عرت واقعة ضرب الفنانة المغربية الشهيرة دنيا بوطازوت من طرف شابة تتقن فنون الحرب والقتال بدل إتقان فنون الأدب والحوار، عن انفصام رهيب في الشخصية المغربية، انفصام معيب، يتجلى في حقد الكثير من المواطنين المغاربة، على المشاهير و صانعي اللحظات الجميلة في الفن والحياة وحب التغيير، حقد لا يتأسس على منطق معقول، اللهم منطق "شكون يكون دين مو" (من يكون دين امه)، و"مالو حاس براسو" (لماذا يعتبر نفسه أكثر أهمية).. غير مدركين، أن المشاهير، من رجالات ونساء الفن، يختلفون علينا جميعا في كونهم واقعون تحت دائرة الضوء القاتل، ويعانون في صمت مؤلم كنتيجة للتتبع والتجسس والنقد الفارغ لحيواتهم الخاصة، إضافة لعدم العيش في الهناء والتصرف بكل حرية، خاصة في الساحات والشوارع العامة، حيث يندر أن تجد فنانا يتجول دون أن يستوقفه عشرات المعجبين والمعجبات لأخذ صور أو طرح سؤال أو الاستفزاز بكلام غير مسؤول.. بل هناك عشرات "الباسلين" همهم الاستفزاز وتوجيه الاتهامات بشكل مباشر أو غير مباشر على الصفحات الزرقاء واللقاءات والندوات المقامة على هامش المهرجانات.. ومع ذلك تجد الفنان المغربي، صابرا مثابرا على إرضاء الجمهور وإحناء الرأس وتلبية الطلبات المأفونة، فقط لكي لا يقال عنه متكبر متعجرف بعيد عن عالم التواضع و التجاوب مع محبي فنه، اضافة الى النعوت الخاوية الفاضية التي تطلق يوميا على الوسط الفني، نعوت مؤسسة على الجهل بميكانيزمات الفن والفنان النجم والإكراهات المحيطة به..
بمجرد سقوط بوطازوت بالضربة القاضية، أخرجت الخناجر من أغمادها، وبدأت الهجومات الكاسحة على نجمة كانت ضحية تواضعها ومواطنتها الصادقة.. مواطنة تمثلت في الذهاب مشيا على الأرجل لمقر المقاطعة لقضاء أغراضها الادارية.. أغراض كان بالإمكان استعمال الهاتف واستثمار النجومية لقضاء المآرب الخاصة، بعيدا عن الجلبة وضوضاء من لا يقدرون حرمة الفن، ولا يعرفون معنى شكر وتحية الفنان. قضاء المآرب الخاصة دون التردد على المكاتب والحضور لعين المكان، ممارسات يمارسها بعض نجومنا المعروفين، بل ومن يدور في فلك الخلق والإبداع، حيث تقضى أغراضهم في سرية تامة، سرية بعيدة عن الضوضاء والعنجهية المريضة لبعض قناصي الفرص الملغومة والنفوس المأفونة الباحثة عن طرق مختلفة للنيل ممن هم أحسن منهم مكانة وحضورا واعتبارية ..
الشابة المصارعة، وهي تكسر أنف دنيا برأسية احترافية، أكدت على أنها لم تكن في العمق على خلاف بسيط مع بوطازوت حول مسألة عدم الالتزام بالصف، بقدر ما كانت تؤكد على أنها فتاة عنيفة قاسية، فتاة تستخدم مهاراتها القتالية بعيدا عن منطق العقل والمسؤولية، بعيدا عن دائرة الاحتجاج على ممارسات خاطئة غير حضارية، ممارسات تبدو بالنسبة لها غير مشروعة، ممارسات من حقفها الاحتجاج عليها لكن بطرق قانونية بعيدة عن منطق الركل والرفس واستعمال المهارات الرأسية الصخرية..
الغريب في الواقعة، أن الاعتداء على بوطازوت بهذه الطريقة أو الشكل الفج، لم يظل حبيس قضية تخص النجمة والمصارعة، بل تعداه للشارع العام (وهو أمر عاد، لكون بوطازوت نجمة)، حيث أضحى الكل يدلو بدلوه في القضية.. وأغلب هؤلاء الخائضين في الماء العكر للقضية، أظهروا قسوة لا متناهية في محاكمة الشعيبية واعتبارها مخطئة، والتشفي في أنفها المهشم المكسور، بل هناك من ذهب بعيدا في التضامن مع الفتاة الجانية والمطالبة بمؤازرتها وتشكيل لجان للدفاع عنها ومساندتها كي يطلق سراحها حتى يتسنى لها ضرب وكسر أنوف أخرى لعشرات الفنانين الذين يستفزونها، بنجوميتهم الطافحة وحضورهم الفني والاجتماعي الوازن. واقعة غير عادية أظهرت أننا ما زلنا بعيدين عن مساحات الضوء ومنطق الفهم لماهية بعض الظواهر الفنية، أساسا منها ظاهرة النجم وفهم معاناته النفسية رغم الهالة المحيطة به والشهرة العاتية التي قد يتوفر عليها..
شخصيا أتضامن مع الشعيبية في محنتها الحالية وأطالب بقضاء نزيه ومحاكمة عادلة في الواقعة، مع التمني بأن يتمتع الفنان المغربي بحصانة اجتماعية تقيه الوقوع في فخ المحاكمات الشعبوية الواهية البعيدة عن روح الحكمة والتعقل والتشفي المريض المأفون في من استطاع أن يرسم مساره بكل نجاح وتلقائية ..