مقدمة طـَرِّية - من "الطـَّرْ" - : لا علاقة لشجرة البرتقال وراء الصورة بالموضوع. اللأمر يتعلق بـ "الخبز" باعتبار أنه في مقدمة الترتيب لدى غالبية المغاربة البسطاء وبعده يأتي البرتقال والبنان والتفاح والحلوى و"سلو" ... وغالبا ما يتم تخزينها، فوق "الماريو" بعيدا عن الأطفال الذين ينعتون بـ "البز"، حتى "يستنبح" الكلب ضيف العائلة المغربية البسيطة في "الخيمة"، بمعنى الدار، فترمق عيون الأطفال ما لذ و ما طاب من فواكه وحلوى ويحن الضيف على أبناء المضيف رغم "غمزات وعفطات" (حُكام الأسرة )، لإجبار الطفولة عن مغادرة مائدة المأكولات الموسمية والحديث هنا لا يعني موسم الخريف أو الشتاء أو الربيع أو الصيف بل "موسم الضيف" ..
غالبا ما تكتب الجرائد والمجلات الورقية والإلكترونية في العالم العربي في واجهتها، عبارة "الخبرُ مقدس والتعليق حر..".. ليس كل ما يُقال ويكتب ينطبق قطعا مع الحقيقة بحكم أنها نسبية، فغالبا ما يكون الكاتب أو الصحفي أو ناقل الخبر عموما، مُعتمدا على رصد الأخبار من مصادر تسمى موثوقة.. لكن قد تكون غير ذلك في غفلة منه ومن مدير المنشأة الإعلامية ناشرة الخبر.
من أخلاقيات الصحافة أن يكون الخبر "مُقدسا"، بالتحري في صحته قبل تحريره ونشره، كي لا يكون مجانبا للصواب فتنزع عنه "القدسية". فالمقدسُ في الترميز المجالي هنا يفترض قطعا أن يكون الخبر "صافي وشافي وكافي. منطقي وحقيقي" وهي ضالة منشودة منذ بداية الكون. قد تختلف الزوايا والروايات، فتضيع قدسية الخبر بين الرأي والرأي الأخر والطرح وحق الرد أو عدم الرد واللجوء للمحكمة لتقول كلمتها وتصدر أحكامها بقبول أو رفض طلب متابعة صاحب منشأة النشر وصاحب الفعل الأصلي للنشر، أي محرر الخبر بطبيعة الحال، أو ناقله وقد يتم استدعاء صاحب الخبر في ملف متابعة قضائية بصيغة "أنباء كاذبة أو نشر مقال سبب ضررا للمدعي، لكنها أخبار قد تكون في غالب الأحايين منقولة عن الغير وقد لا يتم استدعاء هذا "الغير" للمحكمة، لتبيان صدق إدعائه من كذبه، فيحمل ناقل الخبر خبره على أكتافه لوحده رفقة صاحب المنشأة الإعلامية..
في دروس الصحافة يُقال أن المصادر هي وكالات الأنباء أوالهيئات والمنظمات المُختلفة سواء حكومية أو غير حكومية وشخصيات عمومية ... إلى أخره، لن تجد شخصيات عادية من عامة الناس مصدرا موثوقا للخبر لدى بعض المنتمين لعالم نقل الأخبار، بل هم أناس بسطاء يصدرون الشكاوى لفظيا وكتابيا، ويقدمون ملفات بمستندات وأوراق وجب التقصي والتحقق من صحتها بآلية الخبرة الميدانية، مع العلم أن ناقل الخبر ليس بالضرورة خبيرا في صحة المستندات والروايات من عدمها.
المواطن البسيط غالبا ما يتم اعتباره "مصدرا غير موثوق" إلى أن يثبت العكس، ويُفضل الكثير من ناقلي الخبر إعلاميا أن تكون تصريحات "البسطاء" وأقوالهم مبنية على حكم نهائي من المحكمة، للاستئناس بها وإعادة نقلها على صفحات جريدة أو قناة أو مذياع، ويُمكن نعتها بمؤسسات إعلامية خطها التحريري مهنيٌّ حدَّ الاحتراز، فحتى قانون الصحافة يشير إلى ضرورة الانتظار قبل نقل الأخبار المتعلقة بالتقاضي، مرور جلسة علنية واحدة على الأقل، للتداول في القضية المعروضة أمام المحاكم، لكن العديد من الصحفيين يغردون خارج سرب "هذا البند"، للتميز والانتشار وإنجاز مهامهم بسبق صحفي مأمول بعيدا عن القيود الوضعية.
قدسية "طرف ديال الخبز" تتفوق على "قدسية الخبر"، لأن الخبز في مقدمة الترتيب في فلسلفة الكثير من الناس في الحياة. الخبز هنا في بعده الرمزي هو كل ما يتعلق بالربح الاقتصادي سواء القليل أو الكثير. قديما قال أجدادنا : "قليل ومداوم احسن من كثير ومقطوع". لتوفير الخبز بشتى تجلياته، يمكن أن يكون "الخبرُ من الأخبار" لدى شريحة من الناس وسيلة للحصول على "الخبز من المخبزة" ولا أقصد فقط الصحفيين والمراسلين، فحتى في مهن التواصل يتحول "الخبر" لمعلومة يقدمها الأجراء للحصول على "الخبز"، وحتى في العلاقات الاجتماعية يتربع الوشاة على عقول بعض الناس، لنقل الأخبار بينهم، قصد الحصول على امتيازات مادية أو عينية أو فقط للحصول على تربيت على الكتف والانتشاء بتحقيق "البلية"، وهذا الأمر الأخير ليس دائما الدافع من وراءه بالنسبة لناقل الخبر "خبزا من المخبزة" بالضرورة، لكن يمكن اعتبارهُ تشجيعا على الاستمرار في الحصول على الخبر والمعلومة، لتأمين "خبز" طالب الوشاية أو مستقبلها.
إذا كان التعليق حُرا، فهذا يعني أن كل ما يأتي من تحليل ورأي بعد خبر، يندرج ضمن تكريس حرية التعبير المبنية على مراس الكاتب أو ناقل الخبر وتضلعه في استشراف خلفيات الخبر وتداعيات الحدث، لكن هذا الاستشراف ليس حكرا على المحترفين بل هو حق ينتزعه العموم لإبداء رأيهم في خبر ما في الخفاء وفي العلن في المقاهي وفي الملاهي وغيرها من فضاءات ومنتديات الخبر والإخبار..
التعليق الحر قد يتحول إلى "تعليق عملية نشر خبر" إلى حين التأكد من صحته، وحتى محاورة الأطراف المعنية بالخبر، تأسيسا لمبدأي الرأي والرأي الآخر وحق الرد، قد تتعذر في غالب الأحايين، لأن القانون يضمن للطرفين حق الرد وحق المتابعة القانونية لناقل خبر يسيء، قذفا أ سبا أو اتهاما بصفات وأفعال غير صحيحة أو صعبة الإثبات في غياب الحجج التي من شأنها ملأ العين التي لا يملأها سوى التراب. لكن لا يفرض القانون انتزاعا "إجباريا" على يد صحفي لتصريحات من أطراف مُتنازعة باعتبارها موضوع خبر سيتناوله، فقط يتاحُ في جلسات التحقيق داخل مكاتب الشرطة والدرك وأمام القاضي فرض هذا الأمر، بدعوى تجنب إلصاق التهم غير المبنية على أساس صحيح، ويمكن أن يمتنع المعني عن التصريح، أو يطلب حضور المحامي لمآزرته منذ أول فصول الاستنطاق أو يختار بدلا عن كل ذلك، إضرابا عن الطعام وإضرابا عن تناول "الكسكس" في كل جمعة بعيدا عن دفء العائلة...
"الخبز" مقدس لأنه يقي أغلب الناس من مد اليد للآخرين. والتعليق حر، لكنه قد يلبس ثوب التعليق المُرتبط بالمنع كتعليق المطالب والمكاسب.