يتم استغلال الأطفال وإبعادهم عن عائلاتهم قصد تجنيدهم والتأثير عليهم بالإيديولوجيا الشمولية
بينما عملت الأمم المتحدة والمنظمات المدنية الحقوقية الدولية، على مدى السنوات الـ 25 الماضية، على تكثيف جهودها من أجل تحرير 170 ألف طفل من قبضة الجماعات المسلحة في المناطق المشتعلة، ما زالت جماعة البوليساريو، بإسناد تام من العسكر الجزائري، تمارس على الملأ تجنيد الأطفال القاصرين، ضاربة عرض الحائط بكل المواثيق الدولية الملزمة وغير الملزمة، لا لشيء إلا لبناء "جيش" تغذيه أفكار الكراهية والحقد على المغرب.
إن جماعة البوليساريو تعلن في بيانات متكررة عن تخريج دفعات من المجندين، وهم «كما تكشف الصور التي تعممها آلتها الإعلامية» مجرد أطفال ما بين 13 و15 سنة، يرغمون، ضدا عن رغباتهم أو رغبات أوليائهم، على حمل السلاح والتمرن على إطلاق الذخيرة الحية، فضلا عن أطباق لا يستهان بها من الأفكار التي تتجه كلها صوب الحقد على المغرب والمغاربة! وقد سبق لعدة تقارير أممية أن حذرت من خطورة عمليات التجنيد في مخيمات تندوف، كما سبق للمغرب في مناسبات دولية عدة أن فضح «تجنيد الأطفال» بتلك المخيمات، وأدلى بالأدلة التي تثبت ذلك، وقاد حملات الفضح ليضع المنتظم الدولي أمام مسؤولياته لتحرير هؤلاء الأطفال وإعادتهم إلى طفولتهم، وإلى أسرهم وألعابهم وفصولهم الدراسية.
لقد عمل المغرب، وعيا منه بخطورة هذه الممارسة الماسة بحقوق الأطفال، على احتضان المركز الدولي للأبحاث حول الوقاية من تجنيد الأطفال بمدينة الداخلة في 31 مارس 2022. وذلك إمعانا في فضح هذا الانتهاك الجسيم الذي تمارسه «البوليساريو»، مما قد يؤدي، إذا استمرت الحال على ما هي عليه، إلى تفاقم الأوضاع في شمال إفريقيا ودول الساحل.
وتعد مراكز تجنيد الأطفال التي تحتضنها تندوف وترعاها الجزائر; أحد التحديات الكبيرة التي تواجه الأمم المتحدة، إذ تحرص الجزائر على منع الوصول إليها، وتطويقها بعامل السرية، ما دام يقصدها خبراء عسكريون من الجماعات المارقة عبر العالم، لتجهيز «جيش نوعي» من الأطفال تربى على حمل السلاح، وعلى الطاعة، ولا يعرف له أصل واضح اللهم الولاء الأعمى لزعماء البوليساريو ولكابرانات الجزائر. والسؤال الذي لا بد من طرحه هنا بكل وضوح: هل تمارس الأمم المتحدة رقابة فعلية على ما يقع في مخيمات تندوف؟ هل الأمم المتحدة مهتمة بالفعل بإرغام الجزائر على احترام القرارات الأممية الملزمة بهذا الخصوص، سواء أتعلق الأمر بطرح هذه القضية أمام مجلس الأمن، أو الدفع باتجاه تطبيق النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، أو توجيه قصر المرادية إلى احترام مختلف المعاهدات الدولية بخصوص تجنيد الأطفال على الأراضي الجزائرية وتحت أنظار حكامها ومباركتهم؟ ذلك أن «تجميع» هؤلاء الأطفال في مراكز عسكرية وتجنيدهم و«عسكرة» طفولتهم يشكل جريمة ضد الإنسانية، وجريمة حرب، وخرقا للحقوق الأساسية للأطفال، وانتهاكا صارخا للقرارات المعتمدة من قبل مجلس الأمن في هذا الإطار.
لقد أسس المغرب المركز الدولي للأبحاث حول الوقاية من تجنيد الأطفال لدواعي مختلفة، تتصل كلها بحفظ السلام الذي شارك المغرب في بعثاته الأممية منذ 1960، فضلا عن سعيه المؤكد إلى إشاعة السلم والأمن والاستقرار في أراضيه، وكذلك في أراضي الجوار، وفي أراضي امتداده الإفريقي، إضافة إلى التزامه بالشرعية الدولية، إذ صادق في 22 ماي 2002، على البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل المتعلقة بالأطفال المجندين، وهو ملتزم بتنفيذ مقتضياتها التزاما كليا وشاملا. كما أن المغرب اعتمد في سنة 2020 «مبادئ فانكوفر»، بشأن حفظ السلم والوقاية من تجنيد الأطفال واستغلالهم، وسبق له أن أسس سنة 1995 المرصد الوطني لحقوق الطفل، كآلية وطنية لحماية الأطفال من كافة أشكال سوء المعاملة والاستغلال والعنف والجريمة المنظمة.
مقابل ذلك، لجأت جماعة البوليساريو إلى تجنيد الأطفال في سياق يحكمه نزيف سياسي وديموغرافي وعسكري وديبلوماسي تعيشه الجماعة الانفصالية، خاصة في ظل بسط القوات المسلحة الملكية سيطرتها الشاملة على الساحة، وهؤلاء الأطفال، كما تشير إلى ذلك مجموعة من التقارير والشهادات، هم إما أطفال انتزعوا غصبا من عوائلهم الفقيرة والمعدمة، وإما أطفال مشردون أو متخلى عنهم، وإما أطفال أتوا بهم من آفاق أخرى مجاورة أخرى «مالي، النيجر.. إلخ»، وإما أطفال ينحدرون من أرحام نساء مغتصبات من طرف زعماء البوليساريو وعسكر الجزائر، وإما أطفال أيتام أو مختطفون ما دام العديد من زعماء البوليساريو يقودون شبكات للاتجار بالبشر. ويأتي تجنيد هؤلاء بجمعهم في مراكز، ومحاولة بناء شخصيتهم عسكرية القائمة على «الطاعة العمياء أو الموت»، وذلك بالتأثير عليهم مدرسيا وشحنهم وتشجيعهم على حمل السلاح والمواجهة الحربية، وحشد رؤوسهم وقلوبهم بقدر كبير من الحقد والكراهية، بدعوى أن آباءهم سقطوا دفاعا عن الدولة الصحراوية الوهمية!.
ولهذا يتضح أن البوليساريو تعمل بدأب على إطلاق حملات تجنيد تحرم هؤلاء الأطفال من أبسط حقوقهم الأساسية، وتزج بهم دون رحمة في أتون الإرهاب والتطرف والاستغلال والتهريب والاتجار بالبشر والعنف الجنسي، في الوقت الذي يسعى المغرب، الذي يترأس مجلس حقوق الإنسان بجنيف، إلى إرساء الأمن وتحقيق التنمية وتنسيق جهود المجتمع الدولي لتوفير بيئة آمنة للأطفال في مختلف مناطق النزاع بالعالم، وذلك وفق مقاربة مشتركة، عالمية ومحلية في الوقت ذاته، وأكاديمية وسياسية، ونظرية وتطبيقية، تجمع بين مكافحة جريمة تجنيد الأطفال والوقاية منها. فهل يصعب التمييز بين ما يقوم به المغرب وما تقوم به الجزائر التي ترعى هذه الجريمة فوق أراضيها؟
لا يطالب المغرب إلا بتحقيق العدالة في هذا الملف، ولا يسعى سوى إلى تحرير هؤلاء الرهائن من طرف مغتصبيهم، ولا يعمل إلا من إجل إنهاء غسيل الدماغ الذي يتعرضون له. وهذا ما يستوجب تدخلا أمميا عاجلا وصارما في حق الجزائر، بما يحفظ هؤلاء الأطفال من الهشاشة، خاصة أن تقارير دولية حول المساعدات الأممية المقدمة للرهائن في المخيمات تشير إلى سوء التغذية لدى الساكنة، خاصة في صفوف الأطفال، وإذا أضفنا إلى ذلك العسكرة والتسرب الدراسي والحقد الاجتماعي، فإننا نكون أمام قنبلة موقوتة مكونة من جيل من العسكريين الحقودين والمتطرفين.
ما يقوم به زعماء البوليساريو من انتهاك منظم لحقوق الأطفال في مراكز التجنيد يستدعي إحصاء ساكنة المخيمات على وجه الاستعجال، ومواجهة كل ممانعة من الجزائر بفرض عقوبات اقتصادية عليها، كما يفرض بناء لوبي إعلامي دولي قوي للضغط على شنقريحة وتبون، وجرهما إلى القضية بوصفهما راعيين لها، وذلك كخطوة أولية لإنهاء هذه الظاهرة التي لا تهدد أمن المغرب فقط، بل تهدد الاستقرار الإقليمي، وقد تتحول في يوم من الأيام إلى شوكة في حلق صانعها وممولها وراعيها بالمال والسلاح.
إن ما يقوم به زعماء البوليساريو حاليا لا يشذ عما تقوم به العصابات الإجرامية والإرهابية الأخرى، حيث يتم استغلال الأطفال وإبعادهم عن عائلاتهم قصد تجنيدهم والتأثير عليهم بالإيديولوجيا الشمولية التي لا تقبل سوى الطاعة العمياء للزعيم أو للمافيوزي. كما أن هذه الجريمة بنت شرعية لمناطق النزاع التي تنشط فيها الجماعات المسلحة، حيث انتقلت نسبتهم في هذه المناطق الحارقة من أقل من 5% سنة 1990 (99 مليون طفل) إلى أكثر من 14% سنة 2020 (337 مليون طفل)، كما أنهم يستغلون في 75% من النزاعات المسلحة عبر العالم، أي أن أكثر من 460 مليون طفل يعيشون في منطقة نزاع سنة 2022، من بينهم أكثر من 15% من الفتيات. وهو ما يثبت أن تجنيد الأطفال جريمة تتطور باستمرار، ولا بد من التعامل معها بكل جدية، وبشكل لا يقبل التباطؤ أو التساهل.
الحسن العبدي - سعيد الجيراري
تفاصيل أوفى تجدونها في العدد الجديد من أسبوعية " الوطن الآن"