Saturday 28 June 2025
مجتمع

محمد مسعاد: عشرينية العدالة الانتقالية في المغرب.. حين يحتفل الحقوقيون بالذكرى ويغتالون نصف الذاكرة

محمد مسعاد: عشرينية العدالة الانتقالية في المغرب.. حين يحتفل الحقوقيون بالذكرى ويغتالون نصف الذاكرة محمد مسعاد

في الوقت الذي ينتظر فيه المغاربة وقفة تأملٍ صادقة في حصيلة عشرين سنة من مسار العدالة الانتقالية، قرّر ثلة من الأساتذة الجامعيين الحقوقيين أن يحتفلوا بهذه المناسبة على طريقتهم الخاصة: بندوة وطنية، عنوانها العريض "العدالة"، ومضمونها الحقيقي: "الرجال فقط، والنساء مقصيات." فهل يمكن أن نتحدث عن العدالة بمضمونها الحقوقي، ويكون فيها الاقصاء عن سبق الإصرار والترصد.

نعم، هكذا وبكل ثقة أكاديمية مفرطة، قُدمت لنا نسخة متقدمة من مسرح العبث، هذه المرة ليس في قاعة عرض، بل في رحاب الجامعة، وبدعم سخي من المجلس الوطني لحقوق الإنسان، الذي يبدو أنه قرّر – عن حسن نية طبعًا – أن يدعم ندوة لا صوت فيها إلا للرجال. وكأن المرأة لم تُعتقل، لم تُقهر، لم تُقمع، ولم تُقاوم. وكأن ذاكرتها لا تستحقّ أن تُستدعى!

فهل نحن أمام ندوة للعدالة الانتقالية؟ أم أمام حفلة وداع ذكورية للعقل النقدي؟
أم أنها – ويا للمفارقة – عدالة انتقامية في لباس أكاديمي أنيق، تنتقم من النساء باسم الإنصاف، وتقصيهن باسم المصالحة، وتخيط جلساتها بمقاسات ذكورية صارمة، لا تتّسع للنساء.

إن تغييب النساء في مناسبة من هذا النوع ليس فقط خطأً بروتوكوليًا، بل مجزرة رمزية في حق هذا المسار بأكمله. كيف يمكن أن نتحدث عن "جبر الضرر"، بينما لا زلنا نمارس ضررًا جديدًا اسمه: الإقصاء الأكاديمي المصقول؟ فكيف يعقل لا للمنظمين ولا للجهات الراعية والداعمة أن تسمح بهذا الخطأ الجسيم؟

كيف نُقيم ذكرى العدالة الانتقالية في مؤسسة جامعية، بدعم من هيئة حقوقية دستورية، ونتجاهل نصف المجتمع الذي عاش سنوات الرصاص لكنه أيضًا قاومه، وكتب عنه، وربّى أبناءه على حلم التغيير، في البيوت، في السجون، وفي الشوارع؟

سؤال مشروع يطرح نفسه: هل العدالة الانتقالية التي نحتفي بها هي تلك التي جاءت في توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة؟
أم أنها عدالة انتقائية، تُفصّل على مقاس الذكورة الفكرية، وتُطرّز بمواضيع بحثية محكمة، لكنها فارغة من أي روح إنصاف حقيقية وحقوقية؟

هذا التوجّه لا يُسيء فقط للنساء، بل يُفرّغ المفهوم الأكاديمي للعدالة من محتواه. ويطرح سؤالا جوهريا عن ماهية ومصداقية البحث العلمي في هذا المجال؟
كيف نبني ذاكرة جماعية، إذا كانت شهادات النساء تُقصى، وتاريخهن يُطمس، وتجاربهن تُحوّل إلى هامش غير مرئي؟
وهل نحتاج فعلًا إلى تذكير بعض "السادة المنظّرين" أن أولى ضحايا الانتهاكات الجسيمة للحقوق، وأولى المدافعات عن العدالة والمصالحة، كنّ نساء: من المناضلات في الصفوف الأولى، إلى الأمهات المكلومات، إلى الناجيات من المعتقلات السرية؟

الحق يُقال، لا يمكننا أن نتحدث عن العدالة دون الإنصاف، ولا عن المصالحة دون الاعتراف، ولا عن الذاكرة الجماعية دون النساء. وإن كانت الجامعة لا تعترف بذلك، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان يدعم من لا يعترف بذلك، فربما نحن بحاجة إلى عدالة انتقالية… للعدالة الانتقالية نفسها!

باختصار، ندوة بعقلية ذكورية لا تحتفل بالعدالة، بل تعيد إنتاج الظلم… هذه المرة بذريعة علمية.

إنه ليس احتفالًا بإنجاز، بل بيان اتهام جديد يُثبت أن بعض العقليات لا تزال حبيسة ماضيها، رافضة للانتقال، حتى في شيء يُفترض أنه اسمه: العدالة الانتقالية.