Friday 20 June 2025
كتاب الرأي

إدريس الاندلسي: التوراة وثقافة الغدر الصهيوني

إدريس الاندلسي: التوراة وثقافة الغدر الصهيوني إدريس الاندلسي
تحولت سماء الشرق الأوسط إلى حلبة فضائية كبرى، تسبح فيها الطائرات الحربية، والمسيرات المحمّلة بالقنابل، وكثير من الصواريخ بعيدة المدى. قرر نتنياهو، بمباركة أمريكية، بدء الهجوم رغم الاتفاق على جولة مفاوضات بين إيران وأمريكا بخصوص الملف النووي. فهل كان الهدف من هجوم غادر هو قتل المفاوضات، أم أنّ الغدر متجذّر في قلب الصهيونية؟
لا يمكن لعاقل، أو حتى لصاحب مصالح من دول ومؤسسات، أن يقف غير منحاز إلى ضرورة وقف الحرب.
هل تخطت إسرائيل كل الخطوط، وأصبحت تتحدى العالم أجمع، أم أنّ أمريكا تدفعها لخلط الأوراق في العلاقات الدولية بعنفٍ متواصل، قد يؤدي إلى دمار كبير؟
لم تعد أمريكا تملك كل الأوراق، ولم تعد الدول الكبرى في آسيا تسمح بالمسّ بمصالحها.
تظل الصين تنادي بالسلام، لكنها تمتلك من قوة الردع ما يمكن أن يحد من هيجان القرار في أمريكا.
جاء في "سفر التكوين 31 – 34" أنّ ابنة يعقوب "دينة بنت لية" قد دُنِّست، أي أنّها تعرضت للاغتصاب من طرف "شكيم بن حمور" الكنعاني.
وقد سبق ليعقوب أن دفع لوالد هذا المغتصب مئة قطعة فضية ليستقر في قطعة من أرضه.
تألمت دينة كثيرًا مما تعرضت له من إذلال ومهانة، وتصف نصوص سفر التكوين تفاصيل الواقعة، من "زلة قدم البنت... ووقوع شكيم عليها... وكيفية سحب ثوبها".
لكن الفاعل تعلّق، رغم فعلته، بالفتاة، وأراد الزواج بها.
عرفت صديقات دينة بكون الفاعل هو ابن الأمير، وقد قام هذا الأخير، مرفوقًا بابنه، في اليوم الموالي بزيارة رسمية للأرض التي يقيم بها يعقوب وأولاده.
ورغم توجه الأمير حمور مع ابنه إلى يعقوب وأبنائه بطلب الزواج، قائلًا: "إن ابني شكيم علقت نفسه بابنتكم فأعطوها له زوجة" (سفر التكوين 34: 4-8)،
فقد بلغ الخبر أبناء يعقوب فتملكهم غضب شديد.
دخلوا في مساجلات مع حمور، رغم قلة إمكانياتهم أمام رجال الأمير المسلحين. وتميزت هذه المواجهة ببروز اثنين من أبناء يعقوب، وهما "شمعون ولاوي".
ورغم وعود حمور لأبناء يعقوب بإعطائهم صفة المنتمي إلى أرض كنعان، والمستفيد من أرضها وخيراتها، اشترط بنو يعقوب أن يتم ختان من سيتزوج أختهم، أي أن يتم "قطع القلفة" بسكين حاد،
وزادوا من شروطهم لكي يصبح أهل حمور مثل أهل يعقوب بأن يُختنوا كذلك.
ولأن هذه العملية تمت الموافقة عليها، ولأنها عرضت أهل حمور إلى فترة نقاهة لتجاوز آلامها، قرر "شمعون ولاوي" الانتقام ليلًا من الراقدين للاستشفاء، فقتلا بسيوفهما الأمير وابنه، واسترجعا أختهما دينة،
وبدأ نهب الأغنام والأبقار والقتل، بينما كان يعقوب يحذر ابنيه من سوء العاقبة، وهم يجيبونه: "أكزانية يُتخذ أختنا؟!" كما جاء في سفر التكوين.
وظل الصوت الوحيد الذي غاب عن القرار هو صوت الأخت، حسب الكاتب "جوناثان كيرتش" صاحب كتاب "حكايات محرمة في التوراة".
كثيرة هي الحكايات التي أسست للغدر الإسرائيلي، بدءًا من ضيافة الكنعانيين لهم، ثم الخروج إلى مصر، والرجوع مرة ثانية في عهد موسى حسب أقوالهم ونصوصهم.
واستمر الغدر بكل من يستضيف أحفادهم وأحفاد أحفادهم.
يمكن أن نجد في قصص عائلات من القدس، وأريحا، ويافا، وعسقلان، كثيرًا من الأمثلة على الغدر.
حكى لي صديقي الفلسطيني أن جدته استضافت يهودًا خلال الحرب العالمية الثانية، وبعد أيام طردوها من بيتها وتم تهجير العائلة إلى مدينة حمص بسوريا.
وحين زارني هو وأخته الكبرى، زادت معرفتي بتفاصيل الغدر الذي أدى إلى النكبة.
حرصت أخت صديقي الفلسطيني على أن تحيي عيد ميلادها الستين بإطفاء شمعة مغروسة في حلوى أمام بيت جدتها، ولم تنسَ أن الإيمان الراسخ بالعودة لن ينمحي من قلب كل فلسطيني.
ويستمر العمل بسياسة الغدر إلى اليوم بشكل ممنهج.
حدد الرئيس الأمريكي، صاحب الرسائل الكثيرة، والخطابات المرتجلة، والتهديدات التي تشمل أصدقاءه وحلفاءه وحتى جيرانه، أنّ مفاوضات ستتم يومين قبل أن تقوم إسرائيل بهجوم مباغت على إيران.
وها نحن نتابع يوميًا حربًا تشمل آثارها الكثير من الدول، وقد تؤدي إلى أزمات لم يعرفها العالم من قبل.
يُجرى الآن تهديد للقارة الآسيوية والأوروبية ومنطقة البحر الأبيض المتوسط، بسبب النتائج التي قد تنتج عن تفجير المنشآت النووية الإيرانية ومركز ديمونة بإسرائيل.
قد تدخل دول أخرى على خط النزاع، وقد تلوح في الأفق القريب أزمات في قطاع الطاقة والتجارة العالمية والتزود بالمياه والغذاء.
قال سفير إسرائيلي سابق في فرنسا إنّ نتنياهو هو الشيطان في هذا الزمن.
لا يهمه أن يموت الطفل الفلسطيني أو الإسرائيلي أو اللبناني أو السوري، لا يهمه أن يُقتل رهائن حركة حماس، ولا أن يُقتل الجندي الإسرائيلي،
فما يهمه هو أن يستمر في حكم إسرائيل ولو أدى الأمر إلى نهايتها.
وقد تبين خلال السنتين الأخيرتين أنّ جزءًا كبيرًا من دول الغرب، التي ترفع منذ أكثر من قرنين من الزمن شعارات المساواة والحرية وحقوق الإنسان،
هي التي توفّر لنتنياهو كل الوسائل للاستمرار في تهديم وتشويه صورة الغرب أمام الإنسانية.
ومن المؤكد أن أتباع نتنياهو، وأغلبهم من الأشكيناز ذوي الجذور الأوروبية الخزرية، لا يهمهم سوى التدمير.
وهناك من يذهب إلى أنّ إسرائيل تمتلك 4000 صاروخ نووي قادر على تدمير أوروبا وأمريكا وآسيا.
لا زالت الدول الكبرى في آسيا تتحكم في سياساتها وقراراتها.
سيأتي يوم قد تضطر فيه هذه الدول، وعلى رأسها الصين، للتكشير عن أنيابها النووية والاستراتيجية.
إنّ هدوء الصين، وكل نمور آسيا حاليًا، هو مجرد انتظار لوصول إسرائيل وحلفائها الأوروبيين وأمريكا إلى النقطة الصفر.