الأحد 24 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

المريزق المصطفى: برهان عسل الحبيب وسمية

المريزق المصطفى: برهان عسل الحبيب وسمية

شهد المسرح الوزاري المغربي قي الآونة الأخيرة، قصة أبواق كانت تصدح تحية للأخلاق والإرشاد والوعظ، وانتهت وهي تنزل على سلالمها كمثل الأطفال.

وبما أن الصحافة أصبحت لاعبا أساسيا في عملية الحكم خاصة في السنوات الأخيرة، ونظرا لكونها تحولت في العديد من القضايا السياسية الداخلية والخارجية إلى لعبة السلطة الجديدة التي يصفها البعض ب "الوسطية" والبعض الآخر ب "ديمقراطية الاتصالات"، فإن مربع حكومتنا لم ينجح في استعمال الجيل الجديد من التكنولوجيا وأطباق الاستقبال العالية والأرضية لحجب آثارها وكل ما هو خاص أو خصوصي في حكومته، وتحديد ما يجب تصنيفه كأمر "خصوصي" يجب أن يكون هناك "كشف عام" لما يدور حوله من حقائق، وما يجب أن نعتبره أمور "خاصة" وليست عامة.

كما أن شدة "السرية" المتعود عليها في تنظيم رئيس الحكومة، لم تصمد أمام حساسيات حياة  وسلوكات بعض الوزراء مثل  ما حصل لـ "الثنائي الوزاري الحبيب وسمية". فحتى أدق الأسرار عن حياة هذا الثنائي أصبح موضوع الخاص والعام في جميع أرجاء الوطن وخارجه، بل وحتى داخل ساحات المدارس والثانويات والجامعات، وفي الأسواق و قرى المغرب العميق.

هذا النموذج طبعا هو مبسط بشكل كبير، ولم نكن ربما في حاجة للكتابة عنه أو لاستعماله كمادة إعلامية أو سياسية لولا أن الثنائي (الحبيب وسمية) وزراء في حكومة جاءت في إطار خصوصية دولية وقطرية ووطنية محددة أولا، ولولا هذه الحكومة تنسب لها الدين والأخلاق والتخليق كمرجعية لها ثانيا، ولولا أن الحزب الحاكم وعد المغاربة بتطبيق برنامجه الانتخابي إذا ما طار على بساط الريح إلى سدة الحكم، ثم لكون واقعة "الحبيب وسمية" كانت وراء تعديل حكومي رسمي سيسجل في سجل تاريخ المغرب، وسيدرسه طلبة كلية القانون في المدرجات، وسيكون موضوع بحوث طلبة السوسيولوجيا السياسية والأنثربولوجيا وغيرها من فروع العلوم الاجتماعية.

ورغم الإحراج الديني والسياسي للسيد رئيس الحكومة، ورغم الآثار الجسيمة والمخلفات المادية والنفسية على الثنائي الحبيب وسمية، لم يتقدم أي أحد من المغاربة أمام  المحكمة للدفاع عن الحق في "الحب والعلاقات الجنسية" واعتبار كل المعلومات المتعلقة بالموضوع شيئا خصوصيا، لا يهمنا في شيء.

لكن العكس هو الذي حصل. فلماذا صمت الجميع؟ ولماذا ترك للصحافة أن تحكم بنفسها على ما هو جدير بالنشر حول الموضوع؟

إن سوق الإعلام ليس من المحتمل أن يحافظ على سرية الأشخاص الخصوصيين، لأن وسائل الإعلام المتعددة تحاول بكل الطرق جذب انتباه الرأي العام. والدليل هو أن رغم ما  وصلت إليه "الظاهرة الصوتية"، التي يمتلكها رئيس الحكومة من درجة و قمة، لم تنفعه في شيء أمام إجماع المغاربة على أن ما حصل فيه جانب كبير من "شغل الدراري" وجانب آخر من غياب روح المسؤولية الوطنية  واحترام المؤسسات!

إن التحليل هنا يترك الانطباع على أن ما حصل هو طبعا بسبب الصحافة (وهو ما أكده رئيس الحكومة بنفسه)، وانتهاكا لخصوصية الشخصيات الخاصة. لكننا هنا لا نزاحم رجال القانون وتفسيراتهم القانونية، وتحديد الفصول المتعلقة بما هو جدير بالنشر. لأن ما يهم عموم المغاربة هو كيف لوزيرة ووزير "شاط" لهم الوقت للنضال من أجل التغلب على الفقر العاطفي وإشباع عطش الحنان والاستمتاع باللذة والبحث عن برهان العسل تحت قبة البرلمان وفي اجتماعات المجلس الحكومي وعلى هامش اللقاءات الوزارية الرسمية منها و الخاصة!؟

الأمر هنا لا يتعلق بتاتا بفصل أعضاء وزراء من الكل، وجعلهم أهدافا للهجوم، والمس بكرامتهم، وتجريدهم من إنسانيتهم، وتأنيب الآخرين ضدهم، بل يتعلق الأمر بموضوع  الحرية والعدالة والمساواة؛ هذا الموضوع المحترم جدا منذ القرن التاسع عشر، حظي باهتمام كبير من لدن فلاسفة السياسية الذين آمنوا بثقافة الأمم الأقوى (فلسفة ستيوارت ميل).

كما أن إثارة موضوع "الحب وبرهان العسل  في حكومة بن كيران" لا نهدف من ورائه سوى أن يكون ظلام هذه الفترة السياسية من عمرنا مضيئا، كما لا نريد منه سوى رفع الجور عن المغاربة المغرر بهم من طرف الحزب الحاكم، وعن النساء ضحايا  غياب المناصفة الحقيقية والابتزاز المادي والقانوني والأخلاقي، وعن الشباب ضحايا العقاب من جراء المطالبة بالحق في القبل، وعن الطلبة ضحايا تهم العلاقة العاطفية خارج القانون، إلخ.

ومع ذلك، لا ينبغي حشر كل هذه الحالات في مستوى واحد، لأن قصة الثنائي الحبيب وسمية قصتهما قصة مثيرة وسابقة في تاريخ المؤسسات الوزارية المغربية! خاصة وأن الحزب الحاكم  الذي ينتمي إليه الثنائي غيب لفترة طويلة رأي المعارضة والمجتمع المدني وملايين من المغاربة (الذين لم يصوتوا على أحد)، وأعطى لنفسه حق الإدعاء بالسلطة الدينية والأخلاقية لإخفاء حقيقة مصالح المغاربة والمجتمع والانفراد بالسلطة عكس رأي الإسلام في جوهره وحقيقته، حيث يقر بمدنية السلطة ويؤكد على شرعيتها من خلال الشورى بين أفراد الأمة والاختيار والإرشاد إلى ما هو أصلح  ووضع السلطة عند كل أفراد الأمة حيث لا تجتمع أمة على ضلال.

كان إذا على الثنائي  كوزراء وكنخب إسلاموية أن يمارسا ذكاءهما في الكد والاجتهاد حتى نفهم معا الآثار البليغة التي خلفتها مجتمعاتنا العربية الإسلامية التي تجاوزتها الثورات الثقافية والعلمية والسياسية العالمية، وحتى نفهم جميعا أسباب  التخلف وأسباب استمرارية التشبث بالعودة إلى الشريعة الإسلامية واستبدال القوانين الوضعية بقوانين دينية.

إن المسؤولية التي كان يتقلدها الحبيب الشوباني كوزير مكلف بالعلاقة مع البرلمان والمجتمع المدني، لم تكن مسؤولية رخيصة إلى هذا الحد. ولم تكن وزارته مثل باقي الوزارات، خاصة وأن العلاقة مع المجتمع المدني كانت تتطلب تفرغا بالليل والنهار بدل اختزال هذه العلاقة في حوار تشاوري ووضع مصيره في يد كمشة من ذوي... ( الله أعلم!).

نعم، من حق السيد الوزير السابق أن يطلب العلم من المهد إلى اللحد، ويطلبه ولو في الصين. لكن، هل من حقه اجتياز مباراة  ولوج سلك الماستر والتنافس على النفيس العلمي مع الطلبة الذين ليس لهم سوى أمل النجاح للبقاء داخل أسوار الحرم الجامعي هروبا من البرد القارس ومن حرارة الصيف وآلام البطالة "حتى يفرج الله"؟ ربما كان على الشوباني أن ينتظر نهاية فترة ولايته بعد سنة ليتفرغ للعلم والدراسة، لكي لا يسجل عليه استغلال النفوذ والدخول في معركة التباري غير المتكافئ.

إن قفزة الحبيب الشوباني النوعية من سلك التعليم الإعدادي والثانوي إلى سدة الوزارة، كانت تكليفا وليست تشريفا. وكان على السيد الشوباني أن يلعب دور المصلح مع المجتمع المدني في حكومة جاءت في ظرف استثنائي كما يشهد بذلك العالم، بدل البحث عن "الترقية العلمية" و"برهان العسل"!

نعم، وكما قلت سابقا، من حق الثنائي الحبيب وسمية أن يتمتعا بحبهما ويتذوقا برهان عسلهما ليل نهار على الأقل بعد انتهاء فترة "جنديتهما" في البرلمان والوزارة. كان عليهما الصبر قليلا (والصبر مفتاح الفرج!) للتفرغ إلى حقوقهما الطبيعية وحياتهما العاطفية، خاصة وأن السيدة سمية بنخلدون كانت لها هي الأّخرى مسؤولية وزارية في قطاع مهم جدا ويعتبر من القطاعات الأكثر تدهورا حسب التصنيف العالمي، حيث كان يتطلب منها تفرغا كاملا وجهدا استثنائيا وذكاء خارقا وقوة نووية لمتابعة قضايا التعليم العالي والبحث العلمي بدل الاهتمام بأحوالها الشخصية  التي لا تخصها إلا هي. لأن المغاربة لا يهمهم مغامراتها الغرامية ولا أنواع التقية كسلاح لسلطة ظالمة.

وإلى جانب كل هذا، كان على هذه النخبة العالمة للحزب الحاكم، أن تبذل جهدا مضاعفا لتقربنا من فهم مشروع "العدالة و التنمية" فيما يتعلق بالدعوة ودور التنظيمات الدينية المتعددة وصراعاتها حول النمط النبوي الخليفي وما كرسه عبر التاريخ من ممارسات قيادية مبنية على العصبية والفردية في أول الأمر، وعلى  انتظار الرجل العظيم فيما بعد، وعلى  دعوة التوحيد والإخاء بين المسلمين ثالثا، وغياب الضوابط المؤسسية رابعا؛ بدل السقوط في المراهقة العاطفية والسياسية المتأخرة.

واليوم، يبدو أن نخب الحزب الحاكم ما زالت لم تستوعب دورها الحقيقي في السلطة، ومازالت لا تفرق بين النضال من أجل محاربة الفقر العاطفي والبحث عن الحنان حبا في برهان العسل، والنضال من أجل محاربة الهشاشة والفقر والأمية والفساد والمفسدين.

إن النضال من أجل محاربة الفقر العاطفي ليس عيبا إذا كان ذلك من حتميات الانتقال إلى مجتمع الحريات الفردية وإرساء قوانين التعويض عن الفقر العاطفي وضمان الحب والحنان لجميع المغاربة حتى يتمتعوا جميعا بحلاوة العسل. وربما هذا جزء من المجتمع المنشود الذي ناضلت من أجله فئات واسعة من الشعب المغربي. المهم هو أن يعقد السيد رئيس الحكومة ندوة وطنية ويصرح بكل هذه المكتسبات للمغاربة، لكي نعممها على الجميع وندرسها للأجيال المقبلة في المدارس والجامعات والمعاهد العليا للحفاظ عليها و صيانتها من أي مكروه!

أما إذا كانت العناصر الأربعة  التي ما زالت هي التي تحرك دواليب الصراع بين التنظيمات الدينية، بحثا عن موطئ قدم في مجتمعنا بعدما فشلت في تكريس استمراريتها في العلاقات القيادية العربية المتسمة بالعلاقات القيادية المبنية على الصراعات اللامؤسساتية والمتميزة بالفردية والذاتية وانتظار الرجل العظيم كما حدث في مصر جمال عبد الناصر وتونس بورقيبة، أو حضور القائد الخليفي في تجربة حزب البعث العربي الاشتراكي، وغياب الرجل العظيم بالنسبة لحركة الإخوان المسلمين، أو الزعيم الفردي في تجربة الحزب السوري القومي الاجتماعي؛ فهذا يجعلنا نشكك في كل شيء ونرفع من وتيرة اجتهادنا لفهم ما يحاك ضد مجتمعنا من مؤامرة.

المغاربة لا ينتظرون اليوم من سيقدم لهم في السنوات القليلة القادمة "نقدت ذاتيا جديدا"، ومن سيكون له السبق في ذلك... لأن كل كتب النقد الذاتي محصنة في رفوف المكتبة الوطنية بالرباط وهي في حاجة لمن يقرأها ويعيد قراءتها.

فإذا كانت مسألة السلطة وعلاقتها بالدين مسألة قديمة قدم التاريخ (أي منذ ظهور السلطة كآلية لتسيير شؤون الأسرة والقبيلة والمدينة والدولة، والدولة الإمبراطورية والدولة الحديثة)، فإن تنوع الآراء والمصالح لدى الأفراد والجماعات هو الذي بات يشكل المجتمعات الحديثة. ويعتبر العمل الحزبي أداة ضرورية للنهوض بالحقل السياسي من خلال تنظيم أفراد متشابهين تقريبا في أوضاعهم الاجتماعية- الاقتصادية، وانتماءاتهم الدينية، وموقفهم من العالم ورؤيتهم له. ولأن جميع المجتمعات غير متجانسة، بدرجات مختلفة، فإن الأحزاب تضعهم (الأفراد) في مواجهة الذين يتميزون عنهم بالنظر للمعايير نفسها. ولهذا على كل الأحزاب التي تقدم مرشحيها لـ "تاوزارت" أن تطلب منهم الإدلاء بشهادة "الغناء العاطفي" لكي لا يكونوا مرضى ب "الفقر العاطفي"، هذا المرض الذي يعاني منه الملايين من الناس نتيجة انتشار العديد من الأوبئة الاجتماعية والنفسية المرتبطة بالتربية الجنسية وبالتحرر من الطابوهات وبالكبت والقمع الجنسي، وبالعزلة الجنسية والقوانين الردعية والسلطة البطريكية والتسلط الذكوري، وبالزواج التقليدي والحشمة والعار وبرامج التشييء النسوي  والنفاق الاجتماعي، إلخ.

أخيرا، ليس الهدف من هذا المقال البحث عن لجوء نظري أو التربص بأحد، أو ممارسة العنف اللغوي ضد أي كان، بل هو فقط محاولة لبسط رأينا ومواقفنا من ظهور وتطور بعض الظواهر الاجتماعية بغية المساهمة في إلقاء الأضواء عليها نظرا لكونها حظيت بالنصيب الأوفر من اهتمام الرأي العام المغربي والدولي.

المنتظم الدولي اليوم يرافع بكل قوة عن الأقليات في العالم ويطالب بحقوقهم وعلى رأسها التعددية الثقافية والحرية الفردية وما يتفرع عنهما، وهي حقوق باتت مؤثرة في مفهوم العدالة والحرية والمساواة.. كما انتهت العديد من المجتمعات إلى تجاوز الأنماط العتيقة التي لم تعد تتناسب مع ظروفها التاريخية والبشرية. ولهذا نقول على أننا مع النضال من أجل الحريات الفردية، كنضال مستمر في إطار الشرعية و المشروعية، وسنبقى ندافع عنها باستمرار إلى حين تحقيقها.

في المغرب، نتذكر جميعا سنة 1999، حينما غامرت كتابة الدولة المكلفة بالرعاية الاجتماعية والأسرة والطفولة ب "مشروع خطة العمل الوطنية لإدماج المرأة و التنمية" من أجل جعل موضوع المرأة مدخلا مهما إلى التنمية الاقتصادية والاجتماعية باعتبارها مكونا أساسيا لها وشرطا ضروريا لتحقيقها وأكدت على تحسين أحوالها وتطوير قدراتها وكفاءتها لتمكنها من الإسهام بفعالية في التنمية.

ورغم المنطلقات التي اعتمدتها الخطة الوطنية من مرجعية دينية ووطنية دولية، فإن تعزيز مكانة المرأة القانونية والسياسية لم يتم طرحه تحت إشراف العلامة الشيخ النفزاوي صاحب "الروض العاطر في نزهة الخاطر"، ولم يكن فيها أي استفزاز للمرأة المغربية بشكل خاص وللمجتمع المغربي بشكل عام، ولم تنص الخطة في أي ركن من أركانها على من يصطحب معه العريس للتقدم لخطبة عروسته. بل ربطت وضعيتها بقضية حقوق الإنسان بعدما كانت أكثر ارتباطا بالقضايا الاجتماعية. ولهذا كان من الضروري أن يساهم الثنائي الحبيب وسمية في مسيرة الضغط على الهيئات التشريعية والقضائية والإدارية والعمل على ترجمة الإجراءات القانونية التي تهدف إلى القضاء على كل أشكال التمييز ضد النساء ورفع العراقيل الكبرى التي تعترض طريق التنمية النسائية بدل التشجيع على دونية المرأة وعلى خنقها وسجنها في العبودية والأمية وفي الأدوار التقليدية، وجعلها قضية فقهية تتعلق بالأحوال الشخصية ضدا على البديل المرحلي الذي تجسده "مدونة الأسرة".