رغم أن مساحة المغرب تصل إلى حوالي 800 ألف كلم مربع، فإن شساعة هذه المساحة لا تتميز إلا بالظلام الدامس، اللهم وجود ضوء يشع في 83 «بولة». وهو عدد العمالات والأقاليم، التي تعرف اشتغال حزب واحد، ألا وهو حزب العدالة والتنمية بمنطق مؤسساتي حزبي. فكل فروع حزب المصباح في 83 عمالة وإقليم مفتوحة وتشتغل على مدار اليوم وخلال الولاية الجماعية والتشريعية كاملة عبر التواصل مع المناضلين وتقديم دروس الدعم في اللغات للطلبة ومساعدة الفقراء والمحتاجين واحتضان هموم سكان الحي والدرب الذي يوجد فيه الفرع الحزبي وتجسير العلاقة مع الأذرع النقابية والجمعوية والنسائية. حتى إذا حلت ساعة الحساب يكافأ حزب العدالة والتنمية على مجهوده المبذول خلال سنوات. بالنظر إلى أن اللحظة الانتخابية (يوم الاقتراع) ما هي في الحقيقة سوى تحصيل حاصل، أي مكافأة المواطن للحزب الذي يغرس اقدامه في أوحال المجتمع. وهذا ما يفسر كيف أن حزب العدالة والتنمية لم يضطر إلى استعمال المال الحرام أو رشوة الناخبين بالقرقوبي أو «الروج» أو فلوس المخدرات لاستمالة الأصوات. إن الخطأ الذي سقطت فيه بعض التحليلات التي فسرت النتائج الجيدة لحزب العدالة والتنمية في اقتراع 4 شتنبر بقوة هذا الحزب، تبقى تحليلات مجانبة للصواب في تقديري. فحزب بنكيران حافظ على كتلته الناخبة خلال 4 سنوات من التدبير الحكومي بتواصله الدائم الذي أشرت إليه. ولم يتمكن من إحداث طفرة واضحة في السلوك الانتخابي العام. ففي عام 2011 حصل «البيجدي» على مليون و250 ألف صوت، بينما في انتخابات 2015 حصل على مليون ونصف المليون صوت تقريبا، أي بزيادة قدرها 250 ألف صوت فقط، بمعدل 62500 صوت إضافي كل عام، بمعنى أنه رغم المجهود الهائل الذي بذله «البيجدي» فإنه لم يتمكن من تجنيد سوى 171 صوتا إضافيا في اليوم الواحد. وبالتالي فالنتائج الجيدة لا تفسر بقوة حزب المصباح، بل بضعف الأحزاب الآخرى. وهذا هو بيت القصيد، فحزب المصباح وفي لشرط وجود الأحزاب، ألا وهو الاشتغال اليومي ثم الاشتغال.. ثم الاشتغال. في حين اكتفت الأحزاب الأخرى بالاعتكاف بالصالونات أوالحانات أوالفنادق الفخمة تزدرد «الكافيار» وتشرب الأنخاب موهمة نفسها بأن «الشعب معاها»، والحال أن الشعب «عايق بها». لأنه يرى أن معظم تلك الأحزاب مسلوبة القرار وليست سيدة نفسها، وتملى عليها الخيارات من خارج البنيات الحزبية من طرف أشخاص مطعون في ذمتهم أو من طرف لوبيات ومافيات. إذ رغم وجود 35 حزبا مسجلا رسميا لدى وزارة الداخلية، فمن الناحية العملية لا يوجد سوى حزب واحد يحتكم لبنيته الداخلية، ألا وهو حزب المصباح: لا ينتظر تعليمات من زعيم حزب آخر ليملي عليه ما يفعله ولا ينتظر مباركة «برانية» ليقول له من يتعين منحه حقيبة وزارية أو جماعية. فهناك مساطر داخلية ارتضاها البيجيديون ويحتكمون إليها مثل كل الأحزاب التي تحترم نفسها في أوربا. لا ينبغي أن يفهم من كلامي أن حزب المصباح هو حزب الملائكة أو الحزب الأكثر تأهيلا لتحسين جودة عيش المغاربة ورفع الناتج الداخلي الخام للمملكة (فموقفنا واضح بخصوص تقييم السياسة العمومية للحزب الحاكم)، ولكن علينا الإقرار بالواقع: إن حزب المصباح (شئنا أم أبينا) حي ودينامي، والأحزاب الأخرى كلها أحزاب إما تفترس بعضها أو أحزاب ميتة وينبغي أن ندفنها تحت التراب، ونسكب على قبرها أطنانا من «والماس» حتى يخرج «الدود» من القبر من أجل أن «يتكَرع» ثم يعود للقبر لينهشها من جديد. إن انتخابات 2016 البرلمانية على الأبواب، وبدل أن يتم استخلاص الدروس، ها هو الرأي العام يصعق من الأخبار المسربة والمتداولة بين «نخبة الكافيار» بشأن عطلة العيد وأين سيمضون راس السنة الميلادية، وفي أي دولة سيقومون بالشوبينغ في عطلة الربيع. ولما ستأتي محطة اقتراع برلمان 2016، سيتم البحث مرة أخرى عن مشجب العدالة والتنمية ليعلقوا عليه إخفاقاتهم وأعطابهم وفشلهم وإسقاطاتهم الكارثية. إن استشهاد عبد الإله بنكيران بقصة «الصرار والنملة»، إشارة ذكية تستحضر نبل العمل الحزبي. لكن يظهر لنا في «الوطن الآن» أن صيحة بنكيران تشبه ضربة طبال في أذن أصم!!
في الصميم