"أنا من أولئك الذين لا يستطيعون معاينة اليسار وهو يسعى إلى التشبه باليمين، واليمين يبح صوته من أجل أن يتشبه باليمين المتطرف. إنه انحراف شديد، لا يتزعزع، أولا كان غير مرئي في الماضي، ولكنه الآن جسيم على نحو متزايد، مثل حمم البركان الذي ينتشر في كل مكان".. هذا ما قاله صديقي مصطفى خرمودي.
الزلزال كان متوقعا منذ مدة طويلة، وكان من الممكن الإعلان عنه. فمنذ 4 سنوات، والهزات شديدة. خسر اليسار ستة عشر انتخابا من بين الانتخابات الثمانية عشر. وها هو مجموع اليسار يدفع ثمن فشل اليسار الحكومي. حيث انتزع حزب سياسي عنصري وفاشي الميدالية الذهبية من شعب فرنسا.
ولطخت ودنست جمهوريتنا التي شيدت على الباستيل والجماعة!
في الواقع، هذا التراجع ليس سياسيا. لأنه لو كان الأمر كذلك لن أزعج نفسي بمواصلة فضحه. فغرق الحزب الاشتراكي وحزب الجمهوريين، هذان الحزبان المفترسان اللذان أصبحا غير قابلين للسيطرة، أو هذا الوحش برأسين الذي لم يعد يأسف على أي من مصائبنا، ولا يشبعه أي شيء نهبه منا، عجلا بدحرجة فرنسا نحو الهاوية، وقدماها على طبق من فضة لقتلة الفجر.
وهذا لن يسعد أحدا!
نعم، إن الغرق يثير احتدادات أبدية. لكن، وبكل صراحة، لم يعد يربك الكثيرين. وهذا أمر مفروض علينا، شئنا ذلك أم أبينا. نحن في نفس القارب، القارب نفسه الذي يغرق. وهذا من شأنه أن يجعل الشعب يعاني من هذا الخراب!
أسوأ من ذلك يكتب نويل مامير: "كنا نعتقد أننا أمام حكومة يسار، لكننا وجدنا أنفسنا محافظين جدد، يقضون وقتهم في تدوير الأقمار القديمة لليمين المتطرف، مثل إسقاط الجنسية".
وأتمنى أن يكذبني المستقبل!
أحب أن أصدق أن الأمر مجرد حادث سياسي، معتاد لطبقة غارقة في "صراع المواقع". فقبل أن أموت، كما كتب ألكسندر جاردان، من حقي أن أشم نصيبي من السمو! حتى لو كنت جريحا جراء اندحارات قاسية، فأنا ما زلت لا أملك موهبة قضم أحلامي، ولا السخرية من الصراحة السعيدة، ولا الالتفاف بالمرارة. نعم، فالقلب لم يعد يعبأ لمثل هذه الصراحة.
نحب أن نصدق أن هذا هو مجرد سياسة سياسوية، لكن توافقنا لم يعد يتوافق مع هذا النوع من انحراف الوعي.
اعتقدت وقد مرت أربعة عشر عاما بعد 2002، أن انهيار نخبة سياسية معينة، والتي خصخصت، منذ فترة طويلة، عمل السلطة لمصلحتها الخاصة، ولمصلحة من هو أقوى منها، وأعني بذلك المالكين الحقيقين لثروة هذا البلد، جعلها تتعلم الدرس: الجمهورية في خطر!
لكن لا!
إنها فتحت الأبواب والنوافذ لمصير أكثر عنفا وتدميرا.
و"سمحت" لشعب فرنسا الطيب المصاب بالخيبة، والهجران، والذي صدق أنه بخدمته لطبقة سياسية أصبحت مقرفة، بالإقدام على محاولة كبرى للانتحار. وسواء كان الأمر صحيحا أو خاطئا، من يدري، فإن الإغراء هنا واضح. كما لو أن الشعب ليس لديه لا مهرب ولا بديل: أي إما أن الجبن هو الذي يحكمنا، وإما قذارة الحزب الفاشي.
أشعر بخيبة أمل، نعم بخيبة أمل عميقة!
محبط من هذه النخب، ولكن أيضا من أولئك الصحافيين الذين يعرفون، أفضل بكثير من السياسيين، أن يسبغوا الكلمات على الأوجاع التي تقضمنا، ويسخرون، كما في سنوات الأربعين، من تفكير الشعب في أنه سيكون على موعد مع اللحظة الخطأ.
هؤلاء الصحافيون الذين يعرفون كيف يستمتعون، حتى من إفلاسهم الخاص: حتى عندما يخطئون، فإنهم يواجهوننا بأنهم يعرفون أفضل منا أنهم كانوا على خطأ، ويقولون لنا ذلك بنفس الغطرسة التي يضرحون لنا بالأشياء التي يثبت لاحقا أنها خاطئة.
نعم أشعر بخيبة أمل، وبخيبة أمل عميقة، لأنني كنت أتوقع الكثير من هذه النخبة!
نعم أشعر بخيبة أمل، وبخيبة أمل عميقة. ولكن ربما أكون قد طلبت القليل جدا من الحياة!
نعم أشعر بخيبة أمل، وبخيبة أمل عميقة، ولكنني لن أرضخ على الرغم من خيبة أملي للخوف الذي يحولني إلى شرير!
نعم أشعر بخيبة أمل، وبخيبة أمل عميقة من إسقاط الجنسية، ومن من مأسسة حالة الطوارئ، ومن القولة العجيبة الشهير "تفسير الإرهاب يعني إيجاد عذر له"، ومن "جميع الصلاحيات للشرطة".
نعم أشعر بخيبة أمل، وبخيبة أمل عميقة، من أن هذه الكلمات وإعلانات النوايا هي الآن لحكومة اليسار.
لعل هذا مدهش. لكن هل يعلم اليسار الحكومي كيف "تحول الذهب الخالص إلى رصاص عديم القيمة؟" ليسامحنا جان راسين، لكن لا علاقة للأولمب بهذا الانهيار الذي يهم المبادئ الجمهورية الأكثر بساطة.
إذن، ما العمل؟
ما دام الشعب، على الأرجح، لم يسمع إلى أصوات أخرى، ونداءات أخرى، تلك التي لا تفتقر مع ذلك إلى التطرف، فكيف يمكن استعادته، هو الذي يصرخ غاضبا بالقدر نفسه على الفاشيين والحكوميين، هؤلاء الذين كانوا الأمس، مثلما هم اليوم.
ينبغي التسلح أولا بالصبر والإصرار، كما جاء في الأساطير اليونانية. ذلك أن "الصبر يلطف كل ألم بدون علاج". لكن للأسف يبدو أن ألمنا غير قابل للشفاء!
أن لا نتوقف أبدا عن تعلم التمعن باستمرار في الحياة اليومية لمواطنينا، وأن نعيد على الدوام اختراع مصادر عيشهم، وليس فقط وقت الانتخابات التي أصبحت ورمية بالنسبة للفكر السياسي المهيمن.
هذا نداء الشعب! هذا هو توجه القاعدة انطلاقا من القاعدة!
دفاعا عن الأرملة واليتيم اللذين يشعران بأنهما منسيان.
دفاعا عن ذي الهشاشة الذي يخترع كل صباح سبل عيشه.
دفاعا عن الفقير الذي يخضع طوال حياته لاعتداء الموسر دون أن يتمكن من مواجهته.
دفاعا عن المغلوب الذي تخترق مصيره الرياح المدمرة لليبرالية الفاحشة.
دفاعا عن الشاب الذي له توجه واحد هو مقاومة خطر انسداد سوق العمل.
دفاعا عن النساء اللواتي يصارعن من أجل نفس الأشياء التي كن يصارعن من أجلها منذ عدة قرون.
دفاعا عن الحق في الحياة الكريمة للجميع بكل بساطة. لأن هذا ممكن!
وبالطبع لا يمكن استثناء لحظات الحقيقة تلك التي هي مشاورات منتظمة مع الشعب.
(بعض القراءات:
- مصطفى خرمودي، رسالة محبط إلى كل المحبطين- ميديا بارت
- نويل مامير، حكومة الكارثة- روبورتير
- دانيال لندنبيرغ، ثورة محافظة تتقدم بوجه مكشوف- لوموند).