Friday 9 May 2025
فن وثقافة

إطلالة على الحياة من نافذة الموت.. قراءة في ديوان -آنا أخماتوفا- للشاعر حسن نجمي

إطلالة على الحياة من نافذة الموت.. قراءة في ديوان -آنا أخماتوفا- للشاعر حسن نجمي الشاعر حسن نجمي
بين أيدينا الآن ديوان جديد للشاعر المغربي حسن نجمي الذي ساهم بإصداراته، كما هي عادته، في فعاليات النسخة الثلاثين من المعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط. في هذا الإطار، كان حسن عريس حفل توقيع هذا الديوان بمعية ديوان آخر حديث الصدور كذلك؛ وذلك بالتحديد يوم سادس وعشرين أبريل الماضي.
المجموعة الشعرية الأولى تنطوي تحت عنوان يوحي بطوبوغرافية الموت: "ضريح آنا أخماتوفا"، بينما المجموعة الثانية يوحي عنوانها بسطوة مملكة الحواس: "يتشهاك اللسان".
 
في صدارة مجموعة "ضريح آنا أخماتوفا" المصنفة كما سابقاتها في خانة قصيدة النثر، تطالع المتصفح أربع منقوشات كتابية تحوم حول شبح الموت المرعب. تليها مقدمة حررها الدكتور منير السرحاني مقرا بأن الشاعر حول فكرة الموت إلى "تجربة قد نسخر منها، نتهيب من تابوتها ". ومن ثم، يواصل الدكتور، جاء الديوان على خمسة فصول سردية تحكي تلك الفكرة وتحولاتها رغم أن جوهرها يظل هو نفسه: "كجثة طفل ألقى بها البحر، بالقرب من الحياة، مرايا، المستشفى العسكري، وقصائد الكاريبي".
 
 
انطلاقا من هيمنة السرد على أشكال الخطاب، يحق لنا أن نتساءل عما إذا كان من الممكن، بالنسبة إلى نمط القصيد الذي نحن في حضرته الآن، التخلص من أسار التاريخ ونسيان أحداثه سعيدة كانت أم مأساوية. وبما أن شاعرنا كائن حي يناجي الموت فقد هزه، كما العالم بأسره، حدث مأساوي أعطى بعدا آخر لمعاناة اللاجئين في كل مكان. لهذا، افتتح ديوانه بصورة لجثة الطفل ألان السوري الكردي الذي لم يتجاوز الثالثة من عمره، وهو مكب على وجهه، مرتد قميصا أحمر وسروالا قصيرا أزرق ومنتعل حداء ما يزال. كان قد وجده شرطي مرميا على شاطئ بودروم في تركيا بعد أن كان برفقة والديه وأخيه أثناء محاولتهم الوصول إلى اليونان بواسطة قارب وعلى متنه لاجئون سوريون هاربون من جحيم الحرب الأهلية السورية.
 
 
 
غرق الطفل ألان في البحر بعد أن انزلق من يد والده عقب انقلاب القارب في عرض البحر الأبيض المتوسط. وتناسلت الأخبار من هذا الحدث مشيرة إلى أن أخاه ووالدته لقيا حتفهما غرقا.
 
وبينما تتطور فقرات هذه القراءة على فضاء النت مع تسريبات اقتضاها البحث الآني وخرجت عن سيطرة الأنامل، دخل الأديب المصري والناقد التشكيلي، سيد جمعة، على الخط بتعليق جاء فيه أن ألان السوري لن ينسى كما لم ينس الطفل الفلسطيني، محمد الدرة، الذي احتضنه أبوه ليحميه من الرصاص الإسرائيلي.
 
على غرار المجاميع القصصية التي يختار مؤلفوها عنوان إحدى القصص ليكون العنوان الرسمي للمجموعة، كذلك فعل حسن نجمي في هذا الديوان وفي غيره: "ضريح آنا أخماتوفا" قبل أن يكون عنوان الديوان هو عنوان القصيدة التي أعقبت تلك القصيدة الأولى التي ذكرنا فيها الشاعر بمأساة الطفل ألان.
 
 
من هذه القصيدة، قد يخرج القارئ بما يشبه تأثر السارد بالشاعرة والناقدة الأدبية والمترجمة الروسية التي تعتبر من أركان الأدب الروسي في القرن العشرين. عذبتها آلام الحياة، فحولتها إلى أدب عذب، ودخلت وابنها السجن بسبب مناهضة الثورة الشيوعية. تميزت منذ صغرها بطبعها الحاد، وفي نفس الوقت اتسمت بالذكاء والفطنة، فتعلمت القراءة - وهي في سن الخامسة - من أعمال الكاتب الروسي الشهير ليف تولستوي، وأجادت اللغة الفرنسية وهي تسرق السمع لدروس اللغة الفرنسية التي كان يتلقاها أشقاؤها.
 
في ثنايا مناجاة الموت عبر قصائد الديوان، يتبين للقارئ انفتاح حسن نجمي على الأدب العالمي بدء بالأساطير القديمة كما دونت في الإليادة والأوديسا والتي تشهد على حضورها الإحالة إلى إله الحب كيوبيد وآلهة الجمال فينوس، مرورا بعوليس ووصولا إلى سيزان وبريشت، وشعراء اليونان المعاصرين، مثل ريتسوس وكفافيس وثيودوراكيس "كآخر أسلاف الجمر"، وانفتاحه أيضا على فن الغناء عبر استحضاره لـ"مغنية البلوز المدهشة سيزاريا إيفورا التي تغني حافية القدمين".
 
يقيم الشاعر علاقة خاصة بالموسيقى، هذه قناعة لا يشذ عنها كاتب "رأس الشاعر". وهي نفس القناعة التي حدت بالدكتور منير السرحاني لأن يقول في مقدمة الديوان: "لعل قصيدة النثر تذهب بعيدا في تفاصيلها لتحكي وحدة الآلات الموسيقية مثل الكونتراباس الذي يجري كما نهر حزين والأوتار المرتبكة والكمنجات المجروحة، ورقصة شارلي شابلن السوداء فوق بلاط المأتم".
 
ولعل شغف الشاعر بالكلمة المموسقة والمغناة هو ما جعله يستلهم أغنية أمريكية تقول لازمتها الأساسية: لا تفتح النافذة إن لم يكن هناك قمر!
 
عن أسلوب حسن في الكتابة، قال الشاعر السوري المثنى الشيخ عطية، في مقال أفرده لهذه المجموعة ونشرته جريدة "القدس العربي" الإلكترونية يوم 18 سبتمبر 2021 تحت عنوان ("ضريح أنّا أخماتوفا» مجموعة الشاعر المغربي حسن نجمي: قسوة وعذوبة نشيد الموت بكامل ثياب الليل)، (قال) إن أغلب القصائد التي تتكون منها المجموعة "يغلب عليها طول الصفحة كمتوسط، ويميزها أسلوب نجمي الخاص في تركيب الجملة الشعرية القصيرة، بإدهاش التراكب وفق طلاقة الكتابة الآلية، وأساليب ما بعد الحداثة التي زوّد بها العلمُ الشعرَ في فتح الآفاق على تداخل الأكوان، وبلغته الخاصة الأنيقة التي تحرص على أن لا تخدش الهواء بمرورها، رغم جرأة اقتحامها داخل القارئ. مع قوة ترابط مفرداتها ومعانيها بموضوعاتها، ليس على صعيد القصيدة الواحدة فحسب، بل تخطياً كذلك لمسح بقية القصائد بالترابط في باقة".
 
ختاما، بين دفتي هذا الديوان الذي ينهل كلماته من معجم الموت والحياة، تسكن معان عميقة ومتعددة، تشير إلى العديد من المواضيع، مثل: الموت، الحياة، الخوف، الشجاعة، والقرارات الصعبة، إلخ.. تحمل هذه المعاني عبارات تشير إلى حالة من الجمود واللاشعور، أو، ربما، إلى فترة من الحياة كانت صعبة أو قاسية. ولهذا كانت لهذه العبارات حمولة فلسفية عميقة، وفائدة في الدعوة إلى التأمل في الحياة والموت، عسانا نهتدي إلى طريقة مثلى في التعامل مع التحديات والصعوبات.