Thursday 2 October 2025
كتاب الرأي

يخلف: الاحتجاج للتعبير لا للتدمير.. والوطن خط أحمر لن نفرط فيه 

يخلف: الاحتجاج للتعبير لا للتدمير.. والوطن خط أحمر لن نفرط فيه  مصطفى يخلف، عضو جمعية عدالة ومحامٍ بهيئة أكادير
وأنا أتابع بحزن وأسف شديدين ما رافق العديد من الاحتجاجات التي شهدتها مدن مغربية مختلفة من أحداث عنف وتخريب ونهب واعتداء على الممتلكات العامة والخاصة، وكذا على القوات العمومية، وجدت نفسي، كمواطن غيور وفاعل جمعوي وحقوقي، أمام واجب وطني وأخلاقي يدفعني إلى رفع الصوت عاليًا:

"الوطن خط أحمر، وأمنه وسلامة مواطنيه وممتلكاته أمانة في أعناقنا جميعًا".

بلادنا تعيش لحظة دقيقة وفارقة، حيث تتزايد الأصوات المطالِبة بالعدالة الاجتماعية، وبالحق في التعليم والصحة والشغل والكرامة. وهي مطالب مشروعة، بل منصوص عليها في صلب الوثائق الحقوقية والدستورية. غير أن ما يُقلق اليوم هو أنّ هذه الاحتجاجات، في بعض المناطق، تخلّلتها أعمال شغب عنيفة واعتداءات همجية تمس صلب الدولة والمجتمع معًا، وتُهدد مسارنا الديمقراطي وأمننا المشترك.وهنا يبرز السؤال المؤرّق:

كيف نُحصّن شرعية المطالب من منزلقات العنف والفوضى؟ ولا بد أن نؤكد أنّ الاحتجاج إذا كان حقًا، فإن العنف جريمة.

لقد علمتنا تجارب الأمم، وراكمت ذاكرتنا الوطنية، أن الاحتجاج السلمي شكل ناضج من أشكال التعبير، لكنه يفقد معناه وقيمته حين يتحوّل إلى منصة للعنف، وتخريب المرافق العمومية، وحرق الممتلكات، والاعتداء على رجال الأمن، ونهب المحلات.الاحتجاج ليس ساحة حرب، ومن يطالب بالكرامة لا يرمي الحجارة.

ومن يريد مستشفى جيدًا لا يُحرق سيارة إسعاف، ولا يُخرّب مركز الدرك، أو مقر الجماعة، أو مرفق الحالة المدنية.

ما يُؤلم أكثر هو انسياق العديد من الشباب القاصرين وراء تلك السلوكيات التخريبية، ليجدوا أنفسهم في مواجهة القضاء، ومعرّضين لعقوبات جنائية قاسية، وسجلات عدلية قد تُطاردهم في حياتهم المدنية لسنوات، كل ذلك في لحظة غضب أو بسبب انسياق أعمى خلف محرضين.

وهنا أوجّه ندائي لكل الأسر:

راقبوا أبناءكم، تحدّثوا معهم، وامنحوهم بدائل للتعبير دون تدمير. فالعواقب القانونية لا ترحم. وليعلم الجميع أن كل اعتداء على الممتلكات العامة أو الخاصة يُشكّل جناية أو جنحة بحسب فصول القانون الجنائي المغربي، وأن المشاركة في الشغب أو التجمهر العنيف تُعرّض مرتكبيها للمساءلة الجنائية، فضلًا عن أنها تُسيء لصورة الحركات الاحتجاجية نفسها وتفقدها المصداقية الشعبية والمؤسساتية. 

من منّا لا يطالب بتعليم لائق؟

من منّا لا يريد مستشفى نظيفًا؟

من منّا لا يُعاني من الغلاء والبطالة والإهمال؟لكننا لن نحصل على هذه الحقوق عبر الفوضى، بل عبر تنظيم المطالب، والمرافعة الرصينة، والضغط السلمي المسؤول.أنا مع الشباب الذي يُطالب بالكرامة.

أنا مع التلاميذ الذين يرفضون الهدر التعليمي.

أنا مع كل مواطن يُنادي بالعدالة الاجتماعية. لكنني — وبكل وضوح — ضدّ كل من يستغل المطالب النبيلة لزرع الفوضى، أو للتحريض على العنف، أو لتوريط القاصرين في معارك خاسرة لا تخدم سوى الفساد والتخلّف.هذه المرحلة هي مرحلة تحسيس وتوعية وتذكير جماعي بخطورة الانزلاق إلى العنف. فإن نجحنا جميعًا في هذه المهمة، فستكون الخطوة التالية هي الدعوة إلى حوار وطني شبابي، تشارك فيه كل الأصوات الغيورة على الوطن، وتُقدَّم فيه المقترحات، وتُفتح فيه قنوات التواصل مع أصحاب القرار والإمكانيات.ولنتفق جميعًا:

الاحتجاج للتعبير… لا للتدمير.

والوطن خط أحمر… لا نُفرّط فيه مهما كانت الظروف.