في كل سنة، ومع اقتراب عيد الأضحى، تدخل آلاف الأسر المغربية في سباق مرهق لتوفير الأضحية. ليس فقط باعتبارها سُنّة دينية، ولكن أيضًا كطقس اجتماعي عميق، تتجاوز دلالاته حدود الذبح، لتلامس منطق الكرامة والوجاهة والانتماء.
وبين ما تفرضه التقاليد من جهة، وما تسمح به النصوص الشرعية من مرونة من جهة أخرى، يبقى المواطن المغربي عالقًا في منطقة التوتر بين الشعور بالواجب والخوف من نظرة المجتمع. غير أن أفقًا جديدًا أصبح ممكنًا اليوم بفضل مؤسسة إمارة المؤمنين، باعتبارها الضامن للتوازن بين الدين والمصلحة، وبين روح الشريعة وظروف الناس. وإذا كان جلالة الملك، أمير المؤمنين، قد وجّه نحو ترشيد ذبح الأضاحي مراعاةً للظرف الفلاحي وتعافي القطيع الوطني، فإن هذه الإشارة في حد ذاتها ليست مجرد قرار اقتصادي، بل خطاب عميق الدلالة، يحمل إمكانيات هائلة لإعادة بناء ثقافة الأضحية خارج منطق الإلزام الاجتماعي وضغط العادة.
ففي المجتمعات التي تحتكم إلى سلطة التقليد، يتحول ما هو اختياري إلى إلزامي، ويصبح ما هو سُنّة مؤكدة واجبًا لا يقبل النقاش. وهنا يكمن لبّ الإشكال في حالة المجتمع المغربي. إذ ليست الأضحية في ذاتها هي المعضلة، بل الضغط الرمزي الذي يرافقها، حيث تُقاس الرجولة بامتلاك الكبش، وتُقاس مكانة الأسرة بصورة جلد يُنشر على السطح.
وفي هذا السياق، تصبح الأضحية امتحانًا للهوية أكثر من كونها شعيرة دينية. ومن هنا تكتسي إمارة المؤمنين دورًا محوريًا. فالملك، بما له من مكانة دينية وروحية لدى المغاربة، هو وحده القادر على تفكيك هذا التصور القهري للأضحية، وإعادة وضعها في إطارها السليم كعبادة مشروطة بالاستطاعة، لا معيارًا اجتماعيًا للتقييم والمقارنة. ومتى تحقق ذلك، ستتحرر الأسر من "فوبيا العيب"، ويتحول العيد إلى مناسبة للفرح الجماعي والطمأنينة، لا مناسبة للتوتر والاقتراض والتكلّف.
ولإنجاح هذا التحول، ينبغي أن يُسند التوجيه الملكي الحكيم بعلماء الدين، والإعلام، والمجتمع المدني، حتى يتيقّن المواطن المغربي أن الأضحية ليست شرطًا لصحة الإيمان ولا لسلامة الانتماء، بل هي عمل تعبدي جميل، يسقط وجوبه حين تغيب القدرة أو تتغير الظروف. ولا يليق أن يتحول موسم الرحمة إلى موسم محاسبة اجتماعية قاسية.
فما تقوم به إمارة المؤمنين في هذا السياق، هو تحرير للدين من سلطة الجماعة، وتحويل الممارسة الدينية إلى قناعة مسؤولة. وهذا التوجه لا يُضعف الطقوس، بل يُنضجها، ولا يُلغي التقاليد، بل يُنقيها من شوائب الاستعراض والاضطرار.
وختامًا، لا يتعلق الأمر بالأضحية وحدها، بل بمنظومة كاملة من الممارسات الاجتماعية التي تحتاج إلى مراجعة هادئة، تراعي التحولات دون أن تجرح الحس الديني. ومن شأن إمارة المؤمنين، بما تمثله من مرجعية موثوقة، أن تقود هذا التحول بكل حكمة وتدرّج: من ثقافة القطيع إلى ثقافة الاقتناع، ومن طقوس الإلزام إلى طقوس المعنى.