الاثنين 13 يناير 2025
كتاب الرأي

ادريس الفينة: ماذا يربط العرب بالعرب؟

ادريس الفينة: ماذا يربط العرب بالعرب؟ ادريس الفينة
عندما نطرح سؤال “ماذا يربط العرب بالعرب؟”، تبدو الإجابة للوهلة الأولى بديهية: التاريخ المشترك، اللغة الواحدة، والدين السائد في معظم الدول العربية. لكن عند التعمق في الواقع السياسي، الاقتصادي، والاجتماعي للعالم العربي، يتبين أن هذه الروابط، رغم أهميتها الرمزية، لا تشكل دعائم حقيقية للوحدة أو التقارب بين الدول العربية. بل على العكس، ما يفرق العرب عن بعضهم يبدو أكثر وضوحًا وأعمق أثرًا مما يجمعهم.
 
من الناحية السياسية، تعاني الدول العربية من انقسامات عميقة، تتجلى في التحالفات المتضاربة والنزاعات المسلحة. بعض الدول العربية تعادي بشكل ثابت دولًا عربية أخرى بسبب خلافات إيديولوجية أو نزاعات على النفوذ الإقليمي. الأمثلة على ذلك متعددة، من النزاعات حول الحدود إلى التوترات الناتجة عن التدخلات السياسية في الشؤون الداخلية لدول الجوار. هذه الانقسامات تجعل من جامعة الدول العربية، رغم تأسيسها كمنظمة توحيدية، كيانًا رمزيًا يفتقر إلى فعالية حقيقية في تحقيق أهدافه.
 
على المستوى الاقتصادي، نجد فجوة هائلة بين الدول العربية. هناك دول غنية جدًا بفضل موارد النفط والغاز، مثل دول الخليج العربي، التي تتمتع بدخل فردي مرتفع وبنى تحتية متطورة. في المقابل، تعاني دول عربية أخرى من الفقر المدقع وارتفاع معدلات البطالة، مثل اليمن، السودان، وبعض دول شمال إفريقيا. هذا التفاوت يجعل التعاون الاقتصادي بين الدول العربية شبه مستحيل، حيث تختلف أولوياتها واحتياجاتها بشكل جذري.
 
على الرغم من اللغة المشتركة والقرب الجغرافي، فإن التبادل التجاري بين الدول العربية يبقى محدودًا مقارنة بتبادلاتها مع دول غير عربية. على سبيل المثال، تصدر معظم دول الخليج النفط والغاز إلى الأسواق الآسيوية والغربية أكثر من الدول العربية. من جهة أخرى، تعتمد الدول غير المصدرة للنفط على واردات من دول خارج المنطقة لتلبية احتياجاتها، ما يعكس ضعف التكامل الاقتصادي داخل العالم العربي.
 
حتى على المستوى الاجتماعي والثقافي، نجد تباينات كبيرة بين الدول العربية. فالدول العربية الغنية تتبنى نمط حياة معولم ومتحضر يختلف جذريًا عن نمط الحياة في الدول الفقيرة. كما أن هناك تباينًا في مستويات التعليم، الحريات الاجتماعية، والدور الذي تلعبه المرأة في المجتمع. هذه الاختلافات تعمق الشعور بالانفصال بدلًا من أن تعزز الوحدة.
وأخيرًا، تتوجه أغلب الدول العربية نحو شراكات وتحالفات مع دول غير عربية لتحقيق مصالحها الاقتصادية أو السياسية. فعلى سبيل المثال، نجد أن دول الخليج أكثر ارتباطًا بالاقتصادات الغربية والآسيوية، بينما تعتمد دول شمال إفريقيا على علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي أكثر من الدول العربية الأخرى. هذا التوجه يعكس غياب رؤية عربية مشتركة أو إطار موحد للتعاون.
 
في النهاية، يمكن القول إن ما يربط العرب بالعرب يبقى رمزيًا إلى حد كبير، بينما تظهر التباينات السياسية، الاقتصادية، والاجتماعية واقعًا منقسمًا ومعقدًا. فالعالم العربي ليس كيانًا متماسكًا كما قد يبدو على السطح، بل هو مجموعة دول متباينة المصالح والتوجهات. ولعل الإجابة عن سؤال “ماذا يربط العرب بالعرب؟” تكمن في إدراك هذا الواقع والعمل على تجاوزه إن كان الهدف بناء مستقبل عربي مشترك.