عندما سافر المفتش العام للقوات المسلحة الملكية أمس إلى قطر، بتعليمات من الملك محمد السادس القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية، فلأن المغرب لا يتصرف في إطار سياسته الخارجية انطلاقا من العواطف ومن الانفعالات ومن ردود الفعل المتشنجة.
المغرب حسب المتابعين لشؤونه الخارجية، يبني علاقاته مع الدول على الحكمة والتبصر، وعلى مبدأ الربح والمصلحة المشتركة. وهو هدف لا يتحقق سوى بالحوار، والإقناع.
الملك محمد السادس، حتى مع الجزائر التي ناصبته العداء بأحقر الأساليب وواجهته بأبشع الطرق على مدى نصف قرن، مد لها اليد ووجه لها الخطاب مطالبا إياها بأن تجلس مع المغرب حول مائدة المفاوضات، وتفتح معه القضايا التي تتنازع معه حولها لمعرفة ما تريد منه بالضبط، ولإيجاد الحل للخلاف، علما أن الخلاف مفتعل، ويتمثل في أن الجزائر تريد أن تحصل على منفذ نحو المحيط الأطلسي، وتدعم مرتزقة كي يحاربوا المغرب في صحرائه الغربية التي استعادها كليا منذ سنة 1979، في انتظار استعادة صحرائه الشرقية.
الآن، يجب طرح بعض الأسئلة المرتبطة بزيارة المفتش العام للقوات المسلحة الملكية لقطر أمس وما ترتب عنها.
لماذا زيارة المفتش العام للقوات المسلحة الملكية لقطر أعقبها إقدام قناة الجزيرة على الإعلان عن أن شركة ميرسك نفت لها صحة الأخبار والادعاءات ضدها؟
ألا تكون الزيارة رفيعة المستوى للمفتش العام للقوات المسلحة الملكية، بتعليمات ملكية، حملت رسالة قوية ومباشرة إلى الجانب القطري بشأن استياء المغرب العميق من التغطية الإعلامية لقناة الجزيرة؟
ألا يكون المغرب قد أوضح الآثار السلبية لهذه التغطية على العلاقات الثنائية وعلى الاستقرار الداخلي للمغرب؟
أليس إقدام قناة الجزيرة على نشر نفي شركة ميرسك بعد الزيارة، الهدف منه هو احتواء التصعيد وتجنب المزيد من التدهور في العلاقات بين البلدين؟
لماذا قناة الجزيرة أعلنت أمس تحديدا أن ميرسك نفت لها الادعاءات ضدها واعتبرتها تضليلا؟
هل شعرت قناة الجزيرة بالضغط المتزايد نتيجة الانتقادات الموجهة لها في المغرب، وأدركت أن استمرار تجاهل رواية ميرسك سيضر بمصداقيتها؟
ثم لماذا هذا التواصل المتأخر من قناة الجزيرة مع الشركة الدنماركية؟
أليس هو محاولة منها للظهور بمظهر المهنية بعد فوات الأوان؟
لماذا لم تتواصل الجزيرة مع ميرسك طوال الأسابيع الماضية وكانت تقوم ببث أخبار معززة بفيديوهات تظهر الاحتجاجات الجماهيربة ضد الشركة، وكانت صيغة التقارير الإخبارية مكتوبة بلغة يقينية، وكأن الشركة بالفعل متورطة في حمل أسلحة إبادة في اتجاه إسرائيل؟
أليس عدم تواصل قناة الجزيرة مع شركة ميرسك طوال فترة تغطيتها المضللة، يطرح علامات استفهام كبيرة حول مهنيتها ومصداقيتها؟
ألا يكشف ذلك أن الأولوية لدى هذه القناة هي خدمة أجندة إعلامية معينة تهدف إلى تسليط الضوء على علاقات ميرسك بإ S رائيل وتأثير ذلك على الموانئ المغربية، بغض النظر عن دقة المعلومات أو حق الرد للشركة؟
ألا يعني ذلك أن قناة الجزيرة كانت تتحيز بشكل مسبق لما يتعارض مع مصالح الشركة ومع مصالح المغرب، وهو ما جعلها تتجاهل وجهة نظر الشركة وتعتمد فقط على مصادر تدعم روايتها؟
ألم تكن القناة تسعى بذلك إلى تأجيج الرأي العام المغربي وخلق حالة من الاحتقان ضد ميرسك والموانئ المغربية، وبالتالي فإن الاستماع إلى نفي الشركة لم يكن يخدم هدفها؟
ألم تكن القناة بتركيزها على تغطية الاحتجاجات وتضخيمها، تخدم بذلك أهدافها الإعلامية المشبوهة، دون الاهتمام بتقديم صورة متوازنة أو التحقق من صحة الادعاءات التي أدت إلى الاحتجاجات ضد الشركة في المغرب؟
هل السلوك الذي كانت تقوم به هذه القناة مهني وأخلاقي؟
هل تغطية قضية شركة ميرسك دون التواصل معها للاستماع إلى ردها يتماشى مع القيم المهنية ومع المصداقية ومع أخلاقيات مهنة الإعلام؟
ألا يعني غياب "الرأي والرأي الآخر" في موضوع شركة ميرسك، وهو الشعار الذي ترفعه القناة، أن هناك تجاهلا لطرف أساسي في القضية، وأن هذا يتناقض بشكل صارخ مع شعار القناة نفسه؟
هل نشر اتهامات خطيرة دون محاولة التحقق منها من الطرف المعني لا يعتبر تضليلاً للجمهور؟
هل تغطية الاحتجاجات بشكل انتقائي دون تقديم سياق متوازن أو التحقق من الأسباب الجذرية، ليست سلوكا من شأنه تأجيج التوتر وعدم الاستقرار؟
ألا تقع على عاتق وسائل الإعلام مسؤولية تقديم معلومات دقيقة وموضوعية للجمهور، وهو ما يبدو أن قناة الجزيرة قد أخفقت فيه في هذه الحالة؟
السؤال الأخير:
هل أرضى أن يكون لبلدي مثل هذا الإعلام الحقير، إعلام الرعاع، الذي يتلاعب بالعواطف الهشة وبالعقول الضعيفة ويؤجج الجماهير، موهما إياهم أنه إعلام مناضل يدافع عن فلسطين ويناهض إسرائيل، بينما البلد الحاضن لهذا الإعلام توجد فوق أرضه أكبر قاعدة أمريكية في الشرق الأوسط، تستقبل طائرات شحن عملاقة من السواحل الأمريكية مليئة بأسلحة الإبادة قبل أن يتم توجيهها نحو إسرائيل، ويشارك جيشه حاليا في اليونان، في مناورات عسكرية إلى جانب جيش إسرائيل؟
هل قناة الجزيرة يعتبرها العاقلون قناة عاقلة كي أرضى أن يكون في بلدي إعلام على شاكلتها؟
الآن، ينبغي على المسروحين أن يتوقفوا عن الضجيج.
لقد قالت لكم قناتكم التي تخاطبكم بمستوى عقولكم، عودوا إلى بيوتكم الآن.
وهذا ما كان.
