أعلنت الوزارة الأولى الجزائرية يوم أمس أن اجتماع كبار المسؤولين المدنيين والعسكريين عقدوا اجتماعا تنسيقيا مع كبار المسؤولين في ما أسمته بالحكومة الصحراوية، وتزامن نشر هذا البيان مع الاهتمام الإعلامي الواسع بما تم تداوله من معلومات غير رسمية تفيد بأن زيارة العاهل المغربي الملك محمد السادس إلى روسيا أسفرت عن تحول في الموقف الروسي الذي يرتقب أن يتم بموجبه الشروع في العمل على إقناع الجزائر بقبول المقترح المغربي لحل النزاع حول الصحراء.
الإعلان الصادر عن الوزارة الأولى الجزائرية تم تقديمه كأنه تحذير للمغرب وتأكيد على الدعم الجزائري للبوليساريو، ومن خصوصياته أنه ضم عن الجانب الجزائري الوزير الأول عبد المالك سلال ووزير الدولة وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي رمطانلعمامرة، ونائب وزير الدفاع الوطني قائد أركان الجيش الفريق أحمد قابد صالح، ووزير الشؤون المغاربية والاتحاد الإفريقي والجامعة العربية عبد القادر مساهل، وعن الجانب الثاني وفد لم يذكر منه إلا اسم رئيس وزراء الجمهورية الوهمية عبد القادر الطالب، فأمام تدهور الوضع الصحي لكل من الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة ورئيس الجمهورية الصحراوية الوهمية وأمام إعلان شخصيات جزائرية بارزة عن تعرض الجزائر للإفلاس بعد سنتين أو ثلاثة على أكبر تقدير إذا لم ترتفع أسعار البترول إلى 60 دولار للبرميل، فإن التبريرات والتأويلات التي اعتمدها البيان لا يمكنها التغطية على أن الجزائر التي كانت تجد في البوليساريو أداة لكسب الدعم السياسي الخارجي ولتوجيه الرأي العام الداخلي نحو قضايا تلهيهم عن مآسيهم، التي تراكمت طيلة فترة ما أصبح يعرف باسم البحبوحة المالية وتفاقمت بشكل متسارع بفعل تدني أسعار البترول لتستقر في حدود 40 دولار للبرميل، صارت تجد فيه اليوم مصدر خطر على أمنها الداخلي خاصة بعد تورطه في دعم الإرهاب وفي تأزيم الأوضاع الاجتماعية والإنسانية بمخيمات تندوف بفعل تحويل المساعدات المحصل عليها من المجتمع الدولي إلى جهات لا تخدم إلا مصالح المتحكمين في القرار السياسي والعسكري.
لاشك أن المتحكمين في الوضع الجزائري الداخلي يأخذون مأخذ الجد ما راج حول نتائج زيارة العاهل المغربي لروسيا، فهذه النتائج التي حظيت باهتمام كبير من طرف الأوساط الصحفية الإسبانية، ولم يصدر رسميا ما يؤكدها أو ينفيها، لا يمكن التقليل من أهميتها سواء كانت نابعة فعلا عن مصادر موثوقة أو أنها مجرد شائعة من صنع المخابرات أو غيرها من الهيئات التي لا يهمها مصير منطقة المغرب العربي بقدر ما تهمها مصالحها الخاصة. فروسيا التي استعادت بعض قوتها عقب تدخلها في سوريا لن تقبل بإلغاء دورها في شمال إفريقيا، وهي بذلك لا يمكنها أن تراهن بشكل كلي على الجزائر، كما لا يمكنها غض الطرف عن التطورات التي تعرفها الساحة المغاربية وخاصة منها ما صار يعرف باسم الاستثناء المغربي المتمثل التوفيق بين محاربة الإرهاب والجريمة العابرة للقارات وبين رصد أموال طائلة في تجهيزات تؤدي بشكل مباشر إلى الرقي بمستوى العيش في الأقاليم الصحراوية التي تسعى الجزائر إلى فصلها عن المغرب، وحتى التظاهرات التي نظمت في العيون وفي غيرها من مدن الصحراء احتجاجا على تصريحات الأمين العام للمتحدة بان كي مون أثناء زيارته للجزائر، لا يمكن تجاهل معانيها ودلالاتها.
إن محاربة الإرهاب في شمال إفريقيا تمر بالضرورة عبر حماية الجزائر من الإفلاس، وقد بات من المؤكد أن الطرح الانفصالي الذي تبنته ومولته الجزائر، خيم طيلة 40 سنة على الخيارات السياسية لدول المنطقة، وحال دون تمكينها من تحقيق معدلات النمو التي هي في متناولها، وبعد أن صارت دول شرق وجنوب الجزائر تستهوي التنظيمات الإرهابية المنهزمة في دول المشرق العربي، فإن الجزائر لم يعد بمقدورها أن تواجه بمفردها الخطر الإرهابي، وقد يكون من الخطأ الاعتقاد بأن تفكيك بعض الخلايا المسلحة سيعيد الثقة للشعب الجزائري في المؤسسات التي تعرضت لعدة انتقادات عقب تعرض منشآت بترولية إلى هجمات إرهابية خلفت العديد من القتلى.
لسنا هنا بصدد المقارنة بين المغرب والجزائر، ولكن ما ينبغي التأكيد عليه هو أن الجزائر المهددة بالإفلاس وبالانهيار لم يعد لها من خيار غير التعامل مع الواقع كما هو وليس كما تريده، فبغض النظر عن الجهة التي ستنجح في الإمساك بزمام الأمور عقب الإعلان رسميا عن وفاة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، فإن الأطروحات الانفصالية لم يعد لها أي مبرر ولم يعد لها أي أمل في تأمين العيش الكريم للسكان، وبالمقابل فإن التعجيل بفتح الحدود البرية بين المغرب والجزائر يمكن أن يمهد للتعاون الثنائي في كافة المجالات بما فيها محاربة الإرهاب وتهريب المخدرات والحد من الهجرة السرية، وإذا كانت كل الوقائع تؤشر لتبني مختلف كبريات الدول، وخاصة منها الاعضاء الدائمون في مجلس الأمن، فقد يكون من الأولى بالمتحكمين في القرار السياسي بدول المغرب العربي الخمسة أن يقروا بأن حماية مصالحهم الاستراتيجية والحيوية لن تتحقق بالقضاء على الآخر وإنما بالتعاون معه.