السبت 23 نوفمبر 2024
في الصميم

المغرب ليس «بركاصة» لنفايات آسيا المهربة!

المغرب ليس «بركاصة» لنفايات آسيا المهربة!

لم يجف بعد المداد الذي كتبنا به صيحة الوزير والأستاذ الجامعي محمد برادة الذي انتقد غياب رؤية واضحة لحماية الصناعة الوطنية من غزو البضائع الأجنبية للمغرب، حتى بدأت تتقاطر الأنباء بخصوص «تسونامي» رهيب يضرب الاقتصاد، انطلاقا من جنوب المملكة الذي تحول إلى «ممر آمن» لتهريب الملابس والأثواب لإغراق السوق المحلية بسلع تفتقد للمعايير الصحية ومقاييس الجودة، فضلا عن حرمان الخزينة العامة من أموال باهظة الناجمة عن انفلاتها من المراقبة الجمركية.

فبعد أن كان المستثمرون المغاربة في قطاع النسيج يتحملون على مضض، تبعات التهريب من سبتة ومليلية، هاهم الآن أضحوا مهددين في استثماراتهم وفي مصانعهم، بالنظر إلى أن حجم التهريب القادم من موريتانيا يتجاوز أضعاف الأضعاف ما يتم تهريبه من سبتة ومليلية المحتلتين، بالنظر إلى أن الممر الجنوبي للمملكة يشهد إدخال آلاف الأطنان من السلع في شاحنات بينما في الشمال يتم التهريب عبر أفراد حمالة (سبتة) أو سيارات صغيرة الحجم (مليلية)!!

الخطير في الأمر، أن المواد الخام الخاصة بالأثواب وبالملابس المهربة من دول آسيا بالأساس يتراوح ثمنها بين 7.5 درهم و16درهما للكيلو، علما أن أثمنة المواد الأولية لوحدها تفوق بكثير هذه الأرقام. فحسب رأي مختصين استأنست «الوطن الآن» برأيهم، نجد أن مواد مثل القطن وشعيرات البولستير والفبران والأكليرك (وهي مواد أساسية في صناعة النسيج) يتراوح ثمنها بين 14 درهم و26 درهما للكيلو الواحد. أما الملابس الجاهزة المهربة فتباع بـ 60 درهما للكيلو الواحد ومصنوعة من مواد لا تراعي أي دفتر تحملات ولا تراعي أي معايير الصحة والجودة. وهذا هو مربط الفرس، لأنه يبرز لنا الثراء الفاحش الذي يرفل في نعيمه المهربون!

فالمهرب يحتاج فقط إلى ثلاثة أو أربعة أفراد لحراسة «الهانغارات» (الموجودة غالبا بضواحي البيضاء)، وإلى هاتف خلوي للتواصل مع المزودين بالخارج، وإلى «ممر محروس» تجتازه السلعة المهربة من الجنوب إلى الدار البيضاء. أما مصانع النسيج الموجودة بالمغرب فلتذهب هي ومالكوها وعمالها والأسر العديدة التي تقتات منها إلى الجحيم.

إن هؤلاء المستوردين والمهربين الذين لا يهمهم إلا الربح السريع يعجلون بدق آخر مسمار في نعش الصناعة الوطنية ويهددون الاقتصاد المغربي بالسكتة القلبية، علما أن الأموال الباهظة التي يروجونها في استيراد وتهريب الأثواب والملابس من آسيا كافية لبناء وحدات ومعامل عديدة توظف الآلاف من اليد العاملة العاطلة. لكن الجشع والرغبة في الثراء الفاحش والآني أعمى بصيرتهم، لدرجة أن الرأي العام لم يستفق بعد من صدمة القبض على شخصين حاولا تهريب حوالي 5 مليار سنتيم (بالعملة الصعبة) منذ بضعة أيام عبر مطار محمد الخامس.

فتهريب السلع وتهريب العملة هما لازمتان مضرتان، لأن المستورد للسلع المهربة يتواطأ مع زبونه في تركيا أو الصين أو بنغلاديش أو غيرها ليسلمه المال نقدا وبالعملة الصعبة على أساس أن يتوصل بفاتورة «مدرحة» (sous facturation) للتهرب من الضرائب بالمغرب أو التصريح بسلع لا تتطابق مع السلع المستوردة كي لا يسدد للجمارك مستحقات أكبر. وبدل أن يتم الحرص على تعزيز وتقوية الروافد الصناعية للمغرب للإكثار من الإنتاج وتقليص الواردات، يتم تحويل شعب بكامله إلى شعب مستهلك لما ينتج في تركيا أو الصين.

فلا خير في أمة تأكل مما لا تزرع وتلبس مما لا تنسج وتشرب مما لا تعصر!!