الجمعة 22 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

إدريس الأندلسي: لا تصوتوا على زيادة الدعم لكبار الأغنياء

إدريس الأندلسي: لا تصوتوا على زيادة الدعم لكبار الأغنياء إدريس الأندلسي
أيها البرلمانيون، أيتها البرلمانيات، هل قرأتم جميع وثائق مشروع قانون المالية لسنة 2025؟ السؤال بسيط ومرتبط بضرورة مقارنة توزيع المال العام على الفئات المختلفة في الشعب المغربي. لا تغفلوا التفاوتات الطبقية التي تتفاقم، ولا تنسوا التفاوتات المجالية. لقد تأثرت القدرة الشرائية للمواطنين، وزادت استفادة قلة قليلة من المال العام عبر النفقات الجبائية والعقار العمومي وصناديق دعم الاستثمار. هل طالبتم بتقارير لتقييم الهدايا التي تمنحها الدولة لعلية القوم وكبار المستفيدين؟ لا يوجد أي تقييم ولا مراقبة لتراكم ثروات من ليسوا تجارًا أو مستثمرين أو صناعيين أو أصحاب مقاولات في مجال الخدمات. لم يعد مهمًا تفصيل أرقام الميزانية من مداخيل ونفقات بمئات الملايير، ولكن المهم جدًا هو آثار هذه الملايير على عيش المواطن.
 
هذا الرجاء موجه لمن يجلسون على مقاعد البرلمان. إنها "لا الناهية" التي ستمكن من طرح سؤال المستفيدين الحقيقيين من كرم قبولكم للاستمرار في تقديم الهدايا الضريبية والميزانياتية والعقارية لفئة قليلة جدًا من مواطني بلدنا. زادت حدة الخطابات التي تؤكد أن قوانين المالية تستهدف ذوي الدخل المحدود والضعيف. وكان آخر هذه الخطابات ما صرح به رئيس الحكومة لموقع "مدار 21".
 
يبدو أن هذا الرئيس هو الوحيد، مع زمرته، الذي يصدق أن ظروف المعيشة تحسنت وأن الحكامة انتصرت وأن التنمية ترسخت. يكفي القول إن كل المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية تجاوزت الحدود الدنيا المعترف بها عالميًا. صوتوا، يا من تفتخرون بصفة ممثل الشعب في قصور القرار البرلماني، ضد كل الهدايا الضريبية وكل الامتيازات التي تنعم بها فئة قليلة تنتصر على كل الفئات الاجتماعية الأخرى. صوتوا بشجاعة، يا كل من يعتبر نفسه قد وُلِد من رحم صناديق الاقتراع.
 
توصلتم جميعًا بمشروع قانون المالية، الذي يضم الكثير من الأرقام التي قد يستعصي فهمها على العديد من ممثلي الشعب. لا يمكن الجزم بأن التقارير القيمة التي أرفقت بمشروع قانون المالية قد التقطها المشرعون بلهفة ورغبة في تحليلها وربط معطياتها باختيارات الحكومة المضمنة في المشروع. يمكنكم، أيها السيدات والسادة، أن تتعرفوا من خلال هذه التقارير على وضع بلادكم الاقتصادي والمالي والاجتماعي. يمكنكم معرفة معطيات حول الضريبة والديون والعقار العمومي وتوزيع الاستثمار جهوياً ومصاريف المقاصة والتحملات المشتركة وغيرها من المعطيات القطاعية. أمامكم أكثر من 12 تقريرًا تغنيكم عن سؤال المختصين إذا كنتم تفقهون في قراءة المعلومة بناءً على مستواكم المعرفي وتجربتكم الطويلة في الجلوس على كراسي البرلمان.
 
يجب على كل برلماني أو برلمانية أن يفتخر بقدرته على مواجهة الخبرة الحكومية خلال تمرير مكونات مشروع قانون المالية. ولأن الواجب يقتضي تفسيرًا واضحًا للمعطيات المتاحة للجميع، وجب التذكير ببعض المعطيات الواضحة والمفضحة. لعل البرلماني أو البرلمانية يواجهان الحكومة بمعطيات وليس بقبول متسرع لمشروع ناتج عن تجاهل أو جهل بطريقة توزيع ثروة الوطن على المواطنين. ولتسهيل القراءة، يجب اللجوء إلى وثائق الحكومة.
 
يوجد تقرير يوضح "الهدايا الضريبية" الممنوحة لدعم كل القطاعات، وتسمى هذه الهدايا بالنفقات الضريبية. يجب التوضيح أن إدارة الضرائب أو الجمارك تطبق القانون ولا تفرضه. أنتم، معشر ممثلي الشعب، من يصوت على القانون. واحترامًا لموقعكم، وجب التذكير بالروابط التي تجمع اللوبيات بالسياسة. تتسم فترة إعداد مشروع قانون المالية بنشاط تواصلي وفعلي بين أصحاب المصالح المالية والاقتصادية الكبرى. تتوصل القيادات الحكومية والهيئات الحزبية.. برسائل حول المهام في المجال الضريبي. يبدأ العمل وقد يصل الأمر إلى الترويج لأهمية تخفيض السعر الضريبي على قطاع اقتصادي شهورًا قبل صياغة مشروع قانون المالية. وبناءً على ما سبق، أصبح تقرير النفقات الجباية يزخر بالكثير من الأرقام حول ما خالف القاعدة الضريبية بتصويت من نواب الأمة وممثلي الشعب. صوتت أغلبيتهم على أكثر من 350 مليار درهم خلال العشرية الأخيرة، كانت هذه الملايير موجهة أساسًا لعلية القوم. والأكثر من ذلك أنه لم يتم تقييم هذه النفقات على حجم الاستثمار ولا عن آثارها على النمو والتشغيل. هكذا استمر إصدار تقرير عن النفقات الجبائية بشكل بسيط لا يجيب على سؤال تقييم آثار مئات الملايير على الاقتصاد الكلي للوطن. ونفس الشيء يمكن تسجيله في مجال تسخير العقار العمومي للاستثمار. تشير معطيات وزارة الاقتصاد والمالية إلى أن حوالي مليون وست مئة ألف هكتار من أراضي الملك الخاص للدولة قد تم تسخيرها، خارج الأراضي الموجهة للزراعة، للمشاريع الاستثمارية. توجد ضمن هذه المشاريع البنيات التحتية ومشاريع التنمية الكبرى التي قدرت الاستثمارات المرتبطة بها بأكثر من 877 مليار درهم خلال السنوات الثلاث الأخيرة. تشير المذكرة المرفقة بمشروع قانون المالية إلى تفاصيل التوزيع الجغرافي لتسخير العقار العمومي لمشاريع الاستثمار. ويظل سؤال متابعة تنفيذ هذه المشاريع وتقييم نتائجها الغائب الأكبر. يمكن توسيع دائرة الكلام عن هبات الدولة إلى عدة قطاعات. وسيظل السؤال هو تأثير المعاملة التفضيلية للاستهلاكيات الفلاحية الكبرى على أسعار المواد الغذائية والموارد الضريبية. فرغم الكرم الحكومي الذي تجاوز كل المقاييس، لا "تتكرم" كبريات الاستغلاليات الفلاحية إلا بنصيب صغير في مجال الضريبة على الدخل والشركات. ولا تصل مداخيل هذه الاستغلاليات الضريبية إلى مداخيل الضريبة على القيمة المضافة التي يؤديها سكان حي في مدينة متوسطة. ويظل الكرم الحكومي سخياً عبر صندوق التنمية الفلاحية وملاييره المذرارة على علية القوم. ويمكن تعميم الكلام عن السخاء الحكومي على قطاعات العقار والصناعة والسياحة والصيد البحري. ويظل سؤال ربط تسخير المال العام بالنتائج عصيًا عن التقييم. يحدث كل هذا في ظل خطاب حكومي لا يتحدث إلا عن ضغط تخفيف الضريبة على دخل المواطنين على مداخيل الدولة. تزداد هوامش ربح تجار العقار والمنتجات الفلاحية وشركات استيراد وتوزيع المواد الطاقية والبنوك وشركات التأمين والاتصالات في ظل صمت مدوي للحكومة وأغلبيتها البرلمانية.
 
وتأتي منظومة الدعم للاستثمار لتزيد في قدرة طبقة تعودت على زيادة ثروتها بفضل المال العام المسخر، منذ عقود، لخلق الثروة والشغل وتقوية البنيات الإنتاجية. للمغرب تاريخ مع "إرضاع الكبار" ماليًا من خلال قوانين الاستثمار التي شملت البر والبحر والسياحة والصناعات والفلاحة. وكانت آخر الهدايا التي قدمت للمستثمرين منح سخية وافقت عليها أغلبية سكان البرلمان من خلال التصويت على قانون إطار. ما يهم المواطن هو بناء اقتصاد يستفيد منه الجميع وليس أقلية. وما يهم الجميع هو ربط الدعم والتحفيزات المالية بنتائج وأثر كبير على نسبة نمو الناتج الداخلي الإجمالي وسوق الشغل وتوسع قاعدة الوعاء الضريبي. مشكلتنا في بلادنا هو أن الحكومات تسارع الزمن للاستجابة لطلبات قلة قليلة من المغاربة، وتنسى أن تحاسبهم وتقوم بتقييم النتائج التي كانت متوقعة في برامج قدمها المستفيدون من "ثدي" الدولة الكريمة المليء بخيرات ينتظر أن تعم الجميع. لا يوجد العيب في التحفيزات المالية والعقارية، بل يوجد في غياب التتبع الواجب للالتزامات التي يجب أن توازي ما تقدمه الدولة باسم المواطن وبلده.
عرف المغرب منذ عقود تطورًا مؤسساتيًا في مجال تنظيم الحكامة السياسية محليًا وجهويًا ووطنياً. تكونت مجالس عبر انتخابات لم تجمع على شفافيتها كل الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني والملاحظين. وظلت الممارسة السياسية سجينة حسابات ضيقة كان من نتائجها ظهور فئة من خبراء الفساد الانتخابي الذين أصبحوا يراكمون ثروات مشكوك في مصدرها. وتطفو، بين الفينة والأخرى، قضايا تهم محاسبة بعض المفسدين ومحاكمتهم. ويظل المطلب الكبير، الذي يمكن أن يرجع الثقة إلى ممارسة السياسة، هو إعطاء مدلول عملي للمحاسبة في إطار القانون. أصبح مطلب "من أين لك هذا" مرادفًا للتشكيك في كل شيء. والواقع أن المؤسسات تزداد قوة وشرعية مع تفعيل المحاسبة وربطها بالمسؤولية. نعم، يثمن كل عاقل ما تم إنجازه للدفاع عن وحدة المغرب، ولا يثمن أي عاقل الاغتناء غير المشروع الذي استفادت منه زمرة من  المفسدين. وزاد الأمر استفحالا مع إصرار وزير العدل على تغييب كل مؤسسات المجتمع المدني من الدفاع عن حصانة التدبير العمومي. وسنضيع رأسمالا ثمينا في كثير من القطاعات وعلى رأسها الدفاع على حقوق المستهلك وعدم التفريط في تتبع نهب المال العام.