لا يتجاوز ثمن السردين ثلاثة دراهم في سوق الجملة أو في نقطة الانتقاء، في حين قد يصل ثمنه إلى 20 درهما، ونفس الشيء بالنسبة لباقي الأنواع.
إن تقلب الأسعار بهذا الشكل يختلف باختلاف أنواع الأسماك، كالسمك السطحي والسمك الأبيض أو السمك “لونوبل”، بحسب الأنواع والأحجام. فكلما ارتفع ثمن المنتوج، قلّ عدد الوسطاء، لأن الشريحة العريضة للمستهلكين تقبل على استهلاك هذا السمك السطحي “الماكرو“.
لا يكادُ يصدّق عدد الوسطاء في هذا القطاع، خاصة عندما تبتعد نقطة البيع للمستهلك على نقطة الانتاج “ميناء الصيد“. هناك أسباب أخرى ترتبط ببنية مسالك التسويق، لأن التهريب الممنهج لهذه الأسماك وبيعها خارج المسالك القانونية، أصبح ظاهرة معروفة في الميناء أكادير، حيث إن جزء كبير منها يباع على الرصيف خارج المسالك القانونية مباشرة، ما يسمى بالبيع غري أغري، يعني دون المرور بسوق الجملة، بتوافق ما بين المُجهز والسماسرة أو المجهز والبائع بالجملة على ظهر الباخرة.
علاوة على ذلك، هناك أسباب أخرى، ونذكر التضليل المتعمد لإنجاز العملية التجارية القانونية طبقا لقانون حرية الأسعار والمنافسة، لأنه في الكثير من الأحيان نجد أن الفاتورة مُغيبة تماما في العلاقات التجارية التي تربط ما بين المجهزين وتجار الأسماك بالميناء، رغم إلزاميتها ما بين المهنيين طبقا لمقتضيات القانون المذكور، بالإضافة إلى انعدام مفهوم الفاتورة بالمعنى القانوني، نظرا لعدم إدراج الترويسة الخاصة بالباخرة، والثمن الإجمالي وثمن الوحدة والرسوم وغيرها، في حين هناك وثائق أخرى للمكتب الوطني للصيد والمؤسسات الأخرى، ولكن الفواتير بالمعنى المحاسباتي والمعنى القانوني كما هو منصوص عليه، أو ما يسمى بالممارسات المقيدة للمنافسة فلا أثر لها في العلاقات بين المهنيين.
لذلك فهذا السلوك يُفوت على خزينة الدولة وقيمة الضريبة على الأرباح الفعلية المنجزة في هذا القطاع، لأنه عندما يصرح رب الباخرة بحمولة أقل في الحجم والنوع، لأن الضريبة تستخلص حسب نوع الأسماك (“نوبل” أو الأبيض أو العادي)، وبالتالي فنسبة الضريبة تزداد كلما كانت جودة السمك عالية والنوع ممتازا.
إن هذا السلوك يجعل الدولة يفوت عليها مجموعة من المداخيل، خاصة عندما يقترن هذا التصريح الكاذب حول حجم ونوع الأسماك المصطادة، لأنه أحياناً، يصرح المهني بصيد عشرة أطنان بدل 30 طنا، مما يفوت على صندوق الدولة مبالغ مهمة بسبب التحايل في التصريح.
من جهة أخرى، هناك أسباب لوجيستيكية، هذه الأسباب اللوجيستيكية لأن رغم ما يبدله الباحثون المؤهلون خصوصاً لهذه المهنة في إطار الصلاحيات الموكولة لهم بمقتضى القانون المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة، إلا أنهم يجدون أنفسهم عاجزين على مواجهة هذه المسالك المرتبطة بتسويق الأسماك بأسطول قوي وبمرتفقي ميناء أكادير الذين يتجاوز عددهم 30 ألف مرتفق في اليوم، 70% من المهنيين داخل الميناء لممارسة التجارة. إذن هذه العملية التجارية تستوجب مخطط لوجيستي مهم وإمكانيات لوجيستية للمصالح الاقتصادية والاجتماعية.
تختلف الحلول باختلاف القطاعات الاستهلاكية، فعلى مستوى هذا القطاع، تكمن الحلول الأساسية أولاً في التصدي لظاهرة الوسطاء لأن عددهم الوسطى قد يصل إلى 6 في بعض الأنواع الأسماك التي تعرف إقبالا شديدا وخاصة في بعض الفترات كشهر رمضان أو بعض المناسبات. إذن هذه الظاهرة هي التي تعيق التطبيق السليم لقانون العرض والطلب.
من منظورنا، ومن الزاوية التي نرى فيها نحن كمجتمع مدني وفي إطار القوانين الطبيعية المنظمة لمسالك تسويق الأسماك، فيمكن التصدي للوسطاء من خلال تفعيل ثلاث آليات أساسية:
الآلية الأولى: هي الفصل 62 من القانون 12-104، خاصة البند الثاني منه، يعتبر أن حيازة مدخر من بضائع أو منتوجات ما لأجل البيع لدى أشخاص غير مقيدين في السجل التجاري ادخارا سريا. إذا تفعيل مقتضى الفصل 62 من هذا القانون جدير بأن يؤخذ به ويُفعل من أجل التصدي للوسطاء وإثبات المخالفات في حقهم كما هو منصوص عليه في القوانين المذكورة.
الآلية الثانية: ضرورة محاربة الاحتكار الذي يمارس أحياناً من قبل تجار الأسماك بالجملة، من خلال إلزام أرباب المراكب باخذ الصناديق بأسمائهم المُرقمة على ظهر المراكب، الشيء الذي يبين أن هناك اتفاق ضمني ما بين بائع الجملة والمُجهز “صاحب القارب“، يعني أنه عند صيد الحمولة سيتم تفريغها في صناديق التي تحمل نفس الاسم يعني أنه هناك اتفاق فيما بينهم وهذا يخالف قانون المنافسة، من جهة هو يعتبر تاجر الجملة محتكر للمركب لأنه لم يمكنه من البيع بمكان آخر، ومن جهة أخرى فرب المركب مرتكب لمخالفة عدم المنافسة لكونه قام بتعيين الشخص.
إذن إذا كيفنا هذا الإجراء، خصوصا أننا بصدد الحديث عن السمك السطحي، ثم هناك التفعيل الضروري للمقتضيات المتعلقة بالفواتير الإلزامية بين المهنيين من أجل ضبط هذه الحالات المرتبطة بتعدد الوسطاء، لكون الوسيط لا يمكنه تحرير الفاتورة في مجال صيد الأسماك لعدم توفر السند القانوني.
الآلية الثالثة: تتعلق باقتراح أو توصية أخرى ترتبط أولاً بالاهتمام بجمعيات المجتمع المدني باعتبارها جزء من نسيج الاستهلاك الوطني، فالجمعيات أو مكوناتها فهي بمثابة مستهلك قبل أن يكونوا أعضاء في هذه المؤسسات، لدى ينبغي إعادة الثقة وأواصرها ما بين جمعيات المجتمع المدني والمستهلكين عبر السلطات العمومية من خلال عمليات تحسيس يمكن أن تقوم بها السلطات العمومية بتعاون مع جميع الأجهزة الحكومية الأخرى.