إذا حدث أن توجهت إلى صالة المياه في مطعم مثلا، و وجدت بابين عليهما حرفين M و H، فلا تدع عقلك يوهمك أن حرف M يعني Men، بل هو يعني "موخير"، أي للنساء. فإذا حدث و أخطأت، سوف تعيش لحظات صعبة، لا داعي للمقاومة. القوانين هنا صارمة ضد التحرش. في الفضاء العام، في قلب مكسكو، بما فيها ساحات التجول و شوارع "شوفوني"، لن ترى أي مظاهر المشاكسة أو "القنص"، و لا حتى نظرات ملحة. وحده المغربي الفخور من يحملق أكثر من المعتاد. هنا، النظرة الأولى لك، و الثانية قد تكون للقاضي...
من يستطيع قيادة السيارة في مكسكو يمكنه قيادة مكوك فضائي في زحل. أولا ارتفاع مكسكو لا بأس به، إلى ذلك يجب إضافة طرق معلقة، طرق سريعة، أنفاق و ازدحام شديد. خلال أكثر من 15 عشر ساعة على الطرقات، لم أر حادثة سير واحدة.
و رغم الإشراقات، للمكسيك آلامه و مآسيه. سلاح أمريكي متسع الانتشار، عصابات دولية منظمة و مجيشة، احتكار لبعض القطاعات المنتجة، فقر هيكلي، فوارق مجتمعية مهولة... لم أكن أعرف الكثير عن المكسيك: ثوب گوادالوبي اشتريته مع أمي ذات يوم في شارع أفغانستان بالحي الحسني (القيسارية)، تيران المكسيك حيث تركت مع رفاق الطفولة بعضا من جلدنا، مسلسلات في التلفزة، فريق شرس في كرة القدم في كؤوس العالم، سلمى حايك، و مطعم تيكس ميكس بشارع المسيرة، سلمى حايك مرة أخرى. لا تكفي بضع أيام و مسار مسطر لمعرفة بلد ما، لكن عموما، صححت كثيرا من الانطباعات المصنوعة مسبقا...
لن يكون صعبا على مغربي أن يندمج في المكسيك. ملامح بعض المكسيكيين تكاد تكون أليفة بالنسبة لنا. أضخمهم حجما يشبه دكالي متوسط القامة. و كما أسر لنا بنكيران رضي الشعب عنه، الدكالي يعتقد أن جهته هي مركز العالم. قالها لنا في اجتماعه مع الشبيبات، و هو يتحدث عن الرميد. المكسيكي كذلك أيضا: يؤمن أن بلده مركز العالم، رغم الحدود مع خالتي أمريكا.
يستقبلك قيادي في حزب الثورة و الديمقراطية، اليساري، و في يده قهوة ستاربكس. الليبرالية مرت من هنا و جمع PRD جميع أطياف اليسار ليستمر في الوجود. نحن "العياشة" لا نرتاح للتواجد في حزب يحمل الثورة في اسمه، لكن، كما كان الحال من قبل مع الحزب الثوري المؤسس PRI, و هو الحزب الحاكم، اللقاء مر في جو رائع. هنا أيضا، اليسار PRD تحالف مع الحزب الوحيد الذي لا يحمل الثورة في اسمه، و هو البان PAN, في المعارضة. اليسار وفي لمبادئه في العالم كله: يتحدث عن الديمقراطية الاجتماعية، شارك في تحالف وطني لتنزيل الإصلاحات قبل أن يقلب الطاولة و يعارض إصلاحات شارك فيها من قبل، و يشتكي من انتخابات مغشوشة و استعمال مفرط للمال الحرام، مال المخدرات. لليسار قوة انقلابية جينية خطيرة لم تشهد البشرية مثيلا لها منذ موسى و الفراعنة، ثم قوم موسى و موسى... و هو يودعنا، يخبرنا القيادي اليساري أنه يجمع على طاولة غذائه مديري و رؤساء البنوك المكسيكية للحديث عن الاقتصاد. من من أمناء أحزابنا يستطيع أن يفعل نفس الشيء؟
في وزارة الخارجية، يستقبلنا شباب يقودون آلية متطورة لإشراك المواطنين في الحكم الرشيد. تقوم الآلية على ممثلين للمجتمع المدني، ممثلين عن الحكومة و ممثلين عن معهد وطني للوصول إلى المعلومة. هدف الآلية هو دعم المشاركة السياسية، تقديم الحسابات، و نشر المعلومة. يسمون هذا "الحكومة المفتوحة". أتذكر إطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في 2005, حيث حظيت بشرف المشاركة في هذا الورش، و كان من بين الأهداف الوصول إلى نفس درجة المشاركة. مرت الأحزاب من هنا و أصبحت معظم جمعيات المبادرة ملحقات لدكاكين و أنظمة انتخابية... لن يغفر لنا الرحمان التغاضي الجماعي عن ما آلت إليه المبادرة...
في جنوب المدينة، يقدم المعهد الوطني للمشاركة السياسية جوهر الديمقراطية: المواطنة ليست فقط بالتصويت، المواطنة هي أولا نقاش عمومي، يقظة جماعية، يمارسها المواطن للمحافظة على حقوقه. هنا، قانون المشاركة يمكن المواطنين، مصوتين أم لا، من المساهمة في إنجاز ميزانية المدينة، من خلال اقتراح برامج للأحياء من خلال لجن سكان. هنا، استشارة عمومية (استفتاء) مكن سكان جزء مهم من مكسيكو من التصويت بالرفض أو بالقبول لمشروع شارع تجاري كبير يغير وجه الحي. صوتوا بالرفض بعد حملتين كبيرتين بنعم أو لا...
في ديمقراطية سليمة، يحرص الفاعل السياسي على إشراك المواطنين في القرارات، سواء كانوا مصوتين أم لا. النقاش العمومي هو بنفس قدر أهمية التصويت. بعد أشهر، سوف ترونا نستجدي أصواتكم و لا أحد يطلب رأيكم. في حيكم، من قرر في اتجاه السير؟ في مكان المسرح؟ في مواعيد افتتاح القاعة المتعددة الاختصاصات؟
و مع ذلك، في ديمقراطية سليمة، تظل قوة المال و الدين و الجاه حاضرة. هنا، في ساحة مصنفة ثراثيا، استطاع أغنى رجل فى العالم لمدة، كارلوس سليم، افتتاح مطعم في أعلى بناية قديمة. يأتي الناس لهذا المطعم لينالو بركات كارلوس. لم يسعفني الوقت. سأبحث عن كسكس مع الحاج ميلود الشعبي عند عودتي. هي البركات نفسها!
المسلسل الديمقراطي بالمكسيك يغري بالمشاهدة. المكسيك ليست بالجنة لكنها لا تفق صباحا و تعمل فقط كي تتفادى الجحيم. قوة القانون هنا تقاوم صراحة قانون القوة. سيحفظ التاريخ أن الدكالي وزير الحريات لم يتحرك لحماية المستهلك في منع VOIP, سيحفظ التاريخ أن الخلفي نعت الانتاج المكسيكي بالماخور، هو الذي أقبر الانتاج، و بعث بأرشيف الدولة السمعي البصري للرقمنة في إيطاليا، نعم، أرشيف دولة...