الاثنين 21 إبريل 2025
كتاب الرأي

بنسعيد الركيبي: الصحراء المغربية بين الهوية المفتوحة والهوية المصطنعة

بنسعيد الركيبي: الصحراء المغربية بين الهوية المفتوحة والهوية المصطنعة بنسعيد الركيبي
في فضاء الصحراء، حيث يلتقي الرمل بالسماء، لا تنبعث حكايات الناس من الكتب، ولكن من حياة يومية تنبض في العيون والداخلة والسمارة وبوجدور ... هناك، لا تحتاج لسماع الشعارات، بل يكفي أن تجلس في مقهى بسيط، تتبادل أطراف الحديث مع شيخ أو شاب، لتفهم أن "الإنتماء" ليس كلمة تعلق على الجدران، بل إحساس عميق يستقر في القلب، ويتجلى في الممارسة اليومية.
 
ورغم ذلك، ما تزال هذه الأرض، التي كانت عبر التاريخ امتدادا طبيعيا للمجال المغربي، محط جدل سياسي لا ينتهي بين من يؤمنون بهوية مفتوحة، نابعة من روابط التاريخ والدين والثقافة، وبين من يروجون لهوية مصطنعة تختزل في مشروع سياسي انفصالي تم بناؤه على رمال الخلافات الجيوسياسية، ليجد الإنسان الصحراوي نفسه في قلب نزاع لا يشبهه.
 
الهوية في عمقها لا تخلق بقرارات أممية، ولا تفصل على مقاس بيانات سياسية، إنها حصيلة قرون من التعايش من البيعة للسلطان...من تقاطع الرحل والتجار والزوايا والعلماء...من ذاكرة جماعية تحفظ في الحكايات الشفوية أكثر مما تكتب في الوثائق. والصحراء، في هذا السياق، لم تكن يوما أرضا بلا امتداد، ولا سكانها جماعة بلا مرجعية.
 
لكن منذ منتصف السبعينات، حاولت أطراف معينة إقناع العالم بوجود "شعب جديد" في خريطة شمال إفريقيا، شعب لا يشبه باقي جيرانه، له هويته السياسية الخاصة، وله "ممثل شرعي ووحيد" لا يقبل النقاش. وفي المقابل برزت فئة أخرى من الصحراويين وتمثل الأغلبية، تعيش في مدنها تحت السيادة المغربية...تشتغل، تدرس، تصوت، وتحتفظ بهويتها الثقافية، دون أن ترى في ذلك أي تعارض مع كونهم مغاربة. هم أبناء نفس الأرض، لكنهم لم يختاروا الإصطفاف في معركة ترسم معالمها خارج حدودهم.
 
إن الانتماء لا يفرض ولا يشترى بالدعم الخارجي، فهو إحساس بالدفء حين يذكر الوطن، هو ذاك الخليط العجيب من الحنين والإعتزاز والمسؤولية. فكثير من الصحراويين الذين زاروا مخيمات تندوف عادوا مثقلين بالأسئلة، بعضهم وجد في تلك "الجمهورية المعلقة" بعدا إنسانيا، لكنهم كثيرا ما صدموا من واقع الحياة، ومن المسافة بين الخطاب والواقع. ففي المدن الجنوبية المغربية، ورغم بعض الإكراهات، تنبض حياة مدنية فيها فرص واحتكاك بالدولة ومؤسساتها. هناك انتقادات نعم، ولكن هناك شعور بالانتماء، بالأمل وبأن المستقبل يمكن صناعته من الداخل.
 
والسؤال الذي أضحى يطرحه كثير من المراقبين اليوم هو: من يمثل فعلا ساكنة الصحراء؟ هل هم أولئك الذين يعيشون داخلها، يشاركون في تنميتها، ويتفاعلون مع محيطهم؟ أم أولئك الذين يتحدثون باسمها من خارجها، ويرسمون لها مستقبلا لا يراه أبناؤها واقعي..؟
 
إن الصحراء ليست فقط موضوع نزاع سياسي، بل قضية هوية ومعنى. بين هوية مفتوحة تقبل الإختلاف وتبنى على التاريخ، وهوية مصطنعة تختزل في مشروع انفصالي قائم على فكرة الإقصاء. ويبقى الخيار الحقيقي في يد أبناء الصحراء أنفسهم. وهم، أكثر من غيرهم، يعرفون جيدا أين توجد جذورهم، وإلى من تعود بيعتهم، وماذا تعني كلمة "الوطن" حين تقال بصدق.