الأربعاء 5 فبراير 2025
اقتصاد

إدريس الفينة يعري ملاحظات مجلس الحسابات حول تجربة المدن الجديدة

إدريس الفينة يعري ملاحظات مجلس الحسابات حول تجربة المدن الجديدة زينب العداوي وإدريس الفينة
يشكل تقرير المجلس الأعلى للحسابات الأخير حول “فشل” المدن الجديدة، مثل تامنصورت وتامسنا والشرافات والخيايطة، فرصة لنقاش جاد حول السياسات التنموية الكبرى في المغرب. غير أن طبيعة التقييم الذي قدمه قضاة المجلس ينطوي على نوع من التحليل المتسرع والسطحي، متجاهلاً ما تحقق من إنجازات كبرى وما حققته هذه التجربة على مستوى النقص في السكن والبنية التحتية.

1. تجربة المدن الجديدة: السياق والأهداف
انطلقت تجربة المدن الجديدة في المغرب منذ 2004 في إطار مؤسساتي يتسم بعدم النضج الكافي للتنسيق بين الفاعلين العموميين والخواص. كانت الأهداف واضحة:
تخفيف الضغط عن المدن الكبرى كالرباط والدار البيضاء.
مواجهة العجز الكبير في إنتاج السكن الاقتصادي.
استشراف حلول عمرانية حديثة ومتطورة.

وقد نجحت الدولة، بالرغم من كل التحديات، في إنجاز آلاف الوحدات السكنية وتحقيق تحسن ملحوظ في القدرة على توفير السكن. يكفي أن نذكر أن المدن الجديدة وفرت 71,486 وحدة سكنية بنهاية 2023، وهو رقم يعكس عملاً دؤوبًا في ظل صعوبات تمويلية ومؤسساتية.

2. تقييم المجلس الأعلى: نظرة جزئية وسطحية
يعتمد المجلس الأعلى للحسابات في تقاريره على مقاربة رقابية أكثر منها تقييمية. ما قدمه من ملاحظات حول “فشل” المشاريع لم يُراعِ العناصر التالية:

سياق الانطلاقة: التجربة بدأت في ظروف مؤسساتية معقدة؛ غياب التشريعات الدقيقة، ومحدودية الموارد المالية.
الأهداف المُحققة: ركز المجلس على الأهداف غير المكتملة (نسبة السكان أو المرافق المنجزة)، متجاهلاً الأهداف التي تحققت فعلاً، كالمساهمة في تقليص العجز السكني وتوفير بنية تحتية أساسية.
الامتداد الإقليمي للتجربة: تجربة المدن الجديدة المغربية أصبحت نموذجًا يحتذى به في عدد من الدول الإفريقية، وهو ما يعكس نجاحًا استراتيجيًا للدبلوماسية التنموية المغربية.

إن تقييم مشروع بهذه الضخامة لا يمكن أن يُختزل في أرقام جزئية، بل يحتاج إلى مقاربة أكثر شمولية وواقعية تراعي التحديات والإكراهات.

3. أهمية النقاش المؤسساتي بدل الاستنتاجات المتسرعة
كان من المفترض على قضاة المجلس الأعلى للحسابات فتح حوار مؤسساتي هادئ ومنهجي مع:
الخبراء التقنيين الذين أشرفوا على التخطيط والتنفيذ.
المسؤولين العموميين المكلفين بمتابعة هذه المشاريع.

إن تجاهل الخبرات التي ساهمت في بلورة وإنجاز هذه المدن يُعدّ إجحافًا بحق مجهودات وطنية كبيرة. التسرع في إصدار أحكام نهائية و”سلبية” لا يخدم النقاش العمومي ولا يدفع نحو تحسين الأداء.

4. هل المجلس الأعلى للحسابات يوقف عجلة التنمية؟
على الرغم من أهمية التقارير الرقابية، فإن غياب الحس التقييمي لدى المجلس الأعلى للحسابات، واعتماده على منهجية تقليدية جامدة، قد يساهم في:

إضعاف ثقة الفاعلين والمستثمرين في مثل هذه المشاريع الطموحة.
عرقلة عجلة التنمية بسبب التركيز على النقد بدل البحث عن حلول بنّاءة.

إنه لمن الضروري أن يعزز المجلس تكوين قُضاته في تقييم السياسات العمومية بدل الاكتفاء بالرقابة المحاسباتية البحتة.

الخاتمة: الإنجاز أصدق من النقد
تجربة المدن الجديدة، رغم كل التحديات، تظل إنجازًا وطنيًا استراتيجيًا ساهم في حلحلة أزمة السكن وخلق نواة لتطور عمراني مستدام. من يشتغل ويواجه الصعوبات ليس كمن يكتفي بمراقبة الأرقام من خلف المكاتب. على المجلس الأعلى للحسابات أن يتخلى عن النزعة النقدية السلبية ويطور مقاربته لتكون شاملة وموضوعية تدفع بالعمل التنموي إلى الأمام. التقييم البناء هو ما تحتاجه التنمية، لا الإثارة الإعلامية أو البحث عن “البوز”.