الأربعاء 19 فبراير 2025
كتاب الرأي

محمد عزيز الوكيلي: الجزائر الجديدة.. "الورطة تلو الورطة"!!

محمد عزيز الوكيلي: الجزائر الجديدة.. "الورطة تلو الورطة"!! محمد عزيز الوكيلي
يذكّرني موقف الجزائر الجديدة، السياسي والدبلوماسي خاصةً... بذلك الوصف الشعبي الساخر، الذي يتندّر أصاحبُه على كثرة المقاهي في حواضر هذا الزمن الملتبس مستعملين تعبير: "بين كل مقهى ومقهى يوجد مقهى"!!

جزائر اليوم، التي وصفها الرئيس عبد المجيد تبون بالجديدة، وما هي بتاتاً بالجديدة، تعيش وضعاً لا يختلف في شيء عن ذلك الوصف الساخر، فبين كل ورطة وورطة توجد ورطة أخرى... وكذلك حال هذه الجارة بلا انقطاع!!

منذ أكثر من نصف قرن، ورّط النظام الجزائري نفسه في نزاعٍ دامٍ حول الصحراء المغربية، افتعله ذلك النظام افتعالاً في ظل حرب باردة انتهى أمرُها، وانطفأ أوارُها، ففقد الموقف الجزائري بذلك مرجعيتَه الإيديولوجية، وفقد معها علةَ وجودِ النزاعِ ذاتِه، ورغم ذلك، لم يجد ذلك النظام الكسيح مَنفَذاً يخرج عبره من دائرة ذلك النزاع... وهي الدائرة التي لا تفتأ تَضِيق، وتزداد ضيقاً، وتزيد الأداء السياسي والدبلوماسي الجزائري تدهورا واختناقاً، حتى صارت العمليات السياسية والدبلوماسية التي ترتكبها رئاسةُ الجزائر وخارجيتُها حاملةً في أحشائها جذورَ فشلها، وبشكلٍ مُسْبَقٍ لم يَسْبِقْ له نظير!!

قبل أيام، انتبه نظام الجزائر إلى أنه أضاع كل ما كان يتمتع به داخل الاتحاد الإفريقي من نفوذ بلغ ذات زمان إلى درجة الهيمنة. وبطبيعة حال ذلك النظام، الذي ليس في حقيقته إلاّ تاجرَ شنطة يبيع الغاز ويستخلص ثمنه ثم يُبَدِّده بِسَفَهٍ وبلا بوصلة، فقد كان يتمتع بتلك المنزلة بين فقاقيع إفريقيا بسبب ما كان يوزّعُه من الهبات والرشاوي والإكراميات على أنظمة إفريقية فاسدة، وقابلة بالتالي لبيع ذممها لكل من يدفع أكثر... ولمّا كان المغرب شبه غائب عن العمق الإفريقي في ذلك الزمان الضبابي، فقد وجدت الجزائر الفرصة إلى فرض عضوية جمهوريتها الوهمية، وكعضوٍ مؤسِّس يا حضرات (!!!)، واضطرت لكي تحقق لها تلك الصفة إلى الدفع باتجاه إعادة تشكيل منظمة الوحدة الإفريقية، في شكل اتحاد متهلهل، حتى يستطيع شمكار سياسي مثل إبراهيم غالي أن يجد مقعدا بين أعضائه... وبقي الحال على ذلك المنوال إلى أن قرر المغرب العودة لبيته الإفريقي فكان أول ما فعله، كما نعلم جميعاً، أنه جرّد نظام الجزائر بكل أمواله السائبة من نفوذه، فأوقعه بذلك في ورطة جديدة، وجعله يقتات سياسياً ودبلوماسياً على "ردّات الفعل" وليس أكثر، بعد أن كان الفاعل الأول والأثقل في إفريقيا وفي اتحادها، وها هو هذا النظام، الآن، في ورطة البحث عن أي مخرج يؤمّن له إبقاء لقيطته الجنوبية داخل البيت الإفريقي، وهو المطلب الذي لن يتحقق إلاّ نقيضُه، بعد أن أضحى طردُ ذلك المسخ مسألةَ وقت فحسب!!

منذ عقود، تورّط نظام الجزائر، أيضاً، في علاقة مريبة مع روسيا الاتحادية جعلته ملتزماً بشراء آلاف الأطنان من السلاح والذخيرة ومختلف أنواع القذائف والمتفجرات من مستودعات السلاح الروسي المتقادم، في غمرة حمّى كمّية لا مكان فيها لعنصر الكيف والنوع، لأن الهدف لم يكن تقوية الجيش الجزائري بقدر ما كان صبّ ملايير الدولارات من العمولات المنهوبة في الحسابات البنكية الأوروبية لأبناء كابرانات النظام ذاته، كما كان الهدفَ أيضاً، تأمينُ موقف روسي مساند للنظام الجزائري في نزاعه المفتعل مع جاره المغربي... وإلى غاية أيام الله هذه، لم يستطع ذلك النظام تخليص نفسه من هذه الورطة، التي جعلته يخلّص روسيا من خرداتها الحربية دون أن يضمن لجيشه "الشعبي" تجهيزاً راقياً يستجيب لمعايير التسليح الحداثي المتطور والمتنوع، ودون حتى أن يؤمّن لنفسه موقفا روسياً واضحاً يجعل الروس يستعملون حق الفيتو من أجل سواد عيون سكان الموراديا!!

والآن، يجد نظام الجزائر نفسه على الصعيد الإفريقي في موقف لن يَحسُدَهُ عليه عاقلٌ، فقد خسر سباقه مع المغرب في كل المحافل والمؤسسات والهيئات التابعة للاتحاد، فلما توجّه وزير خارجيته أحمد عطاف إلى إثيويبا حيث مقر هذا الأخير، لكي يتدارك الأمر، لم يفلح بدوره، فلما دعت الحاجة إلى التدخل المباشر لرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون صُعِقَ هذا الأخير بمجرد وصوله إلى مطار أديس أبابا، حيث وجد في استقباله وزير النقل الإثيوبي، فقط لا غير، بدلاً من رئيس الدولة كما هو معمول به في كل بلاد العالم، وتلك رسالة واضحة من الرئاسة الإثيوبية تكاد تقول للسي عبد المجيد تبون بصريح العبارة: "ما كان عليك أن تتعب نفسك بالمجيء إلينا شخصيا"... وبالتالي فلا شيء في الموقف الإثيوبي سيتغير!!

هذا إذَن قَدَرُ النظام الجزائري: "بين كل ورطة وورطة تولد ورطة جديدة"، إلى أن يأذن رب العزة باندثار رسمه وذهابه إلى مزابل التاريخ!!

تُرى متى سيتحقق ذلك؟.. ذاك هو السؤال!!
 
محمد عزيز الوكيلي، إطار تربوي