Friday 8 August 2025
كتاب الرأي

نبيل عادل: سياسة اليد الممدودة.. صمت الانتظار أطول من نشوة سريع الانتصار

 
 
نبيل عادل: سياسة اليد الممدودة.. صمت الانتظار أطول من نشوة سريع الانتصار د نبيل عادل

في الخطابات الملكية، الرمزية لا تقل أهمية عن الكلمات ذاتها. وحين يتحدث صاحب الجلالة عن الجزائر، بلغة الأخوة والمصير المشترك، ويجدّد "اليد الممدودة"، فهو لا يكرّر مجاملة بروتوكولية، بل يوجّه رسالة استراتيجية: أن الحل في الصحراء لا يمكن أن يكون بنكهة "الغالب والمغلوب"، بل بترتيب يحفظ ماء الوجه لكل الأطراف.

هذه اليد الممدودة ليست حركة دبلوماسية عابرة لتتصدر عناوين نشرة الأخبار، بل هي استثمار طويل الأمد في فكرة أن المستقبل المشترك أهم من المكاسب المؤقتة، وأن الحفاظ على الكرامة المتبادلة هو الضمانة الوحيدة لتسوية تعيش جيلاً بعد جيل، لا موسماً سياسياً واحداً.

 

اليد الممدودة… قراءة سياسية قبل أن تكون رومانسية

وراء هذه الإشارة الدبلوماسية، هناك قراءة شديدة الدقة والواقعية للعلاقات الدولية. فالمنطقة، إن تُركت رهينة الحسابات الجيوسياسية للقوى الكبرى، ستجد نفسها في مسرح يتقاسمه اللاعبون الدوليون، حيث تُفرض على المغرب والجزائر أدوار ثانوية في فيلم طويل يكتبه آخرون، ويدفع فيه الطرفان فواتير حروب باردة جديدة أو مساومات على ملفات لا تعنيهما مباشرة.

لهذا، اليد الممدودة ليست دعوة إنشائية، بل رسالة واقعية لوقف الاستنزاف العبثي: لماذا نصرف مواردنا في سباق تسلح أو في معارك دبلوماسية تستنزف ثرواتنا، بينما يمكن أن نستثمرها في بناء شراكات إقليمية حقيقية، من البنية التحتية إلى الطاقة، ومن الأمن المائي إلى الاكتفاء الغذائي؟

الرهان بسيط في جوهره: إذا كان لا بد من تقديم تنازلات، فلنقدّمها لبعضنا نحن "أهل الدار"، لا أن نهديها مجاناً لقوى خارجية تُصفّق لنا بيد، وتمتص دمائنا باليد الأخرى.

 

اليد الممدودة… قراءة قانونية أكثر برودة

أما في ميزان القانون الدولي، فالخطاب الملكي يدرك – دون أن يصرّح – أن الاعترافات الدولية المتزايدة بمغربية الصحراء، رغم أهميتها، لا تكفي لإغلاق الملف رسمياً. نعم، هناك مكاسب ملموسة لايستهان بها:

  • اعترافات من قوى وازنة مثل الولايات المتحدة، ألمانيا، فرنسا، إسبانيا، البرتغال، والمملكة المتحدة.
  • فتح عدة قنصليات في العيون والداخلة.
  • إدماج اقتصادي وسياسي متصاعد وتأهيل بنيوي جبار للأقاليم الجنوبية.
  • مشاركة سياسية مكثفة لسكان الأقاليم الجنوبية في الاستحقاقات الانتخابية مما يدل على انتماء قوي للوطن.

لكن، ورغم هذه النجاحات، يظل القانون الدولي أكثر عناداً وبيروقراطية. الأمم المتحدة لا تُغلق ملف نزاع إقليمي إلا عبر واحدة من "الصلصات الثلاث" المعروفة:

  • الاتفاق السياسي–القانوني بين االأطراف : أي عقد اتفاق بين المغرب وجبهة البوليساريو، حتى وإن كانت الجزائر هي الفاعل الرئيسي في الخلفية .لكن في مسار التسوية الأممي، ووفق قرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن، تُعتبر جبهة البوليساريو "طرفًا في النزاع" و"ممثل معترف به من قبل الأمم المتحدة لسكان الصحراء" منذ أن تبنت الجمعية العامة القرار 34/37 لسنة 1979 الذي وصفها بـ "الممثل الشرعي للشعب الصحراوي"، دون أن يمنحها صفة الدولة. وبالتالي، يرى القانون الدولي أن أي اتفاق نهائي يجب أن يتم بين الطرفين المباشرين في العملية التفاوضية (المغرب والبوليساريو)، مع إشراك الجزائر وموريتانيا كدولتين جارتين معنيتين.
  • قرار ملزم من مجلس الأمن تحت الفصل السابع : الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة يمنح مجلس الأمن سلطة اتخاذ قرارات ملزمة تحت طائلة العقوبات أو حتى التدخل العسكري إذا اعتبر النزاع تهديدًا للسلم والأمن الدوليين. في هذه الحالة، يمكن للمجلس فرض حل أو صيغة تسوية على جميع الأطراف .لكن أي قرار تحت الفصل السابع يحتاج موافقة الولايات المتحدة، روسيا، الصين، فرنسا، والمملكة المتحدة، أو على الأقل عدم استخدام الفيتو من أي منهم .في نزاع الصحراء، روسيا والصين غالبًا ما تتحفظان على أي حل يُفرض بالقوة إذا لم يقبله طرف، بسبب تمسكهما بمبدأ تقرير المصير ومعارضتهما للسوابق التي قد تُستخدم ضد مصالحهما في نزاعات أخرى (كأوكرانيا أو تايوان) .كما أن بعض الدول الغربية قد ترى مصلحة في إبقاء النزاع مجمدًا كورقة ضغط جيوسياسية .من الناحية النظرية، إذا اتفق الخمسة الكبار، يمكن لمجلس الأمن فرض الحكم الذاتي أو أي صيغة أخرى. لكن عمليًا، الانقسامات داخل المجلس تجعل هذا السيناريو ضعيف الاحتمال في المدى المنظور.
  • صيغة تفاوضية شاملة يقبلها الجميع وتوثق أممياً : هذه الصيغة هي الأكثر انسجامًا مع روح قرارات مجلس الأمن الأخيرة والتي تدعو إلى حل سياسي واقعي ودائم ومقبول من جميع الأطراف. هنا يدخل المغرب، والبوليساريو، والجزائر، وربما موريتانيا، في عملية تفاوضية شاملة برعاية الأمم المتحدة، بحيث تُفضي إلى اتفاق نهائي يتم توثيقه كوثيقة أممية .تضمن موافقة جميع الفاعلين المباشرين، وبالتالي تُغلق الباب أمام أي طرف لتعطيل التنفيذ لاحقًاً .ستحظى هذه الصيغة بشرعية دولية كاملة، لأنها ستُوثق في الأمم المتحدة وستتمتع بتأييد واسع من المجتمع الدولي .هذا هو السيناريو الذي يراهن عليه المغرب ضمن "اليد الممدودة": حل يحفظ ماء وجه الجميع (لا غالب ولا مغلوب) ويمنح المملكة السيادة الفعلية، مع ترتيبات ترضي الجزائر وتسمح للبوليساريو بالاندماج في النظام السياسي المغربي.

والآن… دعونا نُبالغ قليلاً لتوضيح الفكرة: حتى لو خرجت علينا نشرات الأخبار بعنوان عريض "كل دول العالم – ما عدا بضع دول تعد على أصابع اليد الواحدة – تعترف بالسيادة المغربية على الصحراء"، فإن ذلك لا يكفي لإغلاق الملف قانونياً. سيبقى التصنيف الأممي "إقليم غير متمتع بالحكم الذاتي" كما هو، وسيبقى المبعوث الشخصي للأمين العام يتنقل بين العواصم، وسيبقى مجلس الأمن يمدد مهام بعثة المينورسو كل ستة أشهر وكأننا في حلقة من مسلسل تركي لا يريد أن ينتهي.

 

الخيار الآخر: إبق الملف مفتوحاً… ودع الجزائر تدفع الفاتورة

هناك من يظن أن المغرب في سباق مع الزمن لإغلاق هذا الملف. والحقيقة أن المغرب، إن أراد، يستطيع إبقاء هذا النزاع مفتوحاً إلى أبد الآبدين، يستثمر في أقاليمه الجنوبية ويستقطب استثمارات اجنبية، يدمجها أكثر في اقتصاده الوطني، يستغل الواجهة الأطلسية لإطلاق مشاريع عملاقة، ويترك الجزائر تدفع الفاتورة الباهظة لرعاية البوليساريو: تمويل المخيمات، الإنفاق العسكري، ميزانيات الدبلوماسية الدفاعية، وشراء الولاءات في أوروبا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية.

ومع مرور الوقت، كلما طال أمد هذا النزاع، زادت احتمالات أن يتحول البوليساريو نفسه إلى عبء سياسي وأمني على الجزائر، بدل أن يبقى ورقتها الرابحة.

فالحركات المسلحة التي تتغذى على النزاعات المزمنة نادراً ما تعرف الوفاء لمن يرعاها، وقد ترتدّ على أصحابها في لحظة توازنات جديدة أو انهيار داخلي. سواء كانت تسوّق نفسها كـ"جيش شعبي تحرري" أو كـ"حركة مقاومة نبيلة"، فالحصيلة دائماً واحدة: كلفة سياسية وأمنية باهظة على من يرعاها. ولنا في التاريخ أمثلة لا تُحصى: (حركة فارك الكولومبية التي تحوّلت من مشروع ماركسي ثوري إلى كارتل مخدرات وخطف، جيش الرب الأوغندي الذي خرج من رحم نبوءات مسيحية مهلوسة وانتهى كعصابة تجنيد أطفال، والخمير الحمر في كمبوديا الذين ارتكبوا إبادة جماعية ضد شعبهم رغم أنهم كانوا "أبناء الثورة"). بل حتى بعض الميليشيات المسيحية التي دُعمت غربياً في (لبنان خلال الحرب الأهلية) تحوّلت إلى عبء أخلاقي وسياسي، عندما تورّطت في المجازر، ولم يعد من المجدي الدفاع عنها. من يرعى اليوم حركة مسلحة "مؤقتاً"، قد يستيقظ غداً على دولة داخل الدولة، أو على انقلاب ناعم من داخل المخيمات.

لكن، وهنا بيت القصيد، المغرب يعرف أيضاً أن هذا السيناريو، مهما بدا مريحاً من زاوية الربح التكتيكي، هو في النهاية خسارة استراتيجية للجميع. فاستمرار التوتر يحمل في طياته أخطار عنف مباشر بين الجزائر والبوليساريو طال الزمان أم قصر، بما قد يهدد استقرار المنطقة برمتها، ناهيك عن الكلفة غير المباشرة المتمثلة في قتل أي أمل في بناء تكامل اقتصادي مغاربي حقيقي، وهو التكامل الذي تشير كل الدراسات إلى أنه كان كفيلاً بإضافة عدة نقاط نمو سنوياً لاقتصادات المنطقة، لو تحقق.

ولهذا، فاليد الممدودة ليست فقط إشارة دبلوماسية، بل هي أيضاً محاولة واقعية لتجنيب المنطقة مستقبلاً من الانهيار البطيء، حيث الكل يخسر… لكن البعض يخسر أكثر.

 

الجزائر… اللاعب المزعج في المعادلة

القانون الدولي يعرف جيداً ما يعرفه أي طفل في الحي: إذا كان لديك نزاع مع شخص، فلا يمكن حله باتفاق مع جاره أو ابن عمه، بل معه مباشرة. الجزائر، كدولة ذات سيادة وعضو في الأمم المتحدة، هي الراعي والداعم والمضيف للبوليساريو. رفضها الاعتراف بالسيادة المغربية كفيل بإبقاء النزاع حياً على الورق، حتى لو مات سياسياً في أغلب العواصم.

بل أكثر من ذلك، مبدأ تقرير المصير الوارد في القرار الأممي 1514 لسنة 1960 يجعل من المستحيل قانونياً تجاوز البوليساريو في أي تسوية نهائية، ما دامت الأمم المتحدة تعتبرها "ممثلاً" للسكان المعنيين (حتى لو كان هذا التمثيل محل نزاع).

 

أوهام "استرجاع الصحراء الشرقية"… حين يتحوّل التحليل الأكاديمي إلى جلسة قهوة سياسية ورصاصة نطلقها على أرجلنا

في خضم هذا الواقع المعقد لأطول نزاع في العالم عمراً، يطلّ علينا بعض "المحللين" — و يا للأسف، بينهم أساتذة جامعيون — بفكرة عبقرية: يجب أن يفتح المغرب ملف "الصحراء الشرقية" (تندوف وبشار) لاسترجاعها. لا أدري إن كان أصحاب هذا الطرح قرأوا يوماً ميثاق الأمم المتحدة، أم أنهم يكتفون بتأمل الخرائط القديمة على صفحات ويكيبيديا.

الحدود بين المغرب والجزائر معترف بها دولياً منذ اتفاقية 1972، والمبدأ المؤسس في القانون الدولي الإفريقي هو "قدسية الحدود الموروثة عن الاستعمار" (Uti Possidetis Juris). هذا المبدأ، الذي تتبناه الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، يمنع المطالبة بأراضٍ على أساس تاريخي إذا كانت الحدود مرسّمة ومعترف بها. أي محاولة رسمية للمطالبة بالصحراء الشرقية ستُصنَّف كتهديد للسلم الإقليمي، وتضع المغرب في خانة "المعتدي" بدل "الطرف المسؤول".

إذا كان المغرب، بكل ما يملك من أوراق قوة في ملف الصحراء الغربية المغربية— من دعم دولي متزايد، واعترافات بمبادرة الحكم الذاتي، ووجود فعلي على الأرض، وشرعية أممية للتفاوض — لم ينجح بعد أكثر من خمسين سنة في إغلاق هذا النزاع نهائياً، فماذا نقول عن الصحراء الشرقية، حيث لا يملك سوى أرشيف قديم وحنين بعض النشطاء في وسائط التواصل الاجتماعي؟ هنا، يصبح الخطر مضاعفاً: مجرد طرح الموضوع رسمياً سيضع المغرب في خانة "الدولة التوسعية"، وسيفقده الكثير من المصداقية التي بناها بصبر في المحافل الدولية. لحسن الحظ، أن المغرب الرسمي لم يقع في هذا الفخ الفلكلوري، وإلا كان جلب على نفسه سخرية العالم قبل عدائه.

حتى القوى العظمى، حين تخرق الحدود المعترف بها دولياً، تدفع الثمن باهظاً. فالصين، بكل قوتها الاقتصادية والمالية، لم تستطع ضم تايوان رغم أن العالم يعترف بالصين الواحدة. وروسيا، بقنابلها النووية وعظم جيشها، لم تنجح في جعل ضمّ جزيرة القرم حقيقة قانونية وهي التي كانت ضمن أراضيها حتى خمسينات القرن الماضى، وذلك رغم سيطرتها الفعلية عليها منذ 2014. فإذا كانت بكين وموسكو وهما العضوين الدائمين في مجلس الأمن عاجزتين عن قلب الشرعية الدولية، فهل سنقنع نحن مجلس الأمن بـ"تصحيح" خرائط ما بعد الاستعمار؟

في النهاية، "المطالبة باسترجاع الصحراء الشرقية" ليس سوى مشهد من مسرح العبث الذي يلعب فيه بعض المحللين أدوار بطولة زائفة. بؤسهم الفكري هذا يؤخر أي حل لملف الصحراء لأنه لايرسل أي رسائل طمأنة للأطراف ويعزز سرديتهم أن المغرب بلد توسعي يجب تركه عالقاً في ملف الصحراء "الغربية" مهما كلفهم ذلك من ثمن: فالمدافع عن هذا الطرح الطوباوي أشبه بعربيد يتمايل في الشارع وهو يهدد المارة بمسدس فارغ. بالنسبة للناس، هو معتدٍ خطير… لكنه في الحقيقة مجرد مهرج لا يعرف أن سلاحه فارغ، حتى يقرر يوماً الضغط على الزناد، وعندها ستكون صحوة الواقع أقسى من أي سُكر.

 

اليد الممدودة… بين القوة والبراغماتية

هنا بالضبط تأتي قوة اليد الممدودة. فهي من جهة ورقة سياسية تعزز صورة المغرب كطرف مسؤول يبحث عن حل سلمي متفاوض عليه، وليست محاولة لفرض أمر واقع بالقوة. ومن جهة أخرى، هي أداة ضغط ناعمة تكسب المغرب مزيداً من التعاطف الدولي، وتحرج الجزائر أمام شركائها كلما تمسكت بالرفض المطلق للحوار، مما يرفع فاتورة التنازلات التي تقدمها لإبقاء الملف مفتوحاً.

هذه اليد الممدودة ليست ضعفاً ولا رومانسية سياسية، بل براغماتية صافية: إذا كان القانون الدولي يفرض موافقة البوليساريو الاسمية وموافقة الجزائر الفعلية على أي حل نهائي، فلماذا لا نحول هذه الحقيقة من عقبة إلى فرصة لإعادة صياغة قواعد اللعبة او ندخلهم في مسلسل استنفاذ بطيء وطويل يجعل كلفة هذا الصراع أكبر من أي مكسب يمكنهم جنيه؟

 

وفي النهاية، ستظل البيروقراطية الأممية تمارس طقوسها المألوفة في ملف الصحراء: جولات مفاوضات تبدأ بصورة جماعية وتنتهي بصورة جماعية، بيانات تذكّرنا بأهمية "استمرار الحوار والحل التوافقي"، ومبعوثون خاصون يأتون ويذهبون وكأنهم في برنامج تبادل ثقافي بين الرباط وتندوف. وفي كل دورة، تُعاد نفس الكلمات، وتُطبع نفس الوثائق، وتُعقد نفس الندوات، بينما العالم يتغير من حولهم… إلا هذا الملف، يراوح مكانه بانتظام مثير للإعجاب، كساعة حائط سويسرية لا تتأخر ولا تتقدم.
اليد الممدودة المغربية، في هذه المسرحية الطويلة، تبدو كمن يمد كرسياً فارغاً في قاعة اجتماعات مغلقة، يعرف أن الضيف لن يأتي اليوم ولا غداً، لكنه واثق أن الكاميرات ستلتقط الصورة. وحين يقرر التاريخ أخيراً أن يُسدل الستار، سيُكتشف أن كل هذه الجلسات، والمبعوثين، وقرارات "الشرعية الدولية"، لم تكن سوى سيرك دبلوماسي… وأن الحل كان، كما يعرف المغرب منذ البداية، أبسط بكثير من كل هذه الأوراق المختومة بالشعار الأزرق للأمم المتحدة.

يبقى على النخب المغربية ألا تسقط في فخّ الفولكلور الشوفيني، ذلك الذي يدغدغ العاطفة الجمعية بأحلام استعادة أمجاد غابرة، لكنه يربك الحسابات الاستراتيجية للدولة. فالمعركة ليست مناظرة فكرية يُكافأ فيها من كانت حجته ألمع وأدلته أبلغ، بل معركة سرديات دولية في فضاء دبلوماسي ضيّق، حيث تُقاس الكلمة بميزان حساس، ويتحسّس الرأي العام العالمي من أي طرح يوحي بالتوسع أو إعادة رسم الخرائط. فكل انزلاق لغوي أو عاطفي في هذا الملف، قد يضيف عنواناً جديداً إلى نشرات أخبار مثقلة أصلاً بالحروب المؤجلة والخطوط الحمراء المخترقة.

د. نبيل عادل، أستاذ باحث في الاقتصاد والعلاقات الدولية ، عضو المجلس الوطني لحزب الحركة الشعبية