الاثنين 25 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

عبد القادر زاوي: الصحراء مغربية..الحماسة العاطفية غير كافية

عبد القادر زاوي: الصحراء مغربية..الحماسة العاطفية غير كافية

انتهت مسيرة الغضب والتنديد بتصريحات الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون العدائية ضد المغرب، والبعيدة عن الحياد الذي كان ينبغي أن يتصف به في عمله، سيما وأنه بموجب قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة بالموضوع مخول بإيجاد تسوية سياسية للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية مقبولة من الطرفين ؛ الأمر الذي يحتم عليه أن يكون على مسافة متساوية بينهما لا أن ينحاز لطرف على حساب الطرف الآخر.

ورغم ما شاب المسيرة من عدد من مظاهر الارتجال والعشوائية، وبعض من عدم المسؤولية في التصريحات وفي الشعارات، فإنها عموما كانت هادئة وانصرف المشاركون فيها بسلام من دون حدوث حالات فوضى وشغب، وكانت وهذا هو الأهم ضرورية سياسيا لإعادة عدد من الأمور إلى نصابها، وناجحة دبلوماسيا في توصيل الرسالة الأساسية منها. ولكن الخشية أن تنزلق مسيرات مماثلة في المستقبل لمستنقع المزايدات الرخيصة، خاصة مع اقتراب موسم الانتخابات التشريعية.

كان تنظيم المسيرة وبممثلين من مختلف جهات وأقاليم المملكة ومن مختلف الشرائح والفئات الاجتماعية ضروريا كي يبرهن المغاربة للمجتمع الدولي قاطبة وليس فقط للأمين العام للأمم المتحدة أن قضية الصحراء قضية الشعب بأكمله، وليست كما ساد الاعتقاد منذ مدة أنها ملف بيروقراطي تتولى متابعته إدارات بيروقراطية اعتادت ألا تكلف نفسها عناء وضع الشعب في الصورة، مكتفية عند الضرورة وبين الفينة والأخرى بتقديم رؤوس أقلام غامضة في مجملها أمام اللجان المختصة في غرفتي البرلمان.

ولهذا، فبعد هذه المسيرة وتحسبا للمستقبل وما يحمله من تحديات يقتضي الواجب الوطني أن تظل هذه اليقظة الشعبية قائمة ومتواصلة ليس بالضرورة في شكل مسيرة وطنية موحدة، وإنما على سبيل المثال في شكل تنظيم مسيرات محلية بالتناوب بين المدن، وفي العمل على تطوير أشكال تعبئة أخرى سياسية وثقافية ورياضية وغيرها.

في هذا الصدد يحق التساؤل لماذا لا تقدم القوى السياسية المغربية وجمعيات المجتمع المدني الوطنية على عقد مؤتمراتها العامة طوال هذه السنة بمدن الأقاليم الجنوبية أو تطلق الأحزاب حملاتها الانتخابية من هناك؟ ولماذا لا تخصص الحكومة هذه السنة للعب كل مباريات نهايات كأس العرش في مختلف الرياضات بالحواضر الجنوبية، فتحتضن السمارة مثلا نهاية كأس العرش لكرة اليد، والداخلة نهاية كأس العرش لكرة السلة، والعيون نهاية كأس العرش لكرة القدم.

إن تكثيف مثل هذه المنافسات تقوي الصلات وأواصر التواصل بين المواطنين سيما فئة الشباب، وتعود ساكنة مدن شمال البلاد ووسطها على زيارة تلك الأقاليم والاختلاط بأهلها وناسها ؛ مما يساعد على ترسيج التلاحم والانصهار المجتمعي. أو لم يكن لإجراء مباراة السوبر سنة 1976 بالعيون بين بطل المغرب سنة 1975 (مولودية وجدة) والفائز بكأس العرش لتلك السنة (شباب المحمدية) أثر كبير في تسمية العديد من الأندية الرياضية التي تأسست في أقاليمنا الجنوبية باسم المولودية والشباب؟

لا أحد يخامره الشك في أن هذه المسيرة شكلت أرضية صلبة وقوية للإعلان عن الإجراءات التي اتخذها المغرب بخفض مساهمته في ميزانية المينورسو، وفي دعوة الأمم المتحدة إلى تقليص عدد أفراد بعثة هذه الأخيرة، وخاصة في الوحدة المدنية منها، والتي كانت تصرفاتها في أكثر من مناسبة مثار العديد من التساؤلات، وخاصة فيما يتعلق بعلاقات أعضائها مع تنظيمات محسوبة على منظمات المجتمع المدني، فيما عدد منها غير شرعي ولا مرخص له بالنشاط.

ومع ذلك، لا ينبغي الانسياق وراء العاطفة وهي قوية وجياشة في موضوع الوحدة الترابية، والادعاء أن المسيرة قد حققت المبتغى. أبدا فهي  شكلت فقط سندا شعبيا معنويا كان مطلوبا، ولكنها لم تجب عن السؤال الجوهري وماذا بعد ؟ ولم يكن ذلك دورها.

هذه الـ"ماذا بعد؟" قريبة جدا. إنها في نهاية شهر أبريل المقبل حين سيجتمع مجلس الأمن الدولي لدراسة تقرير الأمين العام الأممي واتخاذ قرار جديد على ضوئه بالمقترحات التي يراها المجلس كفيلة بدفع الحل السياسي للنزاع قدما إلى الأمام، وبمستقبل بعثة المينورسو نفسها إن بالتمديد لها أو بوقف عملياتها أو توسيع صلاحياتها أو بالعكس تقليصها.

وما يلفت في هذا الباب هو التحذير الذي أعلنه الناطق الرسمي باسم الأمين العام الأممي، الذي أكد حسب وكالة فرانس بريسمن استحالة قيام المينورسو بمهامها في ضوء سحب 84 من أفرادها، مشيرا إلى أن مخططات استعجالية بديلة تجري دراستها دون أن ينسى التطاول على المغرب واتهامه بالقيام بعمل انفرادي مخالف لالتزاماته الدولية.

وبديهي أن تقرير الأمين العام للأمم المتحدة سيتناول كل التطورات الأخيرة التي واكبت زيارته لبعض دول المنطقة ولمخيمات العار في تندوف، وسيبرز مدى تعاطي الأطراف مع مساعيه، ومع مساعي مبعوثه الشخصي. ومن المؤكد أنه سيشير إلى وصول تلك المساعي إلى طريق مسدود، وأن الأطراف ظلت متشبثة بمواقفها وبالطروحات التي تدافع عنها.

ولكن ما ليس معروفا عن التقرير المرتقب للأمين العام الأممي، أكبر بكثير مما يمكن التكهن به رغم أنه يفترض أن تكون لدى السلطات المغربية المختصة الآن فكرة عامة عن محتوى هذا التقرير وخلاصاته، بل يفترض أن تكون قد اطلعت بشكل أو بآخر على ما يسمى في أدبيات الأمم المتحدة المسودة الزرقاء Blue Draft مما يساعدها على التأهب لأسوإ الاحتمالات.

وغير معروف أيضا ما إذا كان السيد الأمين العام بان كي مون سيحفظ ما تبقى لديه من مصداقية في هذا الملف فيتحدث بتجرد عن تشبث الأطراف بمواقفها وعدم مرونتها إزاء الأفكار التي اقترحها هو أو مبعوثه الشخصي، أم أنه سينظر للتطورات الأخيرة من منظار كرامته الشخصية فيتهم طرفا واحدا فقط ؟ والأخطر من ذلك هل سيتوقف في تقريره عند وصف الوضع الراهن كما عاينه ويستخلص ما يراه مناسبا إزاء ذلك أم سيذهب إلى حد اقتراح خطوات وإجراءات شكلية وموضوعية جديدة يدعي إمكانيتها في المساعدة على  الخروج بالموضوع من المأزق الراهن ؟

في ضوء التحذير المغربي المبكر من مغبة محاولة فرض الحلول المطبوخة في الغرف المغلقة، وفي ضوء تصريحات السيد بان كي مون في موريتانيا وتندوف مؤخرا يتضح أن لديه النية على العمل على زحزحة المواقف الراهنة بطرح أفكار جديدة بات معروفا على نطاق واسع أنه يجري التسويق لها كأفكار وسط بين التعنت بالمطالبة بالاستفتاء من طرف الجزائر وصنيعتها، وبين التشبث بمقترح الحكم الذاتي كفكرة مغربية جدية وذات مصداقية بشهادة الأمم المتحدة وأمينها العام نفسه قبل أن يقلب ظهر المجن.

يدور الحديث في هذا السياق عن بحث تطبيق نظام الارتباط الحر، الذي من شأنه أن يضمن للمغرب سيادة اسمية شكلية على تراب الصحراء، مقابل منح الطرف الآخر سلطة فعلية تقريرية على السكان والموارد معا، تماما كما هو جاري في بورتوريكو مع الولايات المتحدة الأمريكية، واسكتلاندا في إطار المملكة المتحدة، وكما كان الوضع بالنسبة للجبل الأسود Monténégro مع صربيا قبل أن يعلن استقلاله التام بموجب استفتاء شعبي.

وقد راجت أيضا وعلى نطاق ضيق معلومات غير موثقة ولا موثوقة المصدر عن قيام السيد كريستوفر روس في إحدى جلسات نقاشه مع البوليزاريو بإثارة إمكانية الحل عبر نظام الكوندومينيومLe Condominium، وهو نظام لم يعد مطبقا إلا على مناطق حدودية محدودة جدا وذات طابع وظيفي في الغالب وخالية من البشر، كبعض الجسور وبعض الأنهار الحدودية.

وإذا أخذنا بعين الاعتبار ما تتداوله مجموعة وسائل إعلام عن حماسة بريطانية وتأييد أمريكي محتشم لفكرة الارتباط الحر، يبدو جليا أن هنالك توجه عام إلى إخراج النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية من دائرة ما يسمى لدى فقهاء القانون الدولي الأمريكي "النزاعات المجمدة" تلك التي تكون بين دول على صداقة جيدة مع واشنطن، التي تجد نفسها غير قادرة على اتخاذ موقف منها لصالح أحد أطرافها دون إلحاق الضرر بالطرف الآخر.

وبطبيعة الحال، فإن حالات كهذه تتخذ في العادة طابعا متدرجا، وبوسائل إغراء وضغط تنطلق ناعمة في البداية، وربما من أكثر من مؤسسة دولية ووطنية تتناغم مع الهدف المعلن. في هذا السياق ينبغي الاحتياط والنظر بحذر وبارتياب لاجتماع لجنة طوم لانتوس لحقوق الإنسان بمجلس النواب الأمريكي يوم 23 مارس الجاري.

لا يبدو أن الصدفة وحدها جعلت هذا الاجتماع متزامنا مع التطورات الأخيرة، سيما وأنه سيتخذ، حسب المعلومات المتوفرة، شكل جلسة استماع حول الصحراء تخصص للبحث في مهمة المينورسو يتدخل فيها من زاوية حقوق الإنسان شخصيات معروفة بمعاداتها للمغرب مثل السيدة رئيسة مركز كينيدي لحقوق الإنسان، ومدير مرصد حماية الموارد الطبيعية بالصحراء، ونائب مدير منظمة هيومان رايتس ووتش.

إن المهمة المستعجلة الآن قبيل انعقاد مجلس الأمن الدولي نهاية الشهر المقبل تتمثل في العمل على منع صدور قرار يخالف إن في الشكل أو المضمون محتوى القرارات السابقة، والانتباه إلى عدم سقوط العبارة التي تشير إلى مقترح الحكم الذاتي كوسيلة مطروحة للحل جدية وذات مصداقية ؛ لأن هذه العبارة بدأت تختفي تدريجيا من التصريحات الأممية، ومن عدد من البيانات المشتركة للمغرب كما حصل مؤخرا مع روسيا الاتحادية.

ويقتضي هذا الأمر تكثيف التواصل مع أعضاء مجلس الأمن الدولي الدائمين وغير الدائمين. فحسب بعض التقارير الصحفية الفرنسية لم يكن متحمسا للمواقف المغربية الأخيرة ضد تصريحات الأمين العام سوى فرنسا من الأعضاء الدائمين وكل من مصر والسنغال واسبانيا واليابان من الأعضاء غير الدائمين. فماذا عن الدول الباقية ؟

صحيح أن الدول الدائمة العضوية الأخرى (أمريكا وروسيا وبريطانيا والصين) ليست ضد المغرب علانية، ولكنها ليست معه في طرحه. كما أن من بين باقي الدول غير الأعضاء هناك من يجاهر بالعداء للوحدة الترابية المغربية كفنزويلا وأنغولا، ولا يعرف لأي توجه ستنحاز الدول الأخرى كماليزيا والأوروغواي ونيوزيلندا مع ضرورة الاحتياط من موقف أوكرانيا.

وأغلب الظن في ضوء التحركات الجارية الآن بكثافة لتطويق خلاف المغرب مع الأمين العام، وما يصدر من تصريحات عن دول وشخصيات وازنة تعرب عن الأمل في العودة إلى علاقات طبيعية بين الطرفين كما جاء على لسان مساعد الأمين العام الأمريكي جيفري فيلتمان ؛ فإن القرار المرتقب من مجلس الأمن لن يتجاوز سقف "البحث عن حل متفق عليه ومقبول من الأطراف المعنية".

ومع ذلك لا ينبغي الارتهان للخارج في هذه القضية المصيرية، فأيا تكن نهاية هذا المسلسل الدبلوماسي الجاري حاليا، فإن المعركة المفتعلة حول الصحراء المغربية لن ينزع فتيلها إلا في تراب المعركة نفسه بالعمل على ترسيخ مغربية الأرض في عقول وقلوب معظم ساكنة المنطقة، وذلك من خلال مسلكين متوازيين.

*مسلك سياسي عبر فتح أبواب المشاركة السياسية واسعة أمام الأجيال الشابة بعيدا عن الوصاية المعهودة من النخب القديمة، التي ثبتت محدوديتها، وضمن تنظيمات سياسية حقيقية، وذات مصداقية.

*مسلك اقتصادي عبر إدماجهم بعدالة وتكافئ للفرص في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية والأوراش الكبرى المعلن عنها بمناسبة الزيارة الملكية للمنطقة نهاية السنة الماضية ومطلع هذه السنة بعيدا عن سياسة الريع المألوفة، والتي جعلت الدولة  في أكثر من مناسبة أسيرة ما يسمى ابتزاز المواطنة Le chantage de la citoyenneté .

المعركة طويلة وشرسة، ولكن الصحراء ستظل مغربية، غير أن الحماسة العاطفية في هذه المعركة ليست كافية.