«التاريخ يسجل ولا يرحم، فهو لا يعترف إلا بالحقائق، ولا يغفر الأخطاء فهي تُكتب في صفحات الزمن.» بهذه الكلمات، عبر الفيلسوف الفرنسي توماس كارليل عن حقيقة أساسية: التاريخ لا يقبل التزوير ولا التشويه.
من هذا المنطلق، وبإستحضار التدخلات الجزائرية في الشؤون الإفريقية، بمختلف صورها، سنقف على انها ستظل جزءًا من سجل تاريخي حافل بالأحداث تكشف سعي الجزائر لتحقيق الذات على حساب إستقرار القارة.
منذ استقلالها، تعددت تدخلات الجزائر في الشؤون الداخلية للعديد من دول القارة الإفريقية، هذه التدخلات لم تكن محض ردود فعل على الأزمات بل جزء من سياسة استراتيجية تهدف إلى تعميق تأثيرها في منطقة ذات مصالح حيوية لها، ما انعكس سلبًا على استقرار الدول الإفريقية التي طالتها يد التدخل الجزائري.
التدخلات الجزائرية في ليبيا ودول الساحل الافريقي
بعد سقوط نظام معمر القذافي في 2011، بدأت الجزائر تتدخل بشكل مباشر في الشؤون الداخلية الليبية. على الرغم من ادعائها الحياد في النزاع، غير أن تقرير لجنة الخبراء المعنيين بليبيا الصادر عن الأمم المتحدة في 2013 رقم S/2013/99، قدم أدلة دامغة على تورط الجزائر في دعم أطراف مختلفة داخل ليبيا، حيث أشار بصريح العبارة الى أن الجزائر كانت تقدم الدعم العسكري لبعض الفصائل داخل ليبيا رغم إعلانها الحياد، مما ساهم في تعميق الفوضى والاضطرابات في البلاد، وأدى إلى تدهور الوضع الأمني وانتشار الجماعات المتطرفة مثل «داعش» و«القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» (الصفحة( 21.
أما في مالي، فقد كشفت دراسة نشرها معهد الدراسات الأمنية في 2015 بعنوان «The Role of Algeria in the Mali Crisis: A Reassessment» عن الدور المزدوج للجزائر، حيث كانت تدعي محاربة الإرهاب في المنطقة بينما كانت تدعم بعض الجماعات المسلحة والمتعارضة فيما بينها بشمال مالي، وهو ما يعكس الرغبة في الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية على حساب إستقرار الأوضاع في مالي.
التدخلات الجزائرية في الشأن التونسي في عز الثورة
منذ اندلاع الثورة التونسية في 2011، سعت الجزائر إلى التدخل في الشأن التونسي عبر تقديم دعم سياسي واقتصادي لقوى سياسية مختلفة، حيث أكد تقرير وزارة الخارجية الأمريكية لسنة 2012 إلى أن الجزائر قدمت دعماً سياسياً لعدة أطراف تونسية في تلك الفترة. كما ورد في دراسة لمعهد الدراسات الأمنية (ISS) North Africa and the Arab Spring: A Strategic Reassessment في الصفحة 42، أن الجزائر كانت تسعى للهيمنة على المشهد السياسي في تونس من خلال دعم أطراف متناقضة ومتصارعة، وهنا يمكن أن نستنتج من دعم أطراف متصارعة، أنه سعي نحو خلق «توازن هش» في تونس، مما يضمن استمرار الصراع الداخلي من جهة، حتى تتمكن الجزائر من التأثير في التحولات السياسية التي تشهدها تونس بعد الثورة.
تورط الجزائر في الأزمات الأمنية: النيجر وتشاد
في تشاد، قامت الجزائر بالتورط في دعم بعض الحركات الانفصالية التي كانت تسعى لإضعاف الحكومة التشادية. وقد أكدت ذلك تقارير الأمم المتحدة، مثل تقرير لجنة الأمم المتحدة بشأن تشاد الصادر سنة 2008 (S/2008/560) الذي يؤكد في الصفحة 8 «أن الجزائر كانت توفر دعمًا لهذه الحركات المعارضة، في محاولة لاستغلال الأوضاع المتأزمة لتحقيق مصالحها الإقليمية». هذا الدعم كان يهدف أيضا إلى استغلال الأوضاع المضطربة في تشاد لتحقيق مصالح الجزائر الإقليمية، بما يتماشى مع استراتيجيتها وسياستها الخارجية.
أما في النيجر، فقد كان التدخل الجزائري مشابهًا، حيث حاولت الجزائر الاستفادة من التوترات الأمنية في المنطقة لدعم الحركات المسلحة، مما يعكس توجهاتها في استثمار الفوضى وعدم الاستقرار لتحقيق اهداف استراتيجية ضيقة.
سياسة الجزائر الخارجية تقوم على خلق بيئة غير آمنة
من خلال استعراض تدخلات الجزائر في الشؤون الداخلية في ليبيا ومالي وتونس وتشاد على سبيل المثال لا الحصر ، يمكننا أن نستخلص أن الجزائر تتبنى سياسة خارجية ترتكز على خلق حالة الفوضى وزعزعة استقرار جيرانها، في محاولتها منها للهيمنة على التوازنات السياسية في المنطقة ومعاكسة المغرب ، و قد وظفت في ذلك الجماعات الإرهابية والتنظيمات المسلحة والاوضاع الأمنية المضطربة ، كوسيلة ضغط لتحقيق مصالحها الخاصة. وفي حين تدعي الجزائر محاربة الإرهاب، تكشف الأدلة على أرض الواقع عن دورها في تعميق التوترات الإقليمية ودعم التنظيمات الإرهابية والانفصالية لزعزعة استقرار المنطقة.
إن انكشاف تورط الجزائر في زعزعة استقرار محيطها الإقليمي وانكشاف تورطها كذلك في العديد من بؤر التوتر في العالم، يسلط الضوء على سياستها المتخبطة والضيقة، التي لا تخدم الامن والاستقرار الدوليين.
عبد الحميد جمور، باحث متخصص في الشؤون الإفريقية والتنمية جنوب جنوب