عند اتخاذ قرار الانخراط في المجال السياسي، غالبا ما تحفزنا الرغبة في التغيير وتحقيق العدالة الاجتماعية. فبعد عقود من الركود السياسي والعزوف عن أي نشاط حزبي، كانت العودة إلى الساحة السياسية مليئة بالأمل بأن يُمكن إحداث فرق إيجابي يخدم القضايا الوطنية. لكن، ومع مرور الوقت، تكشّفت حقائق قاسية حول طبيعة العمل السياسي في المغرب وأبعاد القوى المؤثرة فيه، مما جعل التجربة تحمل في طياتها إحباطًا عميقًا وأسئلة وجودية حول جدوى النضال السياسي من الداخل.
تبدأ التجربة عادةً بالحماس والانضمام إلى مجموعة من الأشخاص الذين يُطلق عليهم “رفاق النضال” والذين يحملون نفس الأفكار المبدئية حول قضايا العدالة والمساواة. وقد يبدو في البداية أن هنالك انسجامًا واتفاقًا على الخطوط العريضة للنضال ضد الفساد والتهميش، والدعوة إلى التغيير الديمقراطي. لكن ما إن يُدرك المرء طبيعة الممارسات الداخلية حتى تتضح المظاهر السطحية والشعارات الفارغة التي تطغى على المواقف الحقيقية.
يعاني المجال السياسي المغربي بنيويا من مركزية حزبية خانقة وممارسات تجعل من الصعب على أي شخص تحقيق تأثير ملموس. الأحزاب في معظمها تعتمد على رموز ذات تاريخ طويل ومرتبط بالسلطة، مما يترك مساحة ضيقة للأصوات الجديدة وللأفكار التقدمية. وتزداد هذه الديناميكية تعقيدًا مع ضعف التنظيم الداخلي للأحزاب، حيث تُهيمن المصالح الشخصية على القرارات، وغالبًا ما يُقدم الولاء للقيادة على حساب الكفاءة والرؤية الإصلاحية.
من ناحية أخرى، هناك أيضًا صعوبة كبيرة في تحقيق تواصل حقيقي بين المواطن المغربي والسياسيين، فالثقة التي كانت يومًا ما بين الشعب وقياداته قد تآكلت بفعل الوعود الكاذبة وعدم تحقيق التنمية المطلوبة. هذا الانفصال بين السياسي والمجتمع يزيد من صعوبة تحقيق أي إصلاح، إذ يكون السياسي غالبًا في حالة عزلة عن احتياجات الشارع، وتكون قراراته غير واقعية وغير مبنية على رؤى موضوعية تستند إلى الحقائق الاجتماعية والاقتصادية.
قد تكون كذلك السياسة مرتبطة اقتصاديا، وفي كثير من الأحيان، بعوامل تؤدي إلى تداخل المصالح الاقتصادية والسياسية. فالنخب السياسية غالبًا ما تكون لها روابط وثيقة مع مصالح اقتصادية قوية، مما يجعلها أقل اهتمامًا بالإصلاحات التي قد تمس هذه المصالح. يصبح السياسي تحت تأثير الضغوط الاقتصادية التي تُضعف قدرته على تبني قرارات تخدم الصالح العام، وتدفعه بدلاً من ذلك إلى اتخاذ قرارات تعزز من قوة هذه النخب.
في ظل هذه العوامل المتشابكة، يجد السياسي المغربي نفسه في معادلة صعبة، حيث تكون الممارسة السياسية محفوفة بالعراقيل والتحديات التي تجعل من الصعب على السياسيين المؤمنين بالتغيير البقاء ضمن هذا المجال. ومع قلة النتائج الملموسة، يغرق المرء في دوامة من الإحباط والندم، مما يؤدي إلى قناعة تامة بأن هذه التجربة كانت محاولة عبثية في ظل الظروف الحالية.
الدرس الأبرز من هذه التجربة هو أن العمل السياسي في المغرب يحتاج إلى إصلاح جذري يعيد هيكلة الأحزاب، ويحررها من السيطرة الشخصية والمصالح الاقتصادية.
هناك حاجة ملحة إلى إعادة هيكلة او ربما اعادة بناء أحزاب تكون بروحٍ ديمقراطية تؤمن بالتغيير الديمقراطي الفعلي. وحتى يحدث ذلك، قد يبقى الانخراط في السياسة المغربية، بالنسبة للبعض، تجربة مليئة بالفشل والإحباط أكثر منها أداةً لتحقيق الإصلاح الاجتماعي والاقتصادي.