الاثنين 25 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

مصطفى المنوزي: تضامنا مع فاضحي الفساد أناشد نزاهة القضاء وعقلانية التعبير

مصطفى المنوزي: تضامنا مع فاضحي الفساد أناشد نزاهة القضاء وعقلانية التعبير

صحيح أنه ينبغي احترام القانون والمساطر، فهما المرجع وأساس التظلم والاحتجاج والمحاسبة، لأن الاختصاص في ذلك ليس بأيدي سوى السلطات المختصة.. وأكيد أن الادعاءات مشروط قبولها بالإثبات، لكن من جانب الساهرين على إنفاذ القانون، ينبغي تطبيقه دون التعسف في استعماله.. فالتطبيق السيء لا ينتج سوى الفظائع.. وما ينطبق على التعسف في استعمال القانون يسري أيضا على التعسف في استعمال الحق والشطط في استعمال السلطة.

فجنح الوشاية الكاذبة وتحقير مقررات قضائية وإهانة موظف أثناء مزاولته لمهامه وممارسة العصيان، وكذا تبخيس قرارات السلطة العمومية والتحريض ضدها، كلها وسائل وتدابير وقائية وبيداغوجية، عادة ما تثار في حالة تراكمها وصيرورتها سلوكا عموميا وتقتضي المصلحة العامة «ردعها» لفرض النظام واحترام القانون والمؤسسات. غير أن هذه الأدوات والإجراءات المؤسساتية والقانونية، والتي تدخل ضمن مقتضيات استعمال القوة العمومية المفوضة للسلطة العامة من قبل المحكومين أنفسهم، لا يعقل اللجوء إلي استعمالها سوى إذا كانت الوقائع موضوع الاتهام وذات العلاقة مشمولة بسوء القصد وبنية الإضرار، كقصد جنائي خاص..

فكيف يمكن أن تصور قضاة يتأثرون بمقال أو إشارة، في زمن بلغ فيه الوعي بالاستقلال وحس النزاهة والاستقامة؟ وكيف نصدق أن فردا سوف يحرض جماعات ضمن مؤسسة عسكرية ينظمها القانون، والأمثلة كثيرة في هذا الصدد؟ وبالأحرى، كيف نتصور مواطنا يعيب منشآت عمومية لم تنجز على أحسن وجه ووفق ما تم الالتزام به، ونتصور معه، كما في نازلة آسفي، مواطنا يهين موظفا عموميا، وهو لا يزاول مهامه، أو على الأقل يزعم أنه انتهي من مزاولة مهامه بعد تزفيت الطريق؟

وبنفس القدر، لا يمكننا أن نتعسف في التعليق والاحتجاج حتى، على متابعة ذلك الشاب، بعلة «تفاهة» التهمة والمفارقة الفاضحة التي لازمت العملية. فحق التقاضي مضمون لكل مواطن ومؤسسة، لكن شريطة إعمال واحترام قرينة البراءة كأصل في التصرفات والمعاملات.. ألا يكفي توجيه المتابعة ومحاكمة المعني بالأمر في حالة سراح؟ وبغض النظر عن الدور السلبي لبعض الإعلام، فالضغط النفسي يخرج القضية من سياقها العادي وحجمها الحقيقي، وينساق الرأي العام مع الحقيقة السوسيولوجية، بدل الحقيقة القضائية.. وبغض النظر أيضا عن عدم استكمال دورة «الإصلاح المؤسساتي والتشريعي» لتكريس مزيد من النزاهة والاستقلالية والإنصاف، فإنه لا نملك أي حق في استيفاء الحقوق خارج الشرعية والمساطر المتطلبة قانونا، خاصة في ظل تنامي نزعة فوضوية، لا تعترف بالقانون والضوابط والمؤسسات، وتدرج ردود الفعل العفوية والاعتباطية ضمن «حرية التعبير». والحال أنه ما نجحت أوطان وشعوب في إحلال منطق «الفوضى الخلاقة» محل ضوابط الامتثال للقانون كتعاقد بين الدولة ومواطنيها.. فكل تسرع يعتبر مغامرة، لا تقدر حق التراكم المطلوب، وكل تراخ وتباطء في لإقدام ، يعد انتظارية.

وإذا كان التاريخ الجدلي قد فضح انتهازية النزعتين معا، حيث الأولى يسارية والثانية يمينية، فإن الفوضوية كنزعة تتماثل للعافية ويحاول الفاشيون والمحافظون إنعاشها وتصديرها نحو الشعوب النامية، باسم الديموقراطية وحرية الملكية والتعبير، بغية إجهاض كل إرادات الإصلاح، الذي يعتبر أصعب وأفضل، في نفس الوقت، من الانقلاب والثورة نفسها.

فلنحذر جميعا من الانفلات القيمي عوض الانسياق مع الانفلات الأمني، ما دمنا نؤمن بدولة القانون والمؤسسات، دولة قوية بدل مخيفة، ودولة آمنة عوض دولة أمنية.. وكما غنى جاك بريل العظيم الحكمة "كل شيء قد يجوز، لكن المهم هو الطريقة".