السبت 23 نوفمبر 2024
فن وثقافة

مؤلفا كتاب "محمد الحيحي ذاكرة حياة .." في ضيافة برنامج ثقافي بمراكش

مؤلفا كتاب "محمد الحيحي ذاكرة حياة .." في ضيافة برنامج ثقافي بمراكش عبد الرزاق الحنوشي وجمال المحافظ، ومؤلفهما"محمد الحيحي ذاكرة حياة "

ناذرون هم أولئك الذين يتخذون من العطاء متعتهم الخاصة، يقتفون أثر القيم النبيلة ينشدون إنسانية الإنسان بعيدا عن كوابح الإثنيات والايديولوجيات، الراحل محمد الحيحي ( 1928 – 1998 ) واحدا من هؤلاء الاعلام الذين أسسوا لثقافة البذل والعطاء، فكيف عاش بين ظهرانينا ارثه القيمي الذي نحتاجه اليوم في التأسيس لحال واقعنا واستشراف مستقبلنا، بهذه الكلمات استهل الفاعل الثقافي حسن البوهى مقدم ومعد برنامج " دردشة " الذي بثته جريدة"موجز24" الالكترونية .

 

وجاء في البرنامج الذي تنتجه "موجز24"، لدى استضافته الكاتبين والفاعلين المدنيين جمال المحافظ وعبد الرزاق الحنوشي، بمناسبة اصدار مؤلفهما، " محمد الحيحي ذاكرة حياة "، إن الراحل يعد واحدا من أعلام المغرب المعاصر المؤسسين لثقافة البدل والعطاء، بل يعتبره العديد من رجال السياسة والأدب وحقوق الإنسان من قبيل الأديب محمد برادة، والمؤرخ محمد معروف الدفالي والراحل عبد الرحمان اليوسفي والحقوقي ، النقيب المحامي عبد الرحمان بنعمرو والأستاذ فتح الله ولعلو والصحفي الراحل عبد اللطيف جبرو وآخرون بالمؤسس الفعلي للمجتمع المدني بالمغرب.

 

وتوقف البرنامج عند محطات من تاريخ ومبادرات محمد الحيحي، خاصة منها تأسيس العديد من الهيئات المدنية في مقدمتها الجمعية المغربية لتربية الشبيبة AMEJ سنة 1956 و الجمعية المغربية لحقوق الانسان سنة 1979، واتحاد المنظمات المغربية التربوية سنة 1991 وغيرها من المنظمات المدنية.

 

مؤسس المجتمع المدني

كما استعرضت هذه الحلقة من " برنامج دردشة" بعض المحطات الكبرى في مسار الراحل وعلاقاته الوطيدة مع العديد من الشخصيات الوطنية التي بصمت تاريخ المغرب، في مقدمتهم رفيق دربه، وملهمه وصهره الشهيد المهدي بن بركة، الذي كان سنده في تنفيذ مشروع طريق الوحدة سنة 1957، فضلا عن تفاصيل القرار المجحف في حقه الذي قضى بفصله من الوظيفة العمومية بسبب مشاركته في الإضراب العام 25 دجنبر 1960، الذي دعا إليه الإتحاد المغربي للشغل.

 

واعتبر مقدم وصاحب البرنامج أن كتاب المحافظ والحنوشي، ذاكرة حياة، يهدف إلى المساهمة في ترسيخ ثقافة الاعتراف والوفاء لرجل عاصر أحداثا كبرى سياسية وحقوقية وتربوية، وكان فاعلا في تحولات مغرب النضال في مرحلة الاستعمار، وبعد الاستقلال.

 

تثمين إرث أعلام المغرب

وفي هذا الصدد تناول الكاتب الصحافي جمال المحافظ والفاعل المدني والحقوقي عبد الرزاق الحنوشي ضيفا البرنامج عددا من القضايا ذات الصلة بالذاكرة الوطنية وتثمين الإرث الثقافي لأعلام المغرب، والسبل الكفيلة بترسيخه كسلوك مدني والعديد من المواضيع الأخرى ذات الصلة.

 

وفي اطار تفاعلهما مع أسئلة صاحب البرنامج، سلط المؤلفان الضوء على الأدوار الطلائعية التي قام بها الراحل محمد الحيحي في دروب السياسة و التربية وفي منعطفات حقوق الإنسان، ومنعرجات العمل التطوعي، كما أثارا من موقعهما كخريجي مدرسة الجمعية المغربية لتربية الشبيبة، الانتباه كذلك إلى بعض القيم التي ناضل من أجلها قيد حياته حتى تظل نبراسا تقتدي به الأجيال الصاعدة.

 

وبالنسبة لمؤلفهما الذي يشتمل على 50 من الشهادات لشخصيات وفعاليات سياسية وحقوقية وجمعوية، جايلت محمد الحيحي ( 1998 – 1998 )، أوضحا، أنه يستحضر محطات غنية من العلاقات التي جمعتهما مع الراحل، وتثير الانتباه إلى ما قدمه من جليل الأعمال خدمة للوطن، ودفاعا عن قضايا الطفولة والشباب وحقوق الإنسان والانتصار لقيم التطوع والمواطنة والعمل على توحيد جهود الحركة السياسية والتربوية والحقوقية.

 

الأخلاق في السياسة

وأشارا إلى أن من بين عناوين فصول الكتاب الصادر عن دار النشر " الفاصلة " بطنجة، ضمن منشورات "حلقة الوفاء لذاكرة محمد الحيحي" والواقع في أزيد من 400 صفحة من القطع المتوسط، "الزوج والأب والمناضل " و" الأخلاق في السياسة" و"رائد حقوق الانسان" و" رجل الوحدة بإمتياز" و"الجمعية المغربية لتربية الشبيبة: المدرسة والمؤسسة ".

 

المـعلم والـمُـربي والمناضل والـحقوقي

ومن بين أمثلة الشهادات التي تضمنها الكتاب توقف جمال المحافظ، عند ما أورده الأديب والجامعي محمد برادة على أنه يمكن القول، من دون مبالغة، بأن المرحوم الحيحي نموذج لتجسيد فئة متمـيـزة من المواطنين خلال فـترة تاريخـية/اجتماعية من تاريخ المغرب الحديث؛ وقال في هذا الصدد أقصـدُ فـئة المناضــلين من أجــل تحقيق أهــداف الاستـقلال وبـناء مجتمع الـعدالـة وحـرية المواطــنين… وهـو قـد جسّـد هذا السـلوك من خلال مـمارسات تشمل: المـعلم والـمُـربي والمناضل الحزبي والـمدافـع عـن حقوق الإنـســان. بعبارةٍ ثانـية، كان المرحـــوم يـعتــبـر المواطنة مشاركـةً في كل ما يسـاعـد على خدمة المجتمع والوطن، ويُـجسّــد الانتماء بـكيفية إيـجابية ومـلــموسة، وهو ما جعل محمد الحيحي: يبقى حيا في ذاكرة الناس.

 

أما الحنوشي فاستحضر شهادة عبد الرحمان اليوسفي ( 1924 – 2020 ) الذي اعتبر فيها أنه ليس غريبا أن يصف بأنه كان رجلا وطنيا دافع عن الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان مع ما كان يتحلى به، من خصال إنسانية عالية وقيم أخلاقية مثالية تندمج مع شخصه، سواء في حياته الخاصة كرب أسرة رعاها بوداعته وبسمته، أو في حياته الخاصة كمناضل أوقف حياته على خدمة الصالح العام ومصلحة الوطن بروح من التضحيات والتفاني والثبات والصمود، لا تعجزه المعوقات والحواجز ولا تروعه الأهوال والمكائد، فحياة محمد الحيحي، بإجماع رفاقه وتلاميذه وزملائه، كانت في حد ذاتها ذخيرة من الكفاحات والنضالات والمواقف البطولية.

قامة وطنية بأبعاد متعددة

وفي شهادة/ دراسة للأستاذ الجامعي محمد معروف الدفالي التي اختار لها عنوان: "محمد الحيحي في سياق مخاض وتجذر العمل الجمعوي بالمغرب"، كتب إن الحيحي، قامة وطنية تعددت مساهماتها الإيجابية لصالح البلاد، وكانت، إلى جانب أمثالها، وراء ترسيخ العمل الجمعوي وترسيخ العديد من تقاليده التي مازالت بعض مظاهرها سارية المفعول لحد اليوم. والقول فيه وفي تجربته، التي تستحق في رأيه بحثا علميا رصينا .

 

وأبرز المؤلفان عبد الرزاق الحنوشي وجمال المحافظ، أن مختلف شهادات الشخصيات السياسية التي يتضمنها الكتاب، أجمعت على أن محمد الحيحي الذي ظل طوال حياته مخلصا لفكر المهدى بن بركة، حافظا لذاكرته، كان رجلا وحدويا استثنائيا، جسد قيد حياته كل القيم النبيلة، ومناضلا سياسيا خلاقا من أجل حقوق الشباب والطفولة بشكل خاص وعموم الشعب، عرف عنه التضحية والتطوع والوفاء وسعيه الدؤوب للم شمل كل الفعاليات التي تتقاسم نفس المبادئ والأهداف والقيم.

 

موحد الحركة التطوعية والحقوقية

وباعتباره قائدا للحركة الحقوقية وللمجتمع المدني، أبرزا أن محمد الحيحي يعتبر أحد رواد الحركة الحقوقية المغربية، وقائدا وموحدا للحركة التطوعية، ساهم بفعالية في تطويرها بصبر وأناة وبتضحيات جسام طيلة مسيرته الطويلة التي تقلد فيها مهام قيادة المجتمع المدني الذي عمل الفقيد على الدفاع عن استمراريته بالرغم من الصعوبات العملية التي كانت تعترضه.

 

ومن بين المحطات الكبرى توقف عندها عبد الرزاق الحنوشي، مشروع طريق الوحدة سنة 1957 الذي كان محور حوار ، أجراه مع الراحل في تسعينات القرن الماضي ونشرته جريدة " النشرة " ، والذي أوضح فيه محمد الحيحي بأن أول شعار كان لهذا المشروع الشبابي الضخم، " نحن نبني الطريق والطريق تبنينا" .

 

ملهم الأجيال الصاعدة

ونقل الحنوشي عن محمد الحيحي قوله في ذات الحوار إن الهدف من هذا المشروع كان هو تعبئه الشباب لبناء المغرب من الناحية الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، مضيفا أن الأسباب التي دعت للتفكير في اخراج هذا المشروع الى حيز التنفيذ، وإن كانت كثيرة، فإن أهمها كون القيادة الوطنية كانت تعي جيدا أن الاستقلال لم يكن غاية في حد ذاته، وإنما كان وسيلة للنهوض بالمغرب ولفتح آفاق العمل للشباب المغربي لبناء الاستقلال وتفجير طاقاته وتحقيق آماله.

 

وفي ذات الحوار أشار الحيحي إلى أن الشهيد المهدي بن بركة، قال في أول خطبه أمام مسيري الأوراش الخاصة بهذا المشروع أثناء اجتماعهم بالمعمورة، إن المغرب المستقل يشكو من تأخر خطير في الميدان الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والمؤسسات، وأن هذا التأخير لا يمكن تداركه إلا ببذل جهود فردية وجماعية، في المدينة والقرية… في حياتنا الخاصة والعامة وخصوصا على الصعيد الوطني.

 

وطنية ونزاهة

ولبلورة هذه المهام - يقول المهدي بن بركة على لسان محمد الحيحي- وجب أن تكون داخل إطار منظم وممنهج تحت قيادة عملية وطنية ونزيهة ومع مشاركة ديمقراطية لجميع الشرائح المكونة للمتطوعين. كما يجب ان يكون العنصر المشارك فاعلا داخل الجماعة يدفع بها بحماس ووعي للتغلب على التأخر والفقر والجهل.

 

 

وبخصوص دواعي اعداد هذا الكتاب حول مربي الأجيال محمد الحيحي قال بأن هذا المؤلف، بقدر ما هو مساهمة في التعريف بأحد رموز النضال السياسي و الحقوقي والتربوي والجمعوي بالمغرب، فإنه بالمقابل يعد مبادرة تسعى الى إثارة الانتباه كذلك الى مرحلة لم تحظ بالقدر الكافي من الاهتمام والانشغال من الباحثين و الفاعلين في المجتمع المدني بالمغرب، وأن هذه المبادرة تطمح إلى أن تكون ملهم للأجيال الصاعدة .

 

تجدر الإشارة إلى أن " دردشة" هو برنامج تنشيطي تثقيفي ُمصور بالصوت والصورة، يهدف بالخصوص الى التعريف بأحدث الاصدارات الفكرية والمؤلفات الإبداعية والمساهمة في نشر ثقافة الكتاب، سيما في أوساط الشباب وإشاعة ثقافة القراءة والمساهمة في تهذيب الذوق العام بشكل مباشر..