إن ظاهرة الزلزال، ظلت ولزمن طويل، لغزا محيرا للإنسان، فلم يجد أمامه إلا التفاسير الخرافية ليحاول فهمها في ظل غياب أي تفسير علمي لها إلى أن تم طرح وقبول نظرية تكتونية الصفائح مع بداية منتصف القرن العشرين. وتنص هذه النظرية على أن القشرة الأرضية مجزأة إلى صفائح صخرية عديدة وذات أحجام مختلفة، وهي تتحرك باستمرار وبسرعة بطيئة منذ ملايين من السنين، نتيجة الصعود المتواصل للصهارة من باطن الأرض على مستوى الذروات الوسط محيطية، هذه الأخيرة عبارة عن سلاسل جبلية بركانية تمتد بشكل محوري وسط المحيطات. وتكون حدود صفائح القشرة الأرضية إما على شكل مناطق اصطدام بين صفيحتين، كحالة الصفيحة الإفريقية والأوروأسيوية (حالة شمال المغرب وجنوب إسبانيا) أو على مناطق طمر حيث تنغرز صفيحة تحت أخرى (حالة صفيحة نازكا التي تطمر تحت صفيحة أمريكا الجنوبية) أو على شكل ذروات وسط محيطية. وبما أن هذه الحدود تكون جد متصدعة وتراكم الضغط الناتج عن حركية الصفائح فإنها تكون، بطبيعة الحال، نشيطة زلزاليا.
ونظرا لكون شمال المغرب يتواجد على حدود الاصطدام بين صفيحتين، الإفريقية والأورو أسيوية، فذلك يؤدي إلى تراكم ضغط (طاقة) يتحرر، عندما يصل إلى درجة ما، عبر الفوالق (انكسارات في القشر الأرضية) الموجودة بالمنطقة التي قد تتحرك إما أفقيا أو عموديا مولدة موجات زلزالية تنتشر بسرعة في الطبقات الصخرية.
ومن الطبيعي أن تلي الهزة الرئيسية هزات ارتدادية عديدة، فعندما تتحرك كتلتان صخريتان ضخمتين على مستوى فالق نتيجة تحرير الضغط المتراكم، تتحرر كمية من الطاقة على شكل موجات زلزالية وكمية أخرى من هذه الطاقة " تشحن" في الفوالق القريبة من موقع الهزة الرئيسية، مما يعجل من يسرع في تحركها هي الأخرى مولدة هزات ارتدادية تكون في الغالب أقل شدة من الهزة الرئيسية. مع مرور الأيام والأسابيع تقل قوتها ووتيرة ترددها إلى تستقر المنطقة. ويتمكن العلماء حاليا منتقدير عددها وقوتها بالاعتماد على الدراسات الإحصائية. فمثلا إذا عرفت منطقة ما هزة زلزالية رئيسية شدتها M على سلم ريشتر، ستليها، حسب هذه التقديرات، هزة واحدة بقوةM- 1 وعشر هزات بقوة M-2 ومئة هزة بقوة M-3 .......إلخ
ويأتي الزلزال الذي عرفه كل الريف الأوسط والشرقي يوم 25 يناير على الساعة 04س و 22 د في هذا الإطار التكتوني الذي فسرناه سابقا، و ذلك نتيجة تحرير كمية من الضغط على مستوى فوالق تتموقع في عرض بحر البرهان، على بعد 54 كلم شمال شرق مدينة الحسيمة و على عمق 10 كلم الذي وصلت شدة هزته الرئيسية درجة 6.3 على سلم ريشتر، وذلك حسب ما ذكرته معاهد رصد الزلازل: المعهد الوطني للجيوفيزياء المغربي، المعهد الجغرافي الاسباني و المعهد الأمريكي للمسح الجيولوجي).
لم يولد هذا الزلزال موجة بحرية ((Tsunami لأن حركة الفالق الذي تململ كانت حركة أفقية وليست عمودية، كما أنه لم يسبب أضرار ملموسة لأن بِرة الزلزال كانت بعيدة نسبيا عكس الزلزال الذي ضرب المنطقة سنة 2004.
من الطبيعي أن يولد الزلزال حالة من الخوف والفزع لدى المواطنين، خاصة ساكنة إقليم الحسيمة التي مرت بتجربة زلزال 2004 بكل مآسيه. وتختلف درجة هذا الخوف والفزع من شخص إلى آخر، وذلك حسب تجاربه مع هذه الظاهرة. فالشخص الذي فقد أحد أفراد عائلته أو صديق له أو أنتزع من بين الأنقاض خلال زلزال 2004 سيعاني أكثر من غيرة، كما أن التمثلات الخاطئة حول هذه الظاهرة الطبيعية قد يكون لها تأثيرا جد سلبي، كما أن عدم الثقة الذي يبديها المواطنون تجاه قدرة الدولة على التعامل مع هذه الوضعية يزيد من التوجس والخوف، خاصة عندما يقارنون مع ما قامت به السلطات والإعلام بمدينة مليلية وما عاينوه عندنا.
وما انتشار الشائعات وتنظيم بعض الاحتجاجات في مديني إمزورن وبني بوعياش، بالنسبة لي على الأقل، إلا نتاج لتأخر المواكبة الإعلامية للزلزال وعدم وثوق المواطنين في جدية تعامل الدولة مع الكوارث الطبيعية.
لا يمكننا إبطال النشاط الزلزالي في منطقة معينة، كما لا يمكننا التنبؤ بتوقيت ومكان حدوث زلزال ما، لذا يبقى التأهل للتعامل مع هذه الظاهرة الطبيعية هو الحل وذلك عبر إنجاز استراتيجية متكاملة للتعامل مع الكوارث، تترجم على شكل خطط عمل واضحة يشارك فيها الكل. فيبدو أننا لم نتعلم الكثير من زلزال 2004، لأن مقاومة الزلازل هو عمل قبلي يؤهل الكل للخروج بأقل الأضرار بعد زلزال قوي، وليس عملا بعديا يقتصر على الإسعاف والإيواء. إن أول درس يقدم في مجال الإسعافات الأولية داخل المدارس مثلا، هو إزالة المهددات داخل المؤسسة: حفر، أسلاك كهربائية في متناول التلاميذ، حماية حافة في الساحة بسياج. فنفس الشيء ينطبق على الزلازل.