كرة القدم على الشاطئ أو في الملاعب العالمية... الخطر واحد، والنتيجة واحدة: إصابة يصفها أطباء العظام بأنها "لطيفة": إنها التواء الكاحل.
وفي ذات صباح، زلّت قدم زوجتي داخل الحمام، فخانها كاحلها كما يخون طفلٌ صغيرٌ أمَّه في لحظة غضب.
انبعث صوتٌ خافت، كأنه همس العظام، تبِعه ألمٌ مفاجئ، فكان الالتواء.
كلمة "التواء" سقطت في فضاء بيتنا كصاعقةٍ رقيقة... كدّرت سكوننا اليومي، لكنها لم تعصف به.
ولأن الله يزرع البلسم قبل أن ينثر الألم، ساق إلينا صديقي الطبيب فريد إسماعيل، ساحر العظام وربّان الأوتار، الذي لا أراه إلا أخًا يحمل بيديه علمًا، وبالأخرى طمأنينة.
تأمل الكاحل بعين العارف، قرأ صورة الأشعة، لم يرتجف، بل ثبت عليه جبيرة من الجبس، وقبل أن يكتب وصفته، قال بصوت يحمل دفءَ الأمل:"هذه إصابات لطيفة... انظري إلى لاعبي الكرة: يسقطون، يلتوون، ثم يعودون إلى المجد وكأن شيئًا لم يكن."
كانت كلماته تلك أقوى من كل مسكنات العالم، وأبلغ من كل وصفة.
فالعلم يقف إلى جانب هذا اليقين:
مفصل يعرف كيف يعيد ترميم ذاته.
الكاحل، ذلك المفصل الذي يصل الساق بالقدم، معجزة من معجزات الخلق.
ثلاثة عظام: الساق (القصبة)، الشظية، والكاحل، تتعانق عبر شبكةٍ ساحرةٍ من الأربطة والأوتار.
والأربطة هم الحُرّاس الأمينون على ثبات المفصل.
وحين تُشَدّ هذه الأربطة فوق طاقتها، يُعلن الالتواء عن نفسه.
وتُصنَّف درجاته:
-
الدرجة الأولى: تمطّط بسيط، كأن المفصل يهمس بنداءٍ خفيف.
-
الدرجة الثانية: تمزق جزئي، مؤلم لكنه لا يستدعي الجراحة.
-
الدرجة الثالثة: تمزق تام، وقد يتطلب مبضع الجراح.
لكن في أغلب الحالات – كما حدث مع زوجتي – يكون الالتواء بسيطًا، لطيفًا في أذاه، كريمًا في تعافيه.
جبيرة، عشرون يومًا من الراحة، جلسات للعلاج الطبيعي، ومزاجٌ مشمس...
وهكذا، تبدأ الطبيعة بإصلاح ما أفسده السقوط،
تلتئم الألياف، يتراجع الورم، ويتنحّى الألم.
حتى الأبطال يسقطون... ثم ينهضون.
ما الذي نقوله عن أولئك الذين نراهم في الملاعب؟
كم مرة رأينا ليونيل ميسي، كيليان مبابي، أو كريستيانو رونالدو يتلوّون من الألم بعد تدخل عنيف؟
الكاحل ينثني، ينتفخ، يئن… لكنه لا يستسلم.
وبفضل الرعاية المتقنة، وبرامج التأهيل الدقيقة، يعودون إلى ميادين اللعب بخفة الغزال.
ألا يدلّ ذلك على أن هذا المفصل، رغم هشاشته الظاهرة، يحمل في داخله سرّ الصمود؟
صدقتَ يا دكتور إسماعيل، صدقتَ...
فكثير من إصابات الكاحل ليست إلا صدماتٍ رحيمة، شريطة أن نعاملها بلطفٍ وصدق.
وإليكِ، يا زوجتي...
كانت عشرين يومًا من الجبس والانتظار، لكنها كانت أيضًا عشرين يومًا من الصبر والتأمل.
تعلّمتِ فيها التروّي، ورأيتُ أنا أن حتى من تتكئ على عكاز، تستطيع أن تمشي بكبرياء وخيلاء.
سقط الجبس.
وعدتِ تمشين.
نعم، الكاحل ينهض.
ينثني، لكنه لا ينكسر.
وكما في أرقى قصص الحب، تزول لحظات الألم، ويظلّ وعد المستقبل… صلبًا، على قدمين ثابتتين.
.png)
