الاثنين 17 فبراير 2025
خارج الحدود

عبد الحميد جمور: التدخلات الجزائرية فـي شؤون الدول الداخلية تفضح دورها فـي تقويض الأمن والاستقرار الدوليين

عبد الحميد جمور: التدخلات الجزائرية فـي شؤون الدول الداخلية تفضح دورها فـي تقويض الأمن والاستقرار الدوليين عبد الحميد جمور
«التاريخ‭ ‬يسجل‭ ‬ولا‭ ‬يرحم،‭ ‬فهو‭ ‬لا‭ ‬يعترف‭ ‬إلا‭ ‬بالحقائق،‭ ‬ولا‭ ‬يغفر‭ ‬الأخطاء‭ ‬فهي‭ ‬تُكتب‭ ‬في‭ ‬صفحات‭ ‬الزمن‭.‬»‭ ‬بهذه‭ ‬الكلمات،‭ ‬عبر‭ ‬الفيلسوف‭ ‬الفرنسي‭ ‬توماس‭ ‬كارليل‭ ‬عن‭ ‬حقيقة‭ ‬أساسية:‭ ‬التاريخ‭ ‬لا‭ ‬يقبل‭ ‬التزوير‭ ‬ولا‭ ‬التشويه‭.‬

من‭ ‬هذا‭ ‬المنطلق،‭ ‬وبإستحضار‭ ‬التدخلات‭ ‬الجزائرية‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الإفريقية،‭ ‬بمختلف‭ ‬صورها،‭ ‬سنقف‭ ‬على‭ ‬انها‭ ‬ستظل‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬سجل‭ ‬تاريخي‭ ‬حافل‭ ‬بالأحداث‭ ‬تكشف‭ ‬سعي‭ ‬الجزائر‭ ‬لتحقيق‭ ‬الذات‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬إستقرار‭ ‬القارة‭.‬
منذ‭ ‬استقلالها،‭ ‬تعددت‭ ‬تدخلات‭ ‬الجزائر‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الداخلية‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬القارة‭ ‬الإفريقية،‭ ‬هذه‭ ‬التدخلات‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬محض‭ ‬ردود‭ ‬فعل‭ ‬على‭ ‬الأزمات‭ ‬بل‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬سياسة‭ ‬استراتيجية‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬تعميق‭ ‬تأثيرها‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬ذات‭ ‬مصالح‭ ‬حيوية‭ ‬لها،‭ ‬ما‭ ‬انعكس‭ ‬سلبًا‭ ‬على‭ ‬استقرار‭ ‬الدول‭ ‬الإفريقية‭ ‬التي‭ ‬طالتها‭ ‬يد‭ ‬التدخل‭ ‬الجزائري‭.‬

‭ ‬التدخلات‭ ‬الجزائرية‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬ودول‭ ‬الساحل‭ ‬الافريقي
بعد‭ ‬سقوط‭ ‬نظام‭ ‬معمر‭ ‬القذافي‭ ‬في‭ ‬2011،‭ ‬بدأت‭ ‬الجزائر‭ ‬تتدخل‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الداخلية‭ ‬الليبية‭. ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬ادعائها‭ ‬الحياد‭ ‬في‭ ‬النزاع،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬تقرير‭ ‬لجنة‭ ‬الخبراء‭ ‬المعنيين‭ ‬بليبيا‭ ‬الصادر‭ ‬عن‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬2013‭ ‬رقم S/2013/99،‭ ‬قدم‭ ‬أدلة‭ ‬دامغة‭ ‬على‭ ‬تورط‭ ‬الجزائر‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬أطراف‭ ‬مختلفة‭ ‬داخل‭ ‬ليبيا،‭ ‬حيث‭ ‬أشار‭ ‬بصريح‭ ‬العبارة‭ ‬الى‭ ‬أن‭ ‬الجزائر‭ ‬كانت‭ ‬تقدم‭ ‬الدعم‭ ‬العسكري‭ ‬لبعض‭ ‬الفصائل‭ ‬داخل‭ ‬ليبيا‭ ‬رغم‭ ‬إعلانها‭ ‬الحياد،‭ ‬مما‭ ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬تعميق‭ ‬الفوضى‭ ‬والاضطرابات‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬وأدى‭ ‬إلى‭ ‬تدهور‭ ‬الوضع‭ ‬الأمني‭ ‬وانتشار‭ ‬الجماعات‭ ‬المتطرفة‭ ‬مثل‭ ‬«داعش»‭ ‬و«القاعدة‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬المغرب‭ ‬الإسلامي»‭ ‬(الصفحة‭( ‬21‭.‬

أما‭ ‬في‭ ‬مالي،‭ ‬فقد‭ ‬كشفت‭ ‬دراسة‭ ‬نشرها‭ ‬معهد‭ ‬الدراسات‭ ‬الأمنية‭ ‬في‭ ‬2015‭ ‬بعنوان‭ ‬«The Role of Algeria in the Mali Crisis: A Reassessment» عن‭ ‬الدور‭ ‬المزدوج‭ ‬للجزائر،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬تدعي‭ ‬محاربة‭ ‬الإرهاب‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬بينما‭ ‬كانت‭ ‬تدعم‭ ‬بعض‭ ‬الجماعات‭ ‬المسلحة‭ ‬والمتعارضة‭ ‬فيما‭ ‬بينها‭ ‬بشمال‭ ‬مالي،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعكس‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬مصالحها‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬إستقرار‭ ‬الأوضاع‭ ‬في‭ ‬مالي‭.‬

التدخلات‭ ‬الجزائرية‭ ‬في‭ ‬الشأن‭ ‬التونسي‭ ‬في‭ ‬عز‭ ‬الثورة
منذ‭ ‬اندلاع‭ ‬الثورة‭ ‬التونسية‭ ‬في‭ ‬2011،‭ ‬سعت‭ ‬الجزائر‭ ‬إلى‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬الشأن‭ ‬التونسي‭ ‬عبر‭ ‬تقديم‭ ‬دعم‭ ‬سياسي‭ ‬واقتصادي‭ ‬لقوى‭ ‬سياسية‭ ‬مختلفة،‭ ‬حيث‭ ‬أكد‭ ‬تقرير‭ ‬وزارة‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكية‭ ‬لسنة‭ ‬2012‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الجزائر‭ ‬قدمت‭ ‬دعماً‭ ‬سياسياً‭ ‬لعدة‭ ‬أطراف‭ ‬تونسية‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭. ‬كما‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬دراسة‭ ‬لمعهد‭ ‬الدراسات‭ ‬الأمنية (ISS) North Africa and the Arab Spring: A Strategic Reassessment في‭ ‬الصفحة‭ ‬42،‭ ‬أن‭ ‬الجزائر‭ ‬كانت‭ ‬تسعى‭ ‬للهيمنة‭ ‬على‭ ‬المشهد‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬دعم‭ ‬أطراف‭ ‬متناقضة‭ ‬ومتصارعة،‭ ‬وهنا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نستنتج‭ ‬من‭ ‬دعم‭ ‬أطراف‭ ‬متصارعة،‭ ‬أنه‭ ‬سعي‭ ‬نحو‭ ‬خلق‭ ‬«توازن‭ ‬هش»‭ ‬في‭ ‬تونس،‭ ‬مما‭ ‬يضمن‭ ‬استمرار‭ ‬الصراع‭ ‬الداخلي‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬حتى‭ ‬تتمكن‭ ‬الجزائر‭ ‬من‭ ‬التأثير‭ ‬في‭ ‬التحولات‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬تشهدها‭ ‬تونس‭ ‬بعد‭ ‬الثورة‭.‬

تورط‭ ‬الجزائر‭ ‬في‭ ‬الأزمات‭ ‬الأمنية‭: ‬النيجر‭ ‬وتشاد
في‭ ‬تشاد،‭ ‬قامت‭ ‬الجزائر‭ ‬بالتورط‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬بعض‭ ‬الحركات‭ ‬الانفصالية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تسعى‭ ‬لإضعاف‭ ‬الحكومة‭ ‬التشادية‭. ‬وقد‭ ‬أكدت‭ ‬ذلك‭ ‬تقارير‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬مثل‭ ‬تقرير‭ ‬لجنة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬بشأن‭ ‬تشاد‭ ‬الصادر‭ ‬سنة‭ ‬2008 (S/2008/560) الذي‭ ‬يؤكد‭ ‬في‭ ‬الصفحة‭ ‬8‭ ‬«أن‭ ‬الجزائر‭ ‬كانت‭ ‬توفر‭ ‬دعمًا‭ ‬لهذه‭ ‬الحركات‭ ‬المعارضة،‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬لاستغلال‭ ‬الأوضاع‭ ‬المتأزمة‭ ‬لتحقيق‭ ‬مصالحها‭ ‬الإقليمية»‭. ‬هذا‭ ‬الدعم‭ ‬كان‭ ‬يهدف‭ ‬أيضا‭ ‬إلى‭ ‬استغلال‭ ‬الأوضاع‭ ‬المضطربة‭ ‬في‭ ‬تشاد‭ ‬لتحقيق‭ ‬مصالح‭ ‬الجزائر‭ ‬الإقليمية،‭ ‬بما‭ ‬يتماشى‭ ‬مع‭ ‬استراتيجيتها‭ ‬وسياستها‭ ‬الخارجية‭.‬
أما‭ ‬في‭ ‬النيجر،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬التدخل‭ ‬الجزائري‭ ‬مشابهًا،‭ ‬حيث‭ ‬حاولت‭ ‬الجزائر‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬التوترات‭ ‬الأمنية‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬لدعم‭ ‬الحركات‭ ‬المسلحة،‭ ‬مما‭ ‬يعكس‭ ‬توجهاتها‭ ‬في‭ ‬استثمار‭ ‬الفوضى‭ ‬وعدم‭ ‬الاستقرار‭ ‬لتحقيق‭ ‬اهداف‭ ‬استراتيجية‭ ‬ضيقة‭. ‬

سياسة‭ ‬الجزائر‭ ‬الخارجية‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬خلق‭ ‬بيئة‭ ‬غير‭ ‬آمنة‭ ‬
من‭ ‬خلال‭ ‬استعراض‭ ‬تدخلات‭ ‬الجزائر‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الداخلية‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬ومالي‭ ‬وتونس‭ ‬وتشاد‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬لا‭ ‬الحصر‭ ‬،‭ ‬يمكننا‭ ‬أن‭ ‬نستخلص‭ ‬أن‭ ‬الجزائر‭ ‬تتبنى‭ ‬سياسة‭ ‬خارجية‭ ‬ترتكز‭ ‬على‭ ‬خلق‭ ‬حالة‭ ‬الفوضى‭ ‬وزعزعة‭ ‬استقرار‭ ‬جيرانها،‭ ‬في‭ ‬محاولتها‭ ‬منها‭ ‬للهيمنة‭ ‬على‭ ‬التوازنات‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬ومعاكسة‭ ‬المغرب‭ ‬،‭ ‬و‭ ‬قد‭ ‬وظفت‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الجماعات‭ ‬الإرهابية‭ ‬والتنظيمات‭ ‬المسلحة‭ ‬والاوضاع‭ ‬الأمنية‭ ‬المضطربة‭ ‬،‭ ‬كوسيلة‭ ‬ضغط‭ ‬لتحقيق‭ ‬مصالحها‭ ‬الخاصة‭. ‬وفي‭ ‬حين‭ ‬تدعي‭ ‬الجزائر‭ ‬محاربة‭ ‬الإرهاب،‭ ‬تكشف‭ ‬الأدلة‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭ ‬عن‭ ‬دورها‭ ‬في‭ ‬تعميق‭ ‬التوترات‭ ‬الإقليمية‭ ‬ودعم‭ ‬التنظيمات‭ ‬الإرهابية‭ ‬والانفصالية‭ ‬لزعزعة‭ ‬استقرار‭ ‬المنطقة‭.‬

إن‭ ‬انكشاف‭ ‬تورط‭ ‬الجزائر‭ ‬في‭ ‬زعزعة‭ ‬استقرار‭ ‬محيطها‭ ‬الإقليمي‭ ‬وانكشاف‭ ‬تورطها‭ ‬كذلك‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬بؤر‭ ‬التوتر‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬يسلط‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬سياستها‭ ‬المتخبطة‭ ‬والضيقة،‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تخدم‭ ‬الامن‭ ‬والاستقرار‭ ‬الدوليين‭. ‬
 
عبد الحميد جمور، باحث متخصص في الشؤون الإفريقية والتنمية جنوب جنوب