الاثنين 25 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

بلال الصبّاح:تطرف حماس وفاشية السعودية ..!

بلال الصبّاح:تطرف حماس وفاشية السعودية ..!

وقف الرئيس الجنوب إفريقي (جاكوب زوما) أمام برلمان بلاده مدافعاً بشدة عن قرار الحزب الوطني الحاكم في إستضافة حركة حماس الفلسطينية، ومن أهم تصريحاته أن حركة حماس تقبل تعايش الفلسطينيين إلى جنب الإسرائيليين، وأن الكل يقبل بوجود إسرائيل، ولم يعد أحد من العرب ينادي بإزالة إسرائيل. كما قال الرئيس زوما عبارته (بأن الكثير يعتقد أن حماس متطرفة؛ وأنا أقول أيضاً إسرائيل متطرفة)، ولأكون صريحاً بعض الشيء؛ فإنه ليس من السهل الوصول إلى مفهوم التطرف عند الرئيس زوما، ولكن يُمكن قياس ذلك عبر بعض الدلالات الإعلامية التي قد توضح لنا مفهوم التطرف بشكل عام في منظومة جنوب إفريقيا.

ما زال الإعلام الجنوب إفريقي يتمتع بقوته، مؤثراً على ساحة صناعة القرار السياسي والإقتصادي في جنوب إفريقيا، وعلى الرغم من إنتقال السلطة من البيض إلى السود في جنوب إفريقيا، إلا أن الإعلام ما زال يخضع لسيطرة البيض، بل وما زال متأثراً بما يحدث على الساحتين الإعلامية والسياسية في بريطانيا وثقافة الغرب. وما هو جدير بذكره أن الإعلام المحلي أخذ يتفوق بقوته على برلمان جنوب إفريقيا، وخاصة في عمليات كشف الحقائق والتحقيقات الإدارية والسياسية. وحول النموذج الإعلامي المُقترح لفهم مصطلح التطرف في المجتمع الجنوب إفريقي، وبعد البحث وجدت مقالين ذوو علاقة بمفهوم التطرف للكاتب "أليستر سباركس"، وهو صحفي جنوب إفريقي وقامة إعلامية في البلاد، حيث تقلد العديد من المناصب الإعلامية في جنوب إفريقيا، بالإضافة إلى تواصله مع بعض وسائل الإعلام في أوروبا، كما أن الكاتب "سباركس" ينحدر من أصول بريطانية. والمقال الأول للكاتب "سباركس" منشور في (نوفمبر/2015) حيث اقترح إستبدال دول الناتو حربها مع داعش إلى فرض رقابة مالية على الدولة السعودية من خلال حصار سياسي ودبلوماسي لإجبار (آل سعود) على تنظيف العالم من (الأعشاش السلفية الفاشية)، والتي انتشرت بأموالهم عبر المدارس الوهابية للإسلام الأصولي السني، على حد قوله.

وحسب تصور الكاتب للسلفية السعودية؛ بأنها سبب التوتر الحقيقي من الشرق الأوسط إلى المغرب العربي، ومن أفغانستان إلى باكستان إلى الفلبين، وكذلك نيجيريا ومالي والصومال، حسب ما ذُكر نصاً في المقال.

أما المقال الثاني للكاتب "سباركس" منشور في (غشت/2014)، وقد تحدث فيه عن الأزمة في قطاع غزة وحل الدولتين، ويرى أن السبب الحقيقي وراء الأزمة بين الفلسطينين والإسرائيليين هو رفض الإتحاد الاوروبي وأمريكا التفاوض بشكل مُباشر مع حركة حماس، وما زاد الأزمة تعقيداً هو عدم الإعتراف الأمريكي بحكومة إسماعيل هنية المُنتخبة ديموقراطياً في قطاع غزة، ثم الإطاحة بالرئيس محمد مرسي المُنتخب، وتولي الرئيس السيسي رئاسة مصر، والذي وصفه بـ"الديكتاتور". كما أن الكاتب وصف حركة حماس بــ"المتشددة"، واعتبر وجود الآلية العسكرية الإسرائيلية مقابل قطاع غزة هو السبب الرئيسي وراء تشدد حركة حماس، واستند الكاتب على تصريحات موسى أبو مرزوق بأن حركة حماس تنتظر إنسحاب القوات الإسرائيلية من حول قطاع غزة لبدء مرحلة التفاوض بعد وقف القتال.

وعلى الرغم من الإختلاف الواضح في تناول الكاتب بين الدور السعودي في المنطقة العربية ودور حماس في قطاع غزة، فقد وصف الكاتب الدولة السعودية بـ"السلفية الفاشية"، بيما اكتفى بكلمة "التشدد" بوصفه لحركة حماس، فهل يُعقل أن تكون الدولة السعودية المُنضبطة بالقوانين الدولية ذات نزعة فاشية، بينما حماس التي تضرب إسرائيل (محطة الأمن القومي العالمي في الشرق الأوسط) متشددة فقط. لسنا بحاجة إلى البحث عن مصادر المعلومات الواردة في المقالين لما فيه مضيعة للوقت، كما أن المقالين فيهما من الوضوح والصراحة دون الخوض في مُعتقداته الفكرية تجاه الإسلام السُني والدور السعودي، وما نريده هو فقط الوصول إلى البُعد الحقيقي القائم عليه مفهوم التطرف عند الكاتب، لتأثير هذا النوع من المقالات على صُناع القرار في جنوب إفريقيا. فالفرق بين الفاشية السعودية والتشدد الحمساوي، والذي أفسره حسب ما اتضح في وجهة نظر الكاتب يعود إلى أن تحركات حماس العسكرية جاءت من أجل غاية مؤقتة وقائمة على مشروع سياسي في قطاع غزة فقط، وليس له إمتداد خارجي، وهو مشروع على نهج ديموقراطي وتعددي. بينما نظرة الكاتب "سباركس" للسلفية السعودية بأنها ما زالت قائمة على أصولها ومراجعها التاريخية، دون أن تتطور أو تندمج بالأنظمة الحديثة والمُعاصرة لواقع المناهج الديموقراطية والتعددية. كما أن السعودية مشروعها السياسي كبير وضخم، وإمتداده يجول في الشرق الأوسط العربي، وله توسعات على المستوى العالمي، وربما تخوف الكاتب من سهولة المرور السلفي الأصولي عبر المشروع السعودي في المنطقة والعالم. إذاً الكاتب يتحدث عن خطورة العقيدة السلفية المُنطلقة من السعودية إلى العالم، وأن هذه السلفية لو دخلت في معاهدة سلام مع إسرائيل سوف تبقى رافضة لليهودية كعقيدة، بينما يُحذر العالم من خطورة عدم إعترافه بديموقراطية وتعددية حماس، حيث اعتبر الكاتب المنهج السياسي لحركة حماس غير مؤسس على عداء مع العقيدة اليهودية.

وبالمُقارنة بين المقالين وجدنا قدراً فيه من الكفاية للوصول إلى عدة جوانب هامة وذات فائدة، ففي الجانب الأول علمنا مدى تأثير الإعلام الجنوب إفريقي على جنوب إفريقيا ككل، والذي نراه إمتداداً لمنظومة الإعلام الغربي، وفي الجانب الثاني وصلنا إلى نمط تفكير كاتب جنوب إفريقي في مفهومه للتطرف والفاشية. وفي خلاصة القول؛ وللتقريب بين الدلالة الإعلامية المُستخدمة في المقال مع وصف الرئيس زوما بأن التطرف موجود عند كل من حماس وإسرائيل، حيث دعا الرئيس في نهاية كلمته أمام برلمان بلاده إلى رعاية الحوار بين إسرائيل وحماس، واعتبره الحل الأمثل والأفضل، والرئيس زوما لم يجرؤ على توضيح آلية عمل حزبه للتوفيق بين الطرفين المُتخاصمين إلا بعد قبول ضمني من إسرائيل وحماس بقبول الحوار على الطاولة الجنوب إفريقية. بذلك وعلى الأغلب؛ بأن مفهوم التطرف عند الكاتب الجنوب إفريقي "أليستر سباركس" ليس بعيداً عن مفهوم رئيس جنوب إفريقيا جاكوب زوما، أي أن إسرائيل مُتطرفة من أجل أمنها القومي وضمن حدودها السياسية فقط، وكذلك حماس مُتطرفة ضمن أمنها القومي وضمن حدودها السياسية فقط (قطاع غزة)، وبمعنى آخر أن إسرائيل وحركة حماس منحصرتين ضمن فلك المجتمع الدولي ومنظومته القانونية، بينما السلفية السعودية مستقلة بذاتها حاملة أفكارها على مر الزمان والمكان ضمن قواعدها وأصولها التاريخية. وكما أشار الكاتب بأن الإعتراف العالمي بحركة حماس هو بداية نهاية التطرف عند حماس وإسرائيل، وذلك لإعتقاد الكاتب بأن قيادات حماس هي الأقرب لرؤية ومنهج الرئيس الأسبق مانديلا، وهذا ما تعمل له جنوب إفريقيا في ضم حركة حماس لليسارية العالمية إنطلاقاً من منهج مانديلا دعماً لتحالف بريكس وطموحات روسيا وجنوب إفريقيا في الشرق الأوسط العربي والقارة الإفريقية.