربية، وهو نفس المخطّط الذي ينفّذونه الآن في العراق، الذي سيصبح ثلاث دوَيْلات؛ وسوريا التي ستقام فيها أربعُ دويْلات؛ واليمن سوف يُقسّم إلى دولتين تماما كما قُسّم السودانُ فأعفوه من نار "الترويع العربي"، وسوف يعرف كذلك انفصال إقليم "دارفور" يوما ما.. أمّا مصر، فقد فشلوا في فصلها عن "سيناء" لفطنة جيشها الوطني.. وهذه التّقسيمات، ليست وليدة اليوم، بل هي مشروع جهنّمي قديم، يعتمدون فيه سياسة [بطيء، لكنّه أكيد]؛ وتلكم طبيعة النار، فهي بطيئة ولكن دمارها مؤكّد.. قد يقال إنّ هناك غربيين ذكرتْهم الوثائق؛ وجوابي هو أنهم يعتمدون أسلوب المشعوذ العرّاف، إذ يأتيك بحقيقة واضحة لتصدِّق باقي أكاذيبه عليك..

فأنت ترى الآن أنّهم يظهرون لك أنهم ضحية للإرهاب، فيما الإرهاب هم صانعوه. فهل يُعْقل أنّهم قهروا الفاشية في إيطاليا، والنّازية في ألمانيا، والزّنية في اليابان دفعة واحدة، وفشلوا أمام دوَيْلة "داعش" رغم أنّها مكشوفة في العراء، وتبيع بترول العراق أمام أنظارهم، وليس لها لا جيش الطّليان ودبّاباته، ولا جيش النازية وقوّته الجوية، ولا عناد جنود اليابان ومعتقداتهم القتالية المتطرفة.. هل يُعْقل أن يُدمَّر رابع أقوى جيش في العالم، وتسقط دولتُه في أقل من شهر وهو العراق، فيما يعجزون أمام شرذمة "داعش" لو لم تكن تخدم مصالحهم! كيف لم يسمحوا للفرنسيين الجرمان، أو للفرنسيين الكورسيك، أو للفرنسيين الفايكينغ، بإقامة دولتهم، فيما سمحوا للأكراد العراقيين بإقامة دولة في شمال العراق!؟ وهم الآن ينوون إقامة دوَيْلة لهم في شمال سوريا، كما لم يسمحوا بانفصال "كاطالونيا" حفاظا على وحدة إسبانيا، وهو عكس ما يريده "بان كي مون" في صحرائنا المسترجعة، رغم الحقيقة التاريخية التي تسفِّهه وتدينه أمام الملإ؟ فأشباه "بان كي مون" هم الذين كانوا في الأمم المتحدة، يوم قامت "إسرائيل" في جسد الوطن العربي، وضاعت فلسطين، ودُفِع بشعبها نحو الشتات والهجرة، وهو ما يحدث اليوم، إذ ترى سكان دول عربية يشرّدون، ويقذَف بهم في البحر على شواطئ أوربا، ولم يأخذ بيدهم أحدٌ كما أُخذ ذات يوم بيد يهود الشتات ضحايا النازية.. لقد بارت شعارات حقوق الإنسان، والمساواة، والعدالة، وصارت مجرّد ألفاظ ميّتة لا تعني شيئا.. فنحن نرى أن "إسرائيل" تقتل يوميا، وتهدم المنازل، ولا أحد أدان، وكأن من يُقْتلون ليسوا بشرا، تماما كما صنّف "هتلر" ذات يوم اليهود كافة.. وهكذا ترى أن لكل قرن نازيتَه ولكل عصر فاشيتَه ولكل قوم "هولوكست" خاصّا بهم..