ليست هي المرة الأولى التي أتطرق فيها للإرهاب كموضوع وواقع صار مسترسلا فينا، حتى أن المقام يؤكد المقال. لكن المقال في كل مرة يختلف بمستوى الإحساس والتفاعل مع محطات إرهابية وقعت أو كانت وشيكة، أو أخرى ما زالت مرتقبة بضرورة سياق صار حقيقة فعلية ..
ما زلت أصر وأؤكد على معطى أردده دوما، هو كون الإرهاب جريمة وليس وجهة نظر. وهو المعطى الذي يكبلني منهجيا كي لا أخوض في الأمر بعاطفة التنظير والتشكيك ولغة الخشب والمزايدة في الخطاب. لكن المعطى الجديد هو أن الإرهاب ومشروعه صار واقعا نكاد نتنفسه كالهواء. لا أعلم إن بقي هناك بعض المزايدين، وحتى بعض المسؤولين منهم يشككون في أمر وواقع وحقيقة الإرهاب، كما حدث منذ أول ضربة علنية له بالبيضاء سنة 2003 .
وحدث هذه المرة أن كان الإرهابيون بيننا بالصويرة. كانوا قريبين جدا، نتقاسم معهم قهوة الصباح ونسلم عليهم، وقد نطلب منهم خدمة أو نرحب بهم كأجانب وسياح نتماهى في إظهار وإبراز طيبوبتنا وحسن ضيافتنا لهم حتى نثبت أننا متسامحون جدا وأننا نحب كل الأجناس والأديان وأننا نحب الآخر، ولا نحب الإرهاب. هم إذن الإرهابيون كانوا أشد كفاءة وقدرة على اختراق يومنا وفضاءاتنا ومقاهينا ومنازلنا وصداقتنا وترحيبنا.
قد نحمد الله لكون المجموعة الإرهابية تم كشف أمرها وأسرار مشاريعها من قبل الأمن في سياق استباقيته المعهودة. لكن الجرح يفتح مرة أخرى لنؤكد أن الأمر صار واقعا فعليا حد اليقين هنا وفي أي مكان آخر في المغرب وفي كل بقاع العالم، مع الإثبات والتأكيد على أن العناصر الإرهابية ليست لا مسلمة بالضرورة ولا عربية بالضرورة، هي عناصر من كل الأديان والأجناس. وحتى السياح الذين كنا نخاف على شعورهم وأمنهم ونترجى قدومهم لدعم اقتصادنا الهش والمحتاج إلى شيء من عملتهم الصعبة فعلا، صاروا أمراء دم بين أروقة دروبنا ومقاهينا ومطاعمنا وحاناتنا ومطاعمنا ومساجدنا ومجالات وهوامش عواطفنا وحبنا للآخر. هو تأسيس لليأس من الإنسان ومن المحبة ومن حسن الضيافة، هو الدعوة إلى نفي الثقة، وهو الهدف الأسمى للمشروع الإرهابي الكوني الذي صار عقيدة ومصيرا مشتركا بين الدول والشعوب.
كدت أعلن وأطلب وأطالب ضرورة فرض التأشيرة على الأجانب كما تفعل دول الغرب. و كدت أتباهى بكون مواطني الغرب وفرنسا هم أيضا مشاريع إرهابيين، وأنهم هذه المرة ليسوا من أصل مغربي ولا مغاربي. هم بالميلاد والعقيدة والتكوين ولون البشرة واللغة والمزاج والثقافة من أوروبا ومن فرنسا بالضبط. والبقية من المجموعة الإرهابية كانوا شبابا يشبهون أبنائنا وأبناء جيراننا وأبناء مدينتنا وأبناء كل مواطني الوطن، هم كباقي الشباب، أحبوا الحياة وملذاتها يوما، وفجأة قرروا الانتقام منا جميعا ، وصاروا مشاريع رعب وقتل مباح للإنسان المستباح دمه أين ما كان، هنا في الصويرة، وفي كل أرجاء الوطن وحتى العالم. فهل صار الإرهاب عقيدة؟
المعطيات تؤكد أن الإرهاب صار أكبر من كونه ظاهرة، فاختراقه لكل المجتمعات بشكل مستعرض يؤكد أنه صار مكونا محددا لوجودنا من عدمه. فهل هناك من مشكك جديد؟
متأكد أنا مرة أخرى أن الإرهاب ليس وجهة نظر، الإرهاب جريمة. ومشاريع الإرهابيين باتت أقرب لنا من ظلنا. وما عاد في الجبة إلا مشاريع القتل.